حكاية التبّولة: طبق جال الكرة الأرضية طوال 4000 عام

07 يوليو 2014
شهدت هذه السَلَطَة صراعات حول أصلها وهويّتها
+ الخط -

قد يقدّم المطبخ العربي أكثر من مجرد أكلات لذيذة للباحثين عن أصوله وقصصه. فهو يعكس أيضا مدى التبادل الثقافي الذي حدث بين مختلف الحضارات والشعوب والبلدان التي مرّت على البلاد العربية منذ فجر التاريخ.

ولعلّ من أجمل القصص الشاهدة على هذا التبادل هي قصة تلك السلطة الشهية التي تُسمّى "التبولة"، المصنوعة من الفرم الناعم لمختلف مكوّناتها: البقدونس والطماطم والنعناع والبصل والخسّ ودبس الرمان وعصير الليمون والبرغل. والأخير يُعتقَد أنّ قدماء اللبنانيين هم من أضافوه إلى الوصفة الأصلية التي وصلتهم بعد أن قطع هذا الطبق ما يعادل ألف كيلومتر.
فالتقدير أنّ التبّولة انطلقت من بلاد ما بين النهرين، حيث اخترعه الكلدانيون العام 1800 قبل الميلاد، بحسب مخطوطات أكادية،ثم سافر عبر التاريخ والجغرافيا نحو بلاد الفنيقيين واستقرّ قرب شواطيء البحر الأبيض المتوسط.
تذهب بعض المراجع إلى أنّ التبّولة تعرّضت إلى تطوّرات كبيرة، خصوصا في منطقة سهل البقاع، شمال بيروت، حيث طوّر اللبنانيون أنواعا منها، هي "التبّولة الكذّابة" و"التبّولة باللحم". أما اسم هذه السلطة فقد جاء من مصدر كلمة "توابل"، ومن فعل "تبّل" الشيء، وهو على الأرجح اسم عربي اكتسبته هذا السلطة بسبب إضافة توابل مختلفة عليها وخلط مكوّناتها الناعمة.

ويبدو أنّ هذا الطبق المسافر لم يقف عند هذا الحدّ. فبعد أن استوطن لبنان وصار جزءا من مطبخه التقليدي، شدّ الرحال مجدّدا وقطع قرابة نصف الكرة الأرضية ليستقرّ في أميركا اللاتينية. إذ نجد أنّ هذه السلطة موجودة في البرازيل، وفي بعض البلدان التي هاجر إليها اللبنانيون وعرفت وجودا مكثّفا لهم على أراضيها. خصوصا أنّهم يشكّلون ثمانية في المئة تقريبا من سكّان البرازيل، الذين يسمونّها "تِبيلي".

جدير بالذكّر أنّ هذا الطبق قد شكّل مؤخّرا نزاعا عربيا إسرائيليا، بعدما حاول الإسرائيليون نسبته إليهم وترويجه في العالم على أنّه "طبق تراثي يهودي". لكنّ المخطوطات التاريخية التي قدّموها كانت حديثة جدا مقارنة بالمخطوطات التي تؤكّد اختراعه ووجوده أولّا في العراق ثم في لبنان الذي حاول أن يدخل موسوعة غينيس بـ"أكبر طبق تبّولة في العالم" قبل 13 عاما.
كما يحتفل اللبنانيون كلّ سنة بـ"اليوم الوطني للتبّولة" في السبت الأوّل من شهر يوليو/تموز، منذ العام 2001، وذلك كمبادرة "لحفظ هذا التراث المطبخي". إذ يشكّل جزءا من التقاليد اللبنانية والعربية وشاهدا على التبادل الحضاري بين العرب، وعلى بعض الصراعات التاريخية التي يخوضونها للحفاظ على هويّتهم.

 

دلالات
المساهمون