حل سياسي لقضية البدون في الكويت: تجنيس وإقامات دائمة

24 يوليو 2019
يطالب البدون في الكويت بالاعتراف بمواطنيتهم (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

تعود قضية البدون (المقيمون بلا هويات وبصورة غير قانونية) إلى واجهة الأحداث في الكويت، مع إعلان مجلس الوزراء الكويتي، في اجتماع له يوم الإثنين الماضي، تلقي أوامر أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح بحل قضية البدون بشكل جذري وعاجل، وبما يحقق المصلحة الوطنية العليا للبلاد، حسب وصفه. وبدأت سلسلة اجتماعات بين مكتب رئيس الوزراء من جهة، ورئيس الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية من جهة أخرى. كما أن مجلس الأمة سيشترك في الاجتماعات المقبلة لوضع اللمسات النهائية على مشروع قانون يهدف إلى إنهاء مشكلة البدون من جذورها وحسم الملف بشكل نهائي بعد أكثر من 60 عاماً من الصراع بين السلطة وفئة البدون التي تُطالب بالاعتراف بمواطنتها.

وتجددت الأزمة قبل أيام مع إقدام الشاب من البدون عايد مدعث على الانتحار، بسبب أوضاعه المعيشية الصعبة ومنعه من تجديد هويته الأمنية، لتشتعل الاحتجاجات في مدينة الجهراء شمال الكويت، أحد أكبر معاقل البدون السكنية. لكن زيارة المستشار السياسي للسفير الأميركي في الكويت لعائلة الشاب المنتحر أدّت إلى دق ناقوس الخطر لدى القيادة السياسية في البلاد، والتي تخوّفت من أن تكون قضية البدون ثغرة دبلوماسية ضد الكويت. كذلك جرى اعتقال النشطاء الذين قاموا بتنظيم الاحتجاجات ووُجّهت إليهم تهم عدة، منها إذاعة الأخبار الكاذبة والدعوة إلى الانقضاض على المصالح القومية والانضمام إلى جماعة تدعو إلى هدم النظم الأساسية في البلاد. وأصدرت الحكومة أوامرها لكل الصحف المحلية، بلا استثناء، بتوحيد العناوين على صدر صفحاتها، الإثنين الماضي، والتي اشتملت على الأوامر الأميرية بحل قضية البدون بشكل نهائي قبل انتهاء العام الحالي.

وبحسب رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، فإن أمير البلاد أمر رئيس الجهاز المركزي المكلف بتسيير شؤون البدون ووزير الداخلية والبرلمان بإيجاد حل نهائي خلال فصل الصيف، وفي حالة صياغة مشروع القانون الخاص بالبدون فإن البرلمان سيصوّت عليه في جلسة طارئة خلال فصل الصيف، ومن ثم يحال إلى الحكومة لتنفيذه. وقدّمت الحكومات الكويتية المتعاقبة منذ ما بعد الغزو العراقي للبلاد في عام 1990 وعوداً بحل قضية البدون بشكل نهائي. وكانت هذه الوعود تأتي في سياق التهدئة السياسية ومحاولة امتصاص الغضب، لكن الأوامر الأميرية هذه المرة كانت صارمة بحسب رئيس تحرير صحيفة "الراي" المقربة من الحكومة وليد الجاسم. وقال الجاسم إن الأمير يرغب في تفكيك هذه القضية وإنهائها للأبد، كونها باتت تمثّل صداعاً للجميع ومأزقاً سياسياً واجتماعياً للبلاد. ولم تُصدر أي جهة رسمية تصوراتها النهائية لحل القضية، لكن مصادر "العربي الجديد" أكدت أن الحكومة ستعتمد التصوّر الذي طرحه رئيس الجهاز المركزي للبدون صالح الفضالة، والذي ينصّ على تقسيم فئة البدون لعدة شرائح هي أبناء الكويتيات، والعسكريون الذين يخدمون في الجيش الكويتي، وحملة إحصاء 1965 (وهو أول تعداد سكاني في الدولة) وحملة إحصاء 1970 وما بعد.

وسيحصل أبناء الكويتيات على الجنسية الكويتية بشرط واحد هو اعترافهم بامتلاك جنسيات أخرى والتوقيع على أوراق تثبت انتماءهم لدول مجاورة تدّعي الحكومة أنهم يتحدرون منها، فيما سيحصل العسكريون وحملة إحصاء 1965 على إقامة دائمة ومفتوحة في البلاد شرط اعترافهم بامتلاك جنسية أخرى من الدول المجاورة. أما حملة إحصاء 1970 وما بعد فإنهم سيحصلون على إقامة مجانية لمدة خمس سنوات شرط جلبهم جوازات سفر أصلية إما من دول مجاورة أو عبر الجنسية الاقتصادية. وتخطط الحكومة الكويتية لتوقيع اتفاقية مع عدد من الدول، مثل بيلاروسيا، لإعطاء هذه الشريحة من البدون الجنسية البيلاروسية مع الإقامة في الكويت. واجتمع الفضالة مع ممثلي مفوضية اللاجئين في الكويت، إضافة إلى ممثلي العديد من الدول التي تمنح جنسياتها للمستثمرين لتنسيق الملف. وسبق للجهاز المركزي للبدون أن حاول التفاوض مع النظام السوداني العام الماضي لمنح البدون الجنسية السودانية مقابل حزمة من الاستثمارات المالية، لكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض الشديد في السودان والكويت على حد سواء.



واتهم نشطاء بدون الحكومة بمحاولة تصفية القضية وإنهائها من الوجود، على الرغم من أن الحل الوحيد من وجهة نظرهم هو منح الجنسية للمستحقين من البدون. وقال عثمان الشمري، أحد نشطاء البدون، لـ"العربي الجديد"، إنها "صفقة قرن" خاصة بالبدون وسنحاول الضغط لوقف تمريرها. وعن جدية الحكومة في حل الملف قال الشمري "بحسب ما يتبيّن لنا فإن القيادة السياسية غاضبة جداً وتريد حلاً نهائياً وعاجلاً على عكس المرات السابقة التي كانت تحاول فيها امتصاص الناس وتخديرهم".

وقال نائب كويتي متعاطف مع البدون، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة بدأت اتصالاتها لحشد الأصوات المؤيدة للقانون الذي لم يُكتب بعد، والنواب المؤيدين أعطوا وعوداً بالتصويت مع الحكومة على الرغم من أنهم لا يعرفون ما الذي يتضمنه القانون. ومن وجهة نظري هذا هو مقياس جدية الحكومة، السرعة وإصدار الأوامر العاجلة لتمرير القانون بشكل سريع". ويبلغ عدد البدون، بحسب الجهاز المركزي الذي يتولى شؤونهم، 88 ألف شخص، لكن البدون يقولون إن أعدادهم تصل إلى 150 ألف نسمة. وتوجد فئة أخرى وهي فئة "بدون البدون" وهم أولئك الذين أجبرتهم السلطات على استخراج جوازات سفر من فنزويلا وبوليفيا وجيبوتي واليمن مقابل منحهم مبالغ مالية وعدم طردهم من الجيش الكويتي في تسعينيات القرن الماضي، وبعد انتهاء مدد هذه الجوازات ورفض الحكومات التابعة لها تجديدها، أصبح هؤلاء مهددين بالترحيل إلى البلدان التي لا يعرفونها ولم يزوروها. ولن يكون هؤلاء مشمولين بالحل الحكومي الجديد، ما يعني ولادة مشكلة جديدة في الكويت بما يخص هذه القضية.