حكواتي: إلهام التي أحرقت نفسها

08 اغسطس 2014
تستحقّ الصرخات أن نحترق من أجلها ( Vitaliy Piltser/Getty)
+ الخط -
انتقدَها الجميع. بنطلونكِ ضيق أكثر من اللزوم. فستانكِ أحمر أكثر من اللزوم. شعرك طويل أكثر من اللزوم. صوتك عالٍ أكثر من اللزوم. اعتبرت إلهام أنّ وجودها في حدّ ذاته زيادة عن اللزوم.

استيقظت صباحَ شتاء بارد. أسدلت على كتفيها شعرها الطويل أكثر من اللزوم. لبست فستانها الضيّق أكثر من اللزوم وأحمر الشفاه الفاقع أكثر من اللزوم. جلست في غرفة الحطب. بللت نفسها بالبنزين بهدوء تام، وعندما أشعلت عود الثقاب صرخت بصوت عالٍ أكثر من اللزوم. في تلك اللحظة.. في تلك اللحظة فقط، أحسّت أنّ وجودها ليس زيادة عن اللزوم.

الدليل أنّها صرخت. الدليل هذه المرّة أنّهم سمعوا أخيراً. ربّما نسيت أمّ إلهام الآن لماذا أحرقت ابنتها نفسها. نسي أهالي الضيعة السبب أيضاً. وإلهام نسيت أيضاً، لكنّ حرقا أصابها، سهواً، وهي تشعل الفرن، أعادها عشرين عاماً إلى الوراء. صرخت من دون انتباه: "احترق الحرق". تعمّدت أمّها ألا تنظر إليها. بات أيّ حديث عن الحروق يوتّرها منذ تلك الحادثة.

أحرقت إلهام نفسها بعد طلاقها من زوجها الأوّل. كانت في عامها الـ23. عادت إلى المنزل الأوّل. لم تبتسم أمّها. غادر والدها المنزل ولم يعد إلا بعد خمسة أيام. تجمّعت أخواتها الثلاث يندبنَ حظهنّ العاثر وصعوبة الزواج في ظلّ وجود أخت مطلّقة. ألّف الجيران القصص، راقبوها. راقبوا مواعيد طعامها. وزنها الذي زاد كيلوين خلافاً لتوقّعات الجميع، راقبوا حتّى مواعيد استحمامها. استهجنوا ابتساماتها وأحاديثها القصيرة.

صادر الجميع حقّها في الحياة بعد طلاقها. حاول البعض أن يظهر تعاطفه: "جوزك صعب وبيضربك بس كان لازم تتحمّلي".

اقتنعت فيما بعد أن تحمّله لهو أسهل ألف مرّة من تحمل ألسنتهنّ. عندما أحرقت إلهام نفسها، لم تكن تريد أن تموت. أرادت أن تصرخ فقط. بعد الحادثة، اكتسبت لقباً آخر. لم تعد إلهام "المطلقة" فقط، بل "المجنونة" أيضاً. تعترف بينها وبين نفسها أنّ اللقب الأخير أعفاها من انتقادات واتهامات كثيرة فيما بعد. ارتاحت قليلاً بعدما "جنّت".

تزوّجت أخواتها الثلاث. توفي والدها "من همّها" على ما قال الجميع، أمّها لم تبتسم حتّى اللحظة. أمّا هي فعادت لتجلس على الحفّة قبالة غرفة الحطب. تداوي حرقها القديم بحرق جديد، وتسأل نفسها: "هل تستحقّ الصرخات أن نحترق من أجلها؟". تبتسم في سرّها: نعم، تستحقّ. تستحقّ الصرخات أنّ نحترق من أجلها.

دلالات
المساهمون