أعمى الفم
كلمةٌ واحدةٌ
معلَّقةٌ في الهواء
قتلت باييخو في الجمعة المُقدَّسة
كلمةٌ واحدة ربَّت رامبو
كسنِّ فيلٍ
ثم تركته صامتاً
كلمةٌ واحدة أزعجت رولفو كثيراً
فترك الكتابة
كلمةٌ واحدة
حثَّت أليخاندرا بيسارنيك على الانتحار
كلمةٌ واحدة تترُكُكَ
أعمى الفم
لا تُكتب
ولا تُقال
روتين
1
في السَّادسة والنِّصف كان أبي يُصدر حُكمهُ:
إنَّها السَّاعة الرَّماديِّة
2
ساعةٌ لا تَدلُّ على الوقت
تُشيرُ دوماً إلى السَّادسة والنِّصف
3
ساعةٌ تشيرُ إلى السَّادسة والنِّصف
لها ذراعا سجينٍ مربوطتان
4
ربطة عنق لموظَّف منسدلة على الصّدر
تُشبه عقارب ساعة
تشير إلى السَّادسة والنَّصف
5
السَّادسة والنّصف
في ساعة دمية
مُصوَّبٌ للقلب
6
النور يهجرنا في السَّادسة والنِّصف
هنا يكون الوقت دوماً السَّادسة والنِّصف
الوقت يمضي والفن يستوقفه
سيوضع الزَّمن الأصفر على صورتي
* ميغيل إرناندس
الوقت يمضي والفن يستوقفه
تمثال لا هو جديد ولا هو قديم، إنَّهُ هو ببساطة
* علي تشوماسيرو
للزَّمن لونٌ أصفر
وأنا أبحث عن الكتب والصَّور
كالبحر يبحثُ عن حلزونات كي يؤوي نشيده
الشعاع الذي لا ينقطع المنشور عام 1936
كتابٌ من الأوراق الصَّفراء كأوراق الخريف
آخر صورة لميغيل إرناندس عام 1942
عمره اليوم ستون عاماً من الاصفرار
كرخام دافيد دي ميغيل أنخل الأبيض
إنها قصائد إليخيا البيضاء لرامون سيخي
فقط ما هو أبدي أبيض
ثلاث صورٍ لحُبٍّ موجود
I
أعود لألف وتسعمائة وثمانية وتسعين
للمدينة التي كانوا يروننا نمرُّ منها
وأجد حفراً بدل الشَّوارع
غُباراً بدل المنازل
في المدينة
حيث كانوا يروننا نمر مندهشين
لا أحد يمكنه تغيير الماضي
لكن من يختبر موتي
يهدم المدينة التي جُبتُها معك
II
قصَّةُ حُبٍّ مفقود
تبدأ بغبار على المائدة
يُنظِّفُها العاشق لاحقاً
حتَّى تُصبح المائدة غباراً
ويمتلئُ البيتُ كلُّهُ بالغبار
ثمَّ ينهار البيت على العاشق
III
للجِبال أعود
ولا أجد الحبَّ
حين أحاول تحريكها
شاعريّة
أدافع عن حقِّي في خلق عَدَن
بزراعة أوَّلِ شجرة تُفَّاح
ثمَّ كل الأشجار
المانجو والماندرينا والجوافة
مُجتمعة
في فضاء صغير في شرفتي
أُدافع عن حقِّي بِخَلقِ زَمنٍ
بحقِّي بالعيش في الفردوس
انتماء للأرض
I
حين يلعب الأطفال بالتُّراب
تغوص أذرعهم حتى الكوع
يُمكنهم حرث الأرض بأصابعهم
وزرع بذرة تُبقيهم على قيد الحياة
يمكنهم زراعة حجر
ستُبنى عليه مدينةٌ في ما بعد
تُبقيهم على قيد الحياة
يُمكنهم أن يخترعوا بلداً
حول الشَّجرة والحجر
عليهِ أن ينقذهم
في النِّهاية ستموت الشّجرة والمدينة والبلد
فأيُّ حكماء هم الأطفال الذي يلعبون بالتُّراب
الشيء الوحيد الذي سيرافقنا في نهاية المطاف
II
ما ينتمي للإنسان
ينتَمي لِماضيه
الحياةُ تتدَفَّقُ
كالمياه التي تترسَّبُ في الصَّخرة
من هذه النَّداوة يولدُ البُكاء أيضاً
ما ينتمي للإنسان
ينتمي لماضيه
كالمياهِ المُترسِّبةِ في المقابر
تمرُّ الحياة
الأزهار تنمو في شعور النَّداوة هذا
شعور البلل الذي يخلِّفهُ الماضي
هو انتماء الإنسان الوحيد
الصَّمتُ مُمكنٌ
الاقتراب من القصيدة والاحساس بأنفاسها
حشدُ الكون
قبل أن تنطق شفاه الرَّب
مُمكنٌ هو الصَّمت
هكذا يزدهرُ الأقحوان في الهايكو
منه تهبُّ رياح القوارب
التي تبحر في العودة
مُمكنٌ هو الصَّمتُ
فتحُ الأبواب التي ظلَّت مُغلَقة
والإقامة بملكية
البيت الذي يقطنه أسلافُك
ممكنٌ هو الصَّمت
الاحساس بالطِّين المبلَّل للجسد
وترك تخصيب النهاية من أجل القصيدة
عودة
I
في الأحياء الجديدة
عائلاتٌ جديدة
تسكن بيوتاً جديدة
وتلك مفارقة
فالمدينةُ عادت قديمة
وهي تجدِّدُ نفسها
II
ذهبت لمدرسة
مع السّنوات صارت
مركزاً تجاريّاً
فبالطَّبع تُقاس السُّنون
بالمشاهد التي نهدمها.
في الفناء الذي كان به شجرة أكاسيا
يوجد اليوم كمبيوتر
إنريكي باريذِس 1891
كان الخُبْزُ يُخْبَزُ على نارِ حطبٍ نبيلة
حين مرَّ إنريكي باريذس عام 1891
من أجل صورةٍ قرَّر أن تكون كذلك:
إلى صديقتي اللَّطيفة ليونور
كشهادة واهنةٍ على صداقتي
تكلَّل إنريكي باريذس في هذا القران
وُلِدَت أم أبي: إيفانهيلينا
أحفظُ هذه الصُّورة أمام النِّسيان
وأحياناً أقتسمها بين النَّبيذ والكلمة
عاجلاً أم آجلاً، كلُّ شيءٍ يعودُ لجمال الخطِّ
للرسمٍ المهيَّأ والوئيد لكل حرف
مهيب محترس
وبنفس الحساسيَّة
التي توزّع فيها الخبز على نار الحطب النَّبيلة
وهكذا كانت تُكتب إذاً
والكلمات كانت ترتدي
كما يرتدي نبات النيلوفر من خزانات مونيت
يتوسَّلُ امرأةً تسكن الماضي
تعالي كما أنتِ ولا تنشغلي بزينتك
ألا ترين السَّماء المُلبَّدة بالغيوم؟
فالوقتُ مُتأخِّر
تعالي كما أنت ولا تتلكّئي
* طاغور
عودي كقاربٍ من شموع بيضاء
كوردة في ذاكرةٍ بقيت عمياء
كأوركيدة بيضاء تسبح في نهر
عودي قبل أن تصير الجبالُ غباراً
قبل أن تعود الحيوانات التي تفترس كلَّ شيء
لا تتلكَّئي أكثر لأنَّك ستعودين صورةً فوتوغرافيَّة
لا تتلكَّئي أكثر لأنَّ البحرَ سيموتُ مرَّةً أُخرى
لا تتلكَّئي أكثر لأنَّك ستعودين أيضا تمثالاً
تعلَّمي من الورود المولودة في القبور المنسيَّة
وعودي فقد تأخَّرَ الوقتُ والعاصفة على وشك الهُبوب
حدثٌ يتعلّق بالنّص
بالقليل، لكن بكتب مفيدة مجتمعة
* كيفيدو
في اليد احتفظ دوماً بكتب الشعر
أبعدها عن الكتب الأخرى
اجعلها منعزلة
حيث لا تنساها
حيث يمكنك أن تراها دوماً
حتّى لو لم تقرأها
حتّى لو هجرتها
قرِّب كتب الشِّعر إليك
بجانب سريرك
على رأسه
بل في السّرير ذاته
لكن أبداً ليس أبعد من ذلك
دوماً حيث تحدث الأحلام
حيث تُغلق دون خوفٍ عينيك
قرب المكان الذي تمارس فيه الحب
قريباً قدر ما تستطيع
حيث تمارس الحب
هناك بالضّبط عليها أن تكون
بيتر بيليربي
بيتر بيليربي حِرفيٌّ بريطاني
ما زال يصنع الكرات الأرضية يدويّاً
وهو واحدٌ من آخر من يمارسون هذه الصنعة.
*جريدة الباييس الإسبانية
الأول من مايو 2013
وظيفتي أيضاً عفا عليها الزمن
كوظيفة ناقل الأخبار
أو القناديل المنطفئة
أفكِّرُ ببيتر بيليربي مرسوماً
بألوان مائيَّةٍ من بحر الشّمال
ولذا أشعرُ بحزن بائع الكُتب
وكآبةُ الرَّجُل الذي ظلَّ يعزف الأوكورديون
في الزَّوايا
كم مرَّةً توقَّفتُ في مقهى لقراءة كتاب؟
كم ثمرةً قطفتُ من شجرة الحياة؟
في فواتيري حسابات أسواق تجاريّة أكثر من مكتبات
أشعر اليوم بحزن رجلٍ يرسم الثَّلج على جبال الهملايا
أنا الذي أردت الذَهاب لكيرباتي وكمونتيخو
أرغب بطوي الخريطة
لأشاهد آيسلندا
وفي النِّهاية أستعيد الإيمان بعملٍ يحسبه النَّاس ميتاً
وأن أجعل العالم أصغر
أصغر كثيراً وأهدأ
لا زمانيٌّ
قصيدةٌ – أتجاهل الأسباب تماماً -
يُمكنها أن تُعمِّر أكثر من حجر
في ذلك اليوم قرأتُ أنهم خلال هدمهم جداراً عمره خمسين عاماً
عثروا على رسالة حبٍّ بين الأحجار
بين الأحجار التي صارت غباراً
قصيدةٌ يُمكن أن تُخلَّدَ
أن تنجو من النِّيران
وتقفز من الحجر لورق البردي
ومن ورق البردي للذّاكرة
كي تحمي نفسها
قصيدة يمكن أن تخلَّد
يبدو كذلك!
اليوم تَزِنُ قدماي كثيراً
اليوم تَزِنُ قدماي كثيراً
ففي كلِّ خطوة
-مع رقبةٍ مدفونةٍ في الأرض-
السَّماءُ الآن هي الأُفقُ الوحيد
اليوم تَزِنُ قدماي كثيراً
حتَّى أنَّها بدلاً من ترك آثار
تترك قبوراً
أقول "موت" بدل "نسيان"
لا يُمكن للذّاكرة أن تثق بشيء
لا بأي ذكرى
ولا بأكثرها معزَّةً
لا شيء ينجو من الصُّدفة
التي تُطلق النَّار بكثافة
مطر متدرِّج
يقول لي صوتٌ متقطِّر:
لا تبنِ قلاعاً في الهواء
ففي الخارج تهبُّ ريحٌ صفراء
تنزع الأوراق عن أشجارها
ريحٌ ترفع زوابع صوتٍ صغيرة
أصواتُ شعراء راحلين
وكجرسٍ
من برج أعلى ينهار
صوتٌ يَتَقَطَّرُ:
لا تبنِ قلاعاً في الهواء
صوت هوميروس يدفع سفينة أوديسيوس
صوت باشو يزرع أقحوان
في غيمةٍ أُخرى بيضاء
صوت برنارد شو يصدر حُكماً:
if you have built castles in the air…
now put the foundations under them
تتتابع القطرات
لكن في الخارج يبدأ
المطر بالتساقط على شكل سلالم
* Rolando Kattan شاعر من الهندوراس من أصل فلسطيني
ترجمة عن الإسبانية غدير أبو سنينة