حكومة الصيد في مواجهة تسونامي الإضرابات

19 ابريل 2015
الإضرابات ستعود إلى شوارع تونس (فرانس برس)
+ الخط -

تعيش تونس خلال الأيام المقبلة على إيقاع عدد من الإضرابات النقابية، في أغلب القطاعات الاستراتيجية كالتعليم والصحة والنقل والأمن. وبداية من الأسبوع المقبل، سينفذ موظفو وزارة التربية وأساتذة التعليم الأساسي، وأيضاً أكثر من 50 ألف موظف في قطاع الصحة العامة، إلى جانب موظفي وزارة الداخلية وأصحاب سيارات الأجرة، سلسلة من الإضرابات، وسيدخلون في محطات نقابية جديدة؛ من أجل تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع الحكومات السابقة. بالإضافة إلى إضرابات في الصحافة المكتوبة ومؤسستي الإذاعة والتلفزيون العامتين، وديوان الإرسال الإذاعي؛ المسؤول عن بث كل الإذاعات والتلفزيونات أرضياً.

وسيكون يوم غد الإثنين يوماً بلا سيارات أجرة ولا علاج في المستشفيات العامة، مع ما يعنيه من ضغط شعبي على الحكومة وتعطّل لسير الحياة اليومية.

غير أن الملفت للانتباه أنّ جلّ القطاعات بدأت تتحرك بإصدار برقيات تنبيه بالإضراب، علّها تظفر بما حظي به قطاع التعليم الثانوي أخيراً، بعدما بدا وكأنه "رضوخ" من وزارة التربية لمطالب النقابة، إثر سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات التي توقفت بسببها الدروس لعدة أسابيع.

هذه المواجهة مثّلت صدمة لدى عدد من التونسيين، وانقلب الجدال حولها من جدل حول الحقّ النقابي إلى جدل سياسي، عاد فيه النقاش إلى علاقة الحكومات بالمنظمة العمالية من جهة، واستغلال هذه الأخيرة لمنتسبيها في هذه القطاعات الاستراتيجية لكسب ودّهم لمؤتمر الاتحاد المقبل على حساب المصلحة الوطنية، ومن دون مراعاة الوضع الراهن على حد قول العديد من مراقبي المشهد السياسي في تونس.

وفي المقابل كان رئيس الحكومة الحبيب الصيد، قد أكد فور توليه مهامه التزام الحكومة بتفعيل الاتفاقيات مع الاتحاد العام التونسي للشغل التي تبلغ انعكاساتها المالية 210 ملايين دينار (نحو 108 ملايين دولار)، في إطار استمرارية الدولة والإيفاء بتعهّداتها.

إلا أن الأمين العام المساعد المكلف بالوظيفة العامة في اتحاد الشغل حفيظ حفيظ، أكد لـ "العربي الجديد" أنّ "هذه الحكومة جاءت لإعادة النظر في كل الاتفاقيات المبرمة، والموقّعة مع الحكومات السابقة، والالتفاف على التفاهمات القديمة وغير المفعّلة".

وأضاف حفيظ أنّ "ما جاء على لسان رئيس الحكومة في خطاب منح الثقة أمام مجلس النواب هو في حقيقة الأمر خطاب للتسويق والدعاية فحسب، فما رأيناه إلى حدّ الآن هو التلكؤ في تطبيق الاتفاقيات بحجة الوضع الاقتصادي، وهي مغالطة كبرى تسوّق لها الحكومات؛ من أجل ضرب مصداقية الاتحاد، من خلال الحملات الإعلامية بهدف تجييش الرأي العام ضد المنظمة العمالية، وضرب ثقة قواعدها بها".

ولفت الأمين العام المساعد إلى أنّ "الحديث عن المسائل المادية، ووضع البلاد الاقتصادي "كلام فارغ، لأن الاتحاد العام التونسي للشغل قدّم لكل الحكومات السابقة والحالية الحلول الفعالة والعملية لفك أزمة البلاد؛ ومن بينها الحلول المتعلقة بالمستثمرين ورجال الأعمال المستحوذين على أموال الدولة، بعنوان التهرب الجبائي والديواني الذي بلغ ما يفوق ربع ميزانية الدولة".

اقرأ أيضاً: تماثيل بورقيبة في المزاد السياسي

وأضاف "على ما يبدو أن الحلول المقدّمة لا تتناسب مع نهج عمل الحكومة التي تسعى إلى ألا يدفع ثمن الأزمة المالية والاقتصادية إلا الشعب التونسي"، مشدداً على أن "لا وجود لهدنة اجتماعية في قاموس الاتحاد، ونحن لسنا في وضع حرب حتى نتحدث عن هدنة، وما نسعى إلى تحقيقه هو السلم الاجتماعي الذي يرتكز على شرط هام؛ وهو احترام التفاوض ومصداقيته، واحترام التعهّدات التي يجب تفعيلها للارتقاء بوضع البلاد، وخصوصاً أن الاتحاد لم يقدّم مطالب جديدة؛ وهذا ما من شأنه أن يحقق السلم الاجتماعي والتخفيف من التوترات الحاصلة".

وأكد حفيظ أن الاتحاد لن يرضخ "إذا ما فكرت حكومة الصيد بانتهاج نفس منهج حكومة الترويكا وحكومة التكنوقراط، بمحاولة إرجاعنا إلى مربع ما قبل 14 يناير/كانون الثاني وتكريس الإدارة العميقة".

هذا الشدّ والجذب القديم المتجدد بين الحكومة التونسية والاتحاد العام للشغل، جعل الآراء حوله تختلف إلى حدّ التناقض، وعكس في حقيقة الأمر اهتزاز أداء حكومة الصيد لعدم ارتكازها على مخطط استراتيجي واضح لمواجهة الأزمات، بما في ذلك تواصل الاحتقان الاجتماعي وانعكاساته على النقاشات السياسية، ومن ثمة التساؤل عن مدى قدرة الحكومة الحالية على كبح الجنوح نحو الإضرابات.

وتساءل الناشط السياسي والحقوقي مهدي عبد الجواد، في حديث لـ "العربي الجديد"، عن ترتيب الأولويات بين الاستجابة للمطالب القطاعية أو البحث عن المصلحة الوطنية، والخروج من الوضع الراهن؟

وأكد أن "ما يلاحظ في تونس حالياً هو الخطة الممنهجة نحو ضرب الوحدة الوطنية والهوية التونسية، لأن الكل يبحث عن مكان منفرد بمعزل عن المجموعة، سواء أكانوا نقابيين أو محامين أو سياسيين أو إعلاميين، ونسينا أننا نمثّل شعباً واحداً".

وأضاف عبد الجواد أن "الاتحاد قد نجح طيلة السنوات الماضية في أن يكون قوة وطنية تمكّنت في لحظة تاريخية من إنجاح حوار وطني أنقذ البلاد، وعليه أن يواصل هذا الدور بالدفاع عن مصلحة البلاد".

غير أن عبد الجواد في المقابل لا يرى الحكومة "قادرة على كبح الجنوح نحو الإضرابات، ولا فرض هدنة اجتماعية خلال هذه السنة ولا السنوات المقبلة"، مرجّحاً "أن هذا المسار سيدفعنا إلى الإفلاس الوطني الجماعي؛ متناسين أن تنظيم داعش على الأبواب، وأن فئة من الشعب ينخرها الفقر، وأن الاقتصاد مهتز".

وفي السياق نفسه، أكد المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي لـ "العربي الجديد"، أن "التوافق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل على أسس واضحة، يضمن مصالح الاتحاد، والوطن عامة مسألة ضرورية، وكفيلة بأن تقلّص حجم الإضرابات واتساعها قطاعياً ومناطقياً"، مشدداً على أنه "توافق ضروري جداً في هذه المرحلة الدقيقة".

اقرأ أيضاً: أحزاب تونس تدفع فاتورة الانتخابات

المساهمون