حفتر والحفر في التاريخ

23 يوليو 2020
زار باغاشا (شمال الصورة) أنقرة أخيراً (عارف أكدوغان/الأناضول)
+ الخط -

إثر عودة وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً، فتحي باشاغا، من زيارة دامت أياما للعاصمة التركية أنقرة، بحثاً عن مزيد من الدعم للاتفاقيات الموقّعة بين طرابلس وأنقرة، وللخروج من حالة الانسداد السياسي، ذهبت أبواق إعلامية داعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر ومشروعه المتهاوي بعيداً عن الواقع، في عملية حفر عجيبة هذه المرة، محاولةً الاستناد إلى كنية الوزير للتأكيد على أصوله العثمانية ودعمه لمشروع "عثمنة ليبيا"، بحسب تعبير أحد الوجوه الإعلامية المعروفة خلال استضافته في أحد البرامج، ليل أول من أمس الثلاثاء. وهذا نهج سياسي عجيب غريب، لكنه ليس جديداً على حلفاء حفتر وداعمي معسكره، إذ تم اعتماده طيلة السنوات الماضية.
لقد توسّل المطبّلون لحفتر بكل ما يمكن التوسّل به من صفحات التاريخ، بحثاً عن مرتكزات وأسس قد تدعم مشروعه العسكري في وجدان الليبي، وعبر العديد من المسميات والصفات ذات الأثر في الهوية والوجدان، كوصف حراك حفتر العسكري بـ"الجهاد"، والقبائل التي أمدّته بالمئات من أبنائها كمقاتلين في حروبه بـ"القبائل الشريفة"، في استدعاء لمسميات وطنية لها احترامها في وجدان الليبي، لتكون دافعاً لتقديم المزيد من الدعم للواء المتقاعد، ولو على الصعيد النفسي، خصوصاً مع ما يعانيه حفتر من إقصاء وتهميش منذ فترة.

كما وصف المطبّلون دعم إيطاليا لحكومة الوفاق بـ"الغزو الإيطالي". واستدعى هؤلاء في الآونة الأخيرة مسمى جديداً من عمق التاريخ لوصف الحلف التركي مع طرابلس بـ"الغزو العثماني"، والتمليح بتشابه دور حفتر بدور شيخ المجاهدين في ليبيا عمر المختار، متناسين أنّ السلاح الذي جاهد به المختار كان تركياً، بل كان وزير الحربية التركية أنور باشا من أبرز رجال المختار، فيما لا تزال مدونات الجهاد الليبية تحفظ للأخير صوراً بجانب مصطفى كمال أتاتورك باللباس الليبي التقليدي، إبان مشاركتهما في أدوار الجهاد في مرتفعات الجبل الأخضر شرق ليبيا.

من نافل القول إن تلك المحاولات هي تعبير عن "الإفلاس"، لكن الحفر في التاريخ له ضريبته في مجتمع كالمجتمع الليبي، تغلب عليه التركيبة القبلية وطابع البداوة المستند على التاريخ. فأزمة ليبيا لا يتوقف حلها عند السياسي والعسكري، ويتوجب على أهل العقد والحلّ فيها الالتفات إلى ما هو أشدّ خطراً على الهوية المفتتة التي قد تكون مساراً من مسارات تقسيم البلاد التي تجري بعيداً عن الأنظار.

يبدو أنّ مشروع حفتر تجاوز الصعيدين السياسي والعسكري إلى ما هو أبعد ليضرب في عمق الهوية الليبية الجامعة، في الوقت الذي ينتظر فيه الكثيرون حلولاً سياسية أو عسكرية يمكن أن تنجزها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لحلّ الأزمة الليبية.

المساهمون