حكومة العبادي تحتاج مخترع الكهرباء

17 سبتمبر 2014
+ الخط -

قد يوحي عنوان المقال أن حكومة الدكتور حيدر العبادي في العراق بحاجة إلى وزيرٍ بقامة مخترع الكهرباء، أديسون، لإدارة ملف وزارة الكهرباء التي أصابتها السكتة القلبية منذ زمن طويل، لكن قصده بث التيار الكهربائي في أوصال الحكومة الحالية بأكملها. الولايات المتحدة، صانعة الكوارث في هذا البلد، بدون منافس، استبشرت خيراً بالتشكيلة الحكومية العتيدة، واعتبرتها "خطوة حاسمة" نحو هزيمة تنظيم داعش، وأبدت استعدادها لتقديم العون لها، لكنها أضافت عبارة سرقتها من إذاعاتنا العربية، هي "لا بد من اتخاذ هذه الحكومة خطوات ملموسة، لتلبية تطلعات الشعب العراقي ومطالبه المشروعة!"

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: ما هي هذه التطلعات المشروعة؟ قبل الإجابة، يحسن القول إن تلبية تطلعات الشعب العراقي من المهام المستحيلة، وهي ليست بالضرورة الحرب على داعش فقط، لأنه حدث عابر ليس إلا. وذلك يعني أن حكومة العبادي يجب أن تكون حكومة حرب وحكومة بناء في آن واحد في قلب العاصفة الهوجاء. التركة ثقيلة، دكتور العبادي الذي يتشابه اسمك مع اسم مغن شعبي يحبه العراقيون، وهي: مشكلات هائلة، وأزمات معقدة، ومعارك مشتعلة، وميزانية معطلة، ومؤسسات خدمية منعدمة، وعلاقات دولية متوترة، وكيانات سياسية لا علاقة لها بالمصالح الوطنية.

أين وزراء قائمة التكنوقراط؟ الوزراء الذين اخترتهم، دولة الرئيس، وزراء المراحل الفاسدة، الذين تعرفهم حقاً، ارتدوا ثوب الدين، وسرعان ما تحولوا إلى وعّاظ السلاطين في حضرتك. أنت فتحت النار على حكومتك بنفسك، بدأ المهمشون من أبناء المحافظات المنسية يصرخون: أين الحد الأدنى من التوازن السكاني العادل عند توزيع الحقائب الوزارية بين المحافظات؟ وبعض رؤساء القبائل يشترطون الحصول على المناصب العليا في مقابل توقفهم عن دعم الخلايا الإرهابية. فئات جديدة ظهرت حيّرت علماء الاجتماع، حتى علي الوردي لو خرج من قبره، لأصابه عقم التحليل: ها هم الفوضويون والطائفيون والعشائريون والانتهازيون والنفعيون والمتآمرون، من جميع المكونات، يطمعون بالسلطة، ولا فرق عندهم بين العبادي والمالكي.

فتحت عيون العراقيين على أن حكومة العبادي نسخة من حكومة المالكي. لماذا استنساخ الطبخة الفاشلة، ووضع الأملاح والتوابل والأعشاب نفسها؟ أنت تهمس في الآذان أنك تحرص على مراعاة المصالح الشخصية للكتل السياسية، لكنك وعدت بغير ذلك. الأشخاص الفاشلون يعودون إلى الواجهة بضربة قلم. إجابتك تقول: ألتزم بالدستور العراقي، لكنه يتمسك بالطائفية والمحاصصة. والنتيجة التي اخترتها: حكومة للأحزاب وليست حكومة للشعب. وعاد المتفائلون الجدد إلى تشاؤمهم القديم. لقد سرت على تقسيم عام 2003 المعتمد للمناصب: وهو تقسيم لا تنص عليه بنود دستورية، رئاسة الوزراء من نصيب المكون العربي الشيعي، ورئاسة البرلمان للمكون العربي السني، ورئاسة الجمهورية للمكون الكردي. هذه التشكيلة الوزارية لن تحقق أي منجز، سوى المنجز الأمني، وهو طرد داعش من الموصل وتكريت بدعم أميركي ودولي، والموعد تأخر قليلاً.   

ينتظر العراقيون حكومة تعمل على لمّ شملهم، وإيقاف نزيف الدم اليومي، وتخليصهم من الميليشيات والجماعات المسلحة، في ظل عودة كوابيس الماضي في الانفلات الأمني غير المسبوق: الخطف في الشوارع، والكل يضع يده على الزناد، أمام شبح الحرب الأهلية، وسنعود إلى مرحلة عام 2006، وبطريقة أشد وطأة هذه المرة. 

لم تستفد يا رئيس الوزراء، لا من الدعم الدولي الكبير لحكومتك ولا الإقليمي ولا الشعبي، فرصة ذهبية لا تتكرر في التاريخ. تريد أن تقول ليس هذا ذنبي، بل ذنب نوري المالكي الذي لم يترك لنا دولة مؤسسات، بل سلطة تعتمد المال، ومؤسسة عسكرية سخرها لهدف تعزيز سلطته الشخصية، وتحوّل المجتمع المدني إلى مجتمع عسكري، زادت في سلطة الجيش والشرطة والعسكر والأجهزة الخاصة. وأما ملف السياسة الخارجية فهو الكارثة العظمى: علاقات سيئة مع أغلب محيطه العربي. 

أين حقوق الإنسان في برنامج حكومتك؟ ما فائدة وزارة حقوق الإنسان التي كانت تغطي جرائم التعذيب التي ترتكب في المعتقلات والسجون ومراكز التحقيق؟ يُضاف إليها تشكيل مفوضية حقوق الإنسان!

المهمة الأولى أمامك هي إنجاز بناء الدولة التي تتعدد فيها الأديان والمعتقدات والقوميات، وعليها إيصال الخدمات وتوفير الاحتياجات إلى الجميع، لأن حكومتك زائلة لا محالة. حكومة التكنوقراط التي بشرت بها، في بادئ الأمر، يجب أن يكون وزراؤها محايدين سياسياً، تحصيناً لهم من التقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغير الحكومات. وشاهدنا زلزال التحول السياسي في 2003، فالنظام سقط وسقطت معه كل أركان الدولة. لذلك، لا نفع في النظر إلى المنصب باعتباره غنيمة وفريسة وفرصة لا تعوض لملء الجيوب. صراع محتدم بين من يبني ويعمر، وبين من يُخرب ويهدم، والخاسر الأكبر هو المواطن العراقي الذي أصبح مهجرّاً في بلده. فلا تعمل على تقزيم آماله، لأنه ملّ الانتظار والصبر في حلمه ببناء دولة عصرية مدنية، تنعم في ظلها كل مكونات المجتمع، من دون إبراز هويته الشيعية أو السنيّة أو الكردية أو المسيحية أو الشبكية أو الإيزيدية.

فهل نعود إلى ميغاوطات وزارة الكهرباء، ونستنجد بأديسون، ونبتهج بغارات أوباما على سدي الموصل وحديثة، حتى لا تغرق بغداد في فيضان المياه المحبوسة، بل بفيضان الطائفية والكراهية، لأن تشكيلة الحكومة العراقية العتيدة تُوحي بذلك، وكما يقول المثل الشعبي "العيد يبيّن من مصباحه"؟

3442CCAB-1913-4DB8-8A09-49D66768B42E
شاكر نوري

إعلامي وروائي ومترجم عراقي، يعمل في الصحافة منذ 1970. له ثماني روايات. يحمل البكالوريوس والماجستير في الأدب الأنجليزي والدكتوراه في السينما والمسرح من السوربون، أقام في باريس 27 عاماً. نال جائزة ابن بطوطة لأدب اليوميات.