تخضع الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد لأول اختبار لها أمام البرلمان، بعد تشكيلها ونيلها الثقة، الصيف الماضي، بدعم من غالبية نيابية واسعة. يعود الوزراء للمثول أمام النواب في واحد من الاختبارات الأكثر جدية، إذ إن الحكومة ستعرض من خلال موازنة العام المالي المقبل رؤيتها لعمل وزاراتها، ومشروعها لإدارة البلاد في المرحلة المقبلة، وجملة الإصلاحات التي تعتبرها ضرورية لإخراج البلاد من أزماتها المتعددة.
وتعتبر مناقشة مشروع الموازنة العامة أول امتحان حقيقي للحكومة، مع البرلمان والأحزاب والتيارات المختلفة، ومع عموم التونسيين. خطوة ستنجم عنها تداعيات سياسية كبيرة على الحكومة بوصفها ائتلافاً يمثل عدة أطراف، وعلى رئيسها كونه يحمل طموحاً سياسياً مستقبلياً محتملاً. ويؤثر ملف الموازنة العامة وكيفية إدارة الحكومة له، لاحقاً، على الرهانات الانتخابية المستقبلية للأحزاب والقوى الممثلة فيها. ومن شأن نجاح الحكومة في تطبيق مشروع الموازنة أن يزيد رصيد الائتلاف الحاكم، لكن من شأن فشلها، أن يلحق بالقوى المشاركة فيها تبعات سلبية، لا يمكن تجاهل تأثيراتها الانتخابية.
ويشكّل الخلاف مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أول محطة صعبة في امتحان الموازنة. وقد وصلت المفاوضات حول تجميد الزيادة في الأجور إلى طريق مسدود، بعدما اقترحت الحكومة تجميدها لعامين، مقابل رفض "الاتحاد" لذلك. ثم اقترحت الحكومة تجميدها لسنة واحدة، لكنها اصطدمت برفض مماثل. واقترحت أخيراً، تأجيلها لعشرة أشهر، ليرفض "الاتحاد" من جديد ويهدد بالتصعيد بعدما أعلنت الحكومة أنه لم يعد لديها ما تقترحه على هذه المنظمة العمالية.
وأعلن زعيم "الاتحاد"، حسين العباسي، يوم الإثنين الماضي، أن شكل الاحتجاجات ستحددها الهيئة الإدارية للنقابة، اليوم الخميس، مذكراً أنها الوحيدة المخولة اتخاذ القرار الخاص بإعلان الإضراب العام من عدمه، وهو ما يتداوله الجميع بعد فشل المفاوضات إلى حد الآن. وأكد أن الهيئة الإدارية ستتخذ القرار الذي تراه صالحاً، وأن كل ما يروج من تخمينات عن الإضراب هو مجرد حديث ومقترحات، مطالباً بضرورة تحديد مفهوم التضحية، "لنتبين من هم المطالبون بالتضحية، لأنه حين يتضح مفهوم موحد واتفاق على المبدأ سيكون (العمال) أول من يضحي"، بحسب قوله.
وتجد حكومة الشاهد نفسها في وضع صعب، لأن مجلس وزراء الصيد هو الذي وقع مع الاتحاد العام التونسي للشغل اتفاق الزيادة على الأجور، وهو الذي وقع أيضاً مع البنك الدولي اتفاقاً ضمنياً بتجميدها. ولذلك تصر النقابة على تطبيق اتفاق سابق تم إبرامه، ويشكل التراجع عنه سابقة خطيرة تضرب مصداقية التفاوض من أساسها. غير أن التصريحات المنفصلة لمسؤولين في الحكومة تذكر من حين إلى آخر أن باب التفاوض والحوار لا يزال مفتوحاً، وأنه سيتم التوصل بالتأكيد إلى اتفاق. هذه التسريبات تعني ضمنياً أن لدى الحكومة أوراقاً أخرى تخفيها، ولكنها تحاول أن تخرج من هذا الامتحان الصعب بأقل الخسائر الممكنة. وجاء تصريح الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، ليؤكد هذا الاتجاه، حين أعلن، أول من أمس الثلاثاء، في حوار تلفزيوني، أن الإضراب العام لن يتم، وأن الحكومة ستتوصل إلى حل مع النقابة.
غير أن ما يثير الاستغراب في هذه النقطة مثلاً، أن الأمين العام لحركة "النهضة"، وزير التجارة والصناعة، زياد العذاري، يطالب بحذف هذه الضريبة التي تصر حركته على إبقائها، وهو ما يعتبره بعضهم تناقضاً في المواقف داخل الحزب الواحد، لا يقل أهمية عن التناقض في الرؤى بين الحكومة والأحزاب الداعمة لها. وبرر العريض ذلك بقوله إن العذاري يتكلم كعضو حكومة لا كقيادي بالحزب، وهو يدافع عن رؤية "النهضة" للسياسات العامة أو توجهاتها المتعلقة بالميزانية داخل مجلس الوزراء، وليس في وسائل الإعلام التي عليه أن يتحدث فيها بصفته كوزير في حكومة يدافع عن قراراتها.
ولا يرى العريض في ذلك تناقضاً أو دلالة على ضعف الائتلاف الحاكم في أول محطة لامتحانه وتقدير مدى دعمه للحكومة، بل على العكس، يعتبر أن الأمر لا يتطلب عملاً تحضيرياً مسبقاً، وتنسيقاً أولياً بين الحكومة وكتل الائتلاف، وإنما يتبع المشروع مجراه العادي من نقاشات وتعديل وتوافقات مع وزارة المالية. واختتم، إن "حكومات ما بعد الثورة سجلت جميعها أن السند السياسي موجود، لكنه أقل من المطلوب لأن الأحزاب تفكر في قواعدها الانتخابية وجمهورها وهي بمساندتها للسلطة عادةً ما تفقد بعضاً من أنصارها، ولذلك فإن المساندة ضعيفة نوعاً ما"، بحسب تعبيره. وخلص إلى أن "الأصل أنْ تدافع أحزاب الائتلاف عن المشروع وتوجه رسالة إعلامية موحدة تترك النقاط الخلافية جانباً وتركز على إيجابيات المشروع لإقناع التونسيين به، وهو ما لم يحدث، ويعد حقيقة من النواقص في عمل الائتلاف"، بحسب تأكيده.