تصاعدت في تونس تداعيات أزمة حكم الإعدام في حق البغدادي المحمودي، آخر رئيس حكومة ليبية في عهد معمر القذافي، ضمن سلسلة أحكام الإعدام التي صدرت أول من أمس على عدد من رموز النظام الليبي السابق، ليتأكد مرة أخرى أن كل الأزمات الليبية تجد لها انعكاسات تونسية مباشرة.
أول رد فعل أتى من الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، الذي ندد في بيان أصدره أول من أمس بأحكام الإعدام بصفته الحقوقية، مذكراً بأنه كان رافضاً لتسليم تونس البغدادي إلى ليبيا بسبب مخاوف من عدم توفر ظروف المحاكمة العادلة. كما دعا المرزوقي السلطات الليبية في طرابلس إلى عدم تنفيذ الحكم "لتبعاته السلبية الكثيرة على صورة ليبيا وعلى حظوظ حوار وطني". وهو ما استدعى رداً سريعاً من قوات "فجر ليبيا" (المدعومة من المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته)، إذ اعتبرت الدعوة "تدخلاً في شؤونها ممن ليس له صفة"، بحسب ما ورد على صفحة "غرفة عمليات فجر ليبيا "الصفحة الرسمية" على "فيسبوك".
اقرأ أيضاً: أحكام "رموز القذافي"... فصل من الانقسام القضائي والسياسي
المرزوقي عاد إلى وثائق نشرت في ذلك الوقت في الصحافة التونسية تشير إلى رفضه للتسليم، مؤكداً أنّه لم يكن على علم فعلاً بتسليمه بقرار "أحادي الجانب من طرف الحكومة برئاسة السيد حمادي الجبالي حينها"، وأنّ وزراء من قياديّي "نداء تونس" (لم يكن وقتها حزباً موجوداً) عقدوا مجلساً وزاريّاً مصغراً وقرّروا تسليم البغدادي إلى ليبيا، وذلك بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 على الرغم من أنّ حكومة السبسي كانت مستقيلة ومكلّفة بتصريف الأعمال فقط بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011.
كما تفيد الوثائق، أنّ المستشار القانوني في رئاسة الجمهورية، وتبعاً لطلب التسليم الصادر عن رئاسة الحكومة بناء على حكمين قضائيّين، عرض على رئيس الجمهوريّة المنصف المرزوقي "مذكّرة حول طلب الإفراج عن السيد البغدادي المحمودي"، وذلك بتاريخ 18 فبراير/شباط 2012، وقد أشار عليها المرزوقي بخطّ يده حرفيّاً بعبارة "لا مجال للتسليم في الظروف الراهنة". وقد أرسل رئيس الحكومة حمادي الجبالي طلبا آخر لرئيس الجمهوريّة بتاريخ 29 مارس/آذار 2012 يلحّ عليه فيه بتسليم البغدادي إلى ليبيا، لكنّ المرزوقي لم يوافق مرّة أخرى. وأمام إصرار المرزوقي، فقد قرّر رئيس الحكومة حمادي الجبالي "أن يتصرّف بمفرده".
من جهة أخرى، قال المرزوقي إن الوثائق تفيد أيضاً بما يعرفه الجميع من كون رئيس الحكومة السابق بعد الثورة، الباجي قائد السبسي، هو الذي قرّر تسليم المحمودي إلى ليبيا إذ كان قد تمّ القبض عليه في عهد السبسي. وقد جرى عقد مجلس وزاري مصغّر حضره السبسي وقياديّون حاليون في حزب "نداء تونس"، وبعض الوزراء والمسؤولين الآخرين.
وقد انتهت تلك الجلسة بقرار مراسلة الحكومة الليبيّة وإعلامها رسميّاً بموقف الحكومة التونسيّة الداعم لتسليم البغدادي المحمودي إليها وذلك في انتظار استكمال إجراءات التتبّع، وهو الموقف الذي قال الجبالي لاحقاً في جلسة مساءلته حول التسليم بالمجلس التأسيسي بأنّه وبالنظر إلى استمراريّة الدولة فإنّ تعهّد حكومة السبسي بالتسليم جعل السلطات الليبيّة تطالب بتنفيذ ذلك التعهّد. وأشار المرزوقي أيضاً إلى أن الرئيس المؤقت فؤاد المبزع، امتنع بدوره عن التسليم.
كما نشر المرزوقي رابطاً لتسجيل صوتيّ، سبق نشره لجلسة تسليم السلطة بين رئيس الحكومة المغادر وقتها الباجي قائد السبسي وبين رئيس الحكومة الجديد حمادي الجبالي، يظهر السبسي وهو ينصح الجبالي بضرورة تسليم المحمودي إلى ليبيا، ويقول له بأنّه في "السياسة لا توجد مبادئ".
ويختم المرزوقي بأنه "رغم كلّ تلك الحقائق فإنّ الإعلام الموالي لحركة نداء تونس والسبسي يواصل اتّهام المنصف المرزوقي بالتورّط في تسليم البغدادي إلى ليبيا كأحد مظاهر فشله في السياسة الخارجيّة"، على حد قوله.
قيادات النهضة ردّت على المرزوقي بأنه كان على علم بتسليم البغدادي، معتبرةً أنه "من الوقاحة اتهامها بذلك"، ولفتت بعض القيادات إلى أن وزراء حزب المرزوقي كانوا حاضرين في المجلس الوزاري الذي أقر تسليم المحمودي إلى ليبيا، في حين حمّل آخرون حكومة السبسي مسؤولية ذلك، لأنه وافق على التسليم برغم عدم توقيعه الأمر، وما فعلته حكومة الجبالي هو تنفيذ ما أقرته الدولة التونسية سابقاً.
أما الأحزاب القومية فحمّلت المرزوقي وحركة النهضة معاً مسؤولية ما يحصل، معتبرة أن حكم الإعدام على المحمودي هو بمثابة اغتيال سياسي وأن "دم المحمودي برقبتهما معاً".
من جهتها، نددت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بأحكام الإعدام الصادرة أول من أمس ضد عدد من رموز النظام الليبي السابق ومن بينهم المحمودي. ودعت الرابطة، في بيان لها، الحكومة التونسية إلى ضرورة تحمل مسؤولياتها من أجل عدم تنفيذ حكم الإعدام ومراجعة المحاكمة. وحملت الرابطة الحكومة التونسية التي سلّمته المسؤولية الكاملة عن النتائج الكارثية للعملية التي أكدت أنها مخالفة لاتفاقية التسليم المبرمة بين الدولتين الليبية والتونسية.
أما محامي المحمودي، الفرنسي بيار أوليفييه، فقال لـ"العربي الجديد" إنه لم يستغرب الحكم بالإعدام لعدم توفر شروط المحاكمات الطبيعية، واصفا إياها بتصفية حسابات. وأوضح أوليفييه أنه المحامي الدولي الوحيد الذي خاطر بحياته وذهب إلى ليبيا مرتين للقاء المحمودي في 2013 و2014، وأنه على الرغم من أنه لم يلحظ على المحمودي آثار تعذيب واضحة فإنه لاحظ أنه كان ضعيفاً بحسب رأيه. وأشار المحامي الفرنسي إلى أنه سيعقد الإثنين المقبل ندوة صحافية في تونس من أجل التوعية بضرورة الضغط على السلطات الليبية لإيقاف الحكم، لافتاً إلى أن دعواته المتعددة إلى الرئاسة والحكومة الفرنسية ولقاءاته معهما لن تؤدي إلى نتيجة واضحة بسبب حساسية الموقف الفرنسي في ليبيا المرتبط بالرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
اقرأ أيضاً: تونس.. من "التأسيسي" الصاخب إلى البرلمان الساكن