10 يوليو 2017
حصار قطر.. تحويل الأزمة إلى فرصة
تعيش منطقة الخليج أزمة غير مسبوقة، وصلت إلى درجة محاصرة دولة خليجية، فقد أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، ومنع العبور في أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر، وإمهال المقيمين والزائرين من مواطنيها فترةً محدّدةً لمغادرتها، ومنع المواطنين القطريين من دخول أراضيها. ويبدو الوضع الحالي بمثابة حرب تأثيرٍ تتصارع فيها القوى الخليجية الكبيرة، كالسعودية، الإمارات وقطر، بدأت بحربٍ إلكترونية، من خلال حملةٍ إعلاميةٍ شديدةٍ، قادتها وسائل إعلام إماراتية وسعودية، نسبت تصريحات إلى أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تبيّن أنها مفبركة بصورة كاملة. فقد جرى اختراق وكالة الأنباء القطرية بعد منتصف ليل الثلاثاء/ الأربعاء 23/ 24 مايو/ أيار، ونشر تصريحات زُعِم أنّ أمير دولة قطر أدلى بها.
وقد سربت وثيقةٌ لمطالب دول الحصار، منها إغلاق منابر إعلامية كقناة الجزيرة و"العربي الجديد" وغيرهما، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على الأراضي القطرية، ودفع قطر تعويضات لدول الحصار في مقابل ما وصفته الوثيقة بالضرر الذي ألحقته السياسات القطرية بها، وتسليم جميع أفراد المعارضة من دول الحصار الموجودين في قطر إلى بلدانهم، وتقديم معلومات مفصّلة عن شخصيات المعارضة من الدول الأربع. ورفضت قطر المطالب جميعها، ودحضتها بالتفصيل، إما بتكذيب بعض ما ورَد فيها، واعتبار أخرى مسّا بالسيادة القطرية واستقلالية قرارها، وذلك في الرد المكتوب الذي سلم للوسيط الكويتي، كما حصلت قطر على دعم دولي كبير، حيث اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية المطالب غير منطقية ولا يمكن تنفيذها، كما صرحت بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وتركيا باستحالة تحقيق المطالب التي صارت محل استنكار من المنظمات الحقوقية وجمعيات الدفاع عن الحريات، وكذلك مراكز الأبحاث والدراسات الغربية.
وبعد انتهاء المهلة التي أعطتها دول الحصار، فشلت بالتصعيد ضد قطر، وظهر اجتماع وزراء خارجية دول الحصار الأربع (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر)، في القاهرة يوم 5 يوليو/ تموز 2017 باهتا وعاجزا على اتخاذ قراراتٍ، بعد أن استنفدت هذه الدول حملاتها
الإعلامية والتهييجية ضد قطر، عبر الحشد ضد الدوحة، بدواع واهية، من قبيل دعم الإرهاب، فقد حاولت دول الحصار تعبئة تيارات ومنظمات غربية متطرفة، معروفة بعدائها للعرب، وداعية إلى الإسلاموفوبيا، ومولت حملاتها التي تستهدف السياسة القطرية، وكذلك المصالح القطرية من استثمارات وعلاقات اقتصادية دولية، كما اتهمت دول الحصار قطر بإقامة علاقات ديبلوماسية واقتصادية مع إيران، في حين أن لديها أكبر التمثيليات الديبلوماسية في طهران، كما تقيم علاقات اقتصادية معها، فالإمارات تقيم تبادلا تجاريا مع إيران يفوق 15 مليار دولار سنويا، كما أن 27% من الواردات الإيرانية قادمة من الإمارات.
ولا شك أن متغيرات جديدة ساهمت في تفجر الوضع الخليجي، وتسارع الأحداث السياسية، مع قدوم جيل جديد من الحكام في كل من قطر والسعودية والإمارات، وسعي كل دولة من هذه الدول إلى لعب دور طلائعي وقيادي في المنطقة، الأمر الذي تبيّن جليا إبان الثورات العربية، فقد عملت كل دولة على كسب مواقع سياسية مهمة، على الرغم من التباين الواضح في المشاريع، فباستثناء قطر التي كانت متناسقةً مع مواقفها المساندة للشعوب وللتغيير الديمقراطي، اختلفت مواقف السعودية والإمارات، حسب الوضع السياسي، فالسعودية أظهرت عداوةً شديدة للثورات العربية، وأيدت النظامين البائدين في مصر وتونس، ولم تساند مشروع التغيير إلا في سورية، وفي وقت جد متأخر، بعد مرور ما يقارب السنة والنصف السنة من اندلاع الحراك السوري. ينطبق الأمر ذاته على الإمارات التي أظهرت عداءً للتغيير وللحركات الإسلامية، ولم تتدخل إلا في الحالة الليبية، وأوضحت معارضة كبيرة لسقوط النظام السياسي في مصر وتونس، كما عملت برفقة العربية السعودية على الثورات المضادّة، مؤيدة أنظمة تسلطية وشخصيات من الأنظمة السابقة، كما الحال في مصر وليبيا.
وفي النطاق نفسه، يبدو مجلس التعاون الخليجي عاجزا عن إيجاد حل للأزمة الخليجية، وإنجاح الوساطة الكويتية، كما أتثبت الأزمة عجز مجلس التعاون وقصوره عن الارتقاء إلى مجموعة سياسية واقتصادية قوية كالاتحاد الأوروبي، فالمجلس أنشئ لأغراض سياسية، أكثر منها اقتصادية، حيث لكل دولة فيه شركاء اقتصاديون من خارج المنظومة الخليجية، والتبادل التجاري يظل ضعيفا، فقطر مثلا لا يتجاوز حجم مبادلاتها التجارية مع دول مجلس التعاون 9 مليارات دولار. كما أن هذا المجلس بات مهددا بالانقراض، وهو الساعي إلى تحقيق تكامل مشترك على المستوى الاقتصادي، وكان يرى في المجموعات الاقتصادية، كالاتحاد الأوروبي، نموذجا، كما كان استثناءً عربيا في حالة التشرذم العربي، لكن اختلاف المشاريع السياسية، وعدم قدرته على تحقيق تعاون اقتصادي مثمر، خصوصا أنه لم يعمل على توحيد العملة النقدية، واختلفت اقتصادات بلدانه بين اقتصاداتٍ حرة، تشجع على المبادرة والريادة، وأخرى تديرها الدولة بشكل كامل، كما يلاحظ أن لعنة النفط أصابت عديدا من بلدانه التي لم تعمل على تنويع اقتصاداتها، والخروج من الدائرة الريعية الضيقة إلى الدائرة الإنتاجية الرحبة.
على هذا النحو، أظهر صمود الموقف القطري، ورفض كل أشكال الإملاءات والهيمنة
الخارجية، فضلًا عن الأداء الدبلوماسي والإعلامي القطري السريع، الهادئ والفاعل، ضعف مطالب دول الحصار، وخوفها الحقيقي من ربيع خليجي. وقد استطاعت قطر تجاوز الانعكاسات الاقتصادية، فالقدرات المالية لقطر، من خلال صندوقها الاستثماري الذي يفوق 335 مليار دولار، واحتياطيها من النقد الأجنبي البالغ 43.6 مليار دولار، كما أن القرارات الوقائية التي اتخذها البنك المركزي في قطر ساهمت في امتصاص الأزمة، فتخفيض العملة يكبح جماح التضخم المالي، ويحد من ارتفاع الأسعار، كما يضبط سعر الفائدة الرئيسي الذي يطمئن المستثمرين الأجانب، فالاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطر تتعدّى 144 مليار دولار، كما أظهر الاقتصاد القطري إشارات قوية خلال الأزمة، من خلال إعلان زيادة 30% من إنتاج الغاز، وإعلان شركة قطر للطيران شراء أسهم في شركة أميركية، في حين يظهر جليا انعكاسات هذا الحصار على دول مجلس التعاون الخليجي التي تعاني من نيرانٍ صديقة، فقطر مثلا تستقبل 18000 سعودي للعمل، وأزيد من 200 شركة برأسمال إماراتي، مصيرها مهدد.
تمكّنت قطر، بأدائها الإعلامي والدبلوماسي والاقتصادي الناجح، من تجاوز أثر الحصار، وحققت قفزات سياسية مهمة، جعلتها محط الأنظار الدولية، كدولة محورية في المنطقة العربية وصاحبة أطروحة سياسية قوية، تثمن الإنجازات الإعلامية، الثقافية والاقتصادية، والتي جعلت من القوة الناعمة القطرية رافعةً لتجاوز الأزمات، والبحث عن الفرص. يبدو أن الأزمة الخليجية ستستمر، فرهان دول الحصار على الوقت أصبح واضحا، بعد رفضهم دعوات الحوار، كما يظهر أن هذه الأزمة سيكون لها تبعات إقليمية ودولية، حيث يتقوّى حلف استراتيجي بين تركيا وقطر، ويخطو خطواتٍ كبيرة في المنطقة، تغييرات في سدة الحكم السعودي تواكب الحصار على قطر، وكذلك صمت وترقب إيراني، مع زحف في بقع التوتر العربي العديدة، كالعراق واليمن وسورية. ودوليا، أوضحت الأزمة بالملموس التباين الحقيقي في سياسة الخارجية الأميركية بين تصريحات وزير الخارجية والرئيس الأميركي، من دون أن ننسى السياسة الخارجية الموازية التي يقودها صهر الرئيس، جاريد كوشنير، كما أظهرت الأزمة عودة قوية للديبلوماسية الألمانية التي تظهر استعدادها للعب أدوار طلائعية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقد سربت وثيقةٌ لمطالب دول الحصار، منها إغلاق منابر إعلامية كقناة الجزيرة و"العربي الجديد" وغيرهما، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على الأراضي القطرية، ودفع قطر تعويضات لدول الحصار في مقابل ما وصفته الوثيقة بالضرر الذي ألحقته السياسات القطرية بها، وتسليم جميع أفراد المعارضة من دول الحصار الموجودين في قطر إلى بلدانهم، وتقديم معلومات مفصّلة عن شخصيات المعارضة من الدول الأربع. ورفضت قطر المطالب جميعها، ودحضتها بالتفصيل، إما بتكذيب بعض ما ورَد فيها، واعتبار أخرى مسّا بالسيادة القطرية واستقلالية قرارها، وذلك في الرد المكتوب الذي سلم للوسيط الكويتي، كما حصلت قطر على دعم دولي كبير، حيث اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية المطالب غير منطقية ولا يمكن تنفيذها، كما صرحت بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وتركيا باستحالة تحقيق المطالب التي صارت محل استنكار من المنظمات الحقوقية وجمعيات الدفاع عن الحريات، وكذلك مراكز الأبحاث والدراسات الغربية.
وبعد انتهاء المهلة التي أعطتها دول الحصار، فشلت بالتصعيد ضد قطر، وظهر اجتماع وزراء خارجية دول الحصار الأربع (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر)، في القاهرة يوم 5 يوليو/ تموز 2017 باهتا وعاجزا على اتخاذ قراراتٍ، بعد أن استنفدت هذه الدول حملاتها
ولا شك أن متغيرات جديدة ساهمت في تفجر الوضع الخليجي، وتسارع الأحداث السياسية، مع قدوم جيل جديد من الحكام في كل من قطر والسعودية والإمارات، وسعي كل دولة من هذه الدول إلى لعب دور طلائعي وقيادي في المنطقة، الأمر الذي تبيّن جليا إبان الثورات العربية، فقد عملت كل دولة على كسب مواقع سياسية مهمة، على الرغم من التباين الواضح في المشاريع، فباستثناء قطر التي كانت متناسقةً مع مواقفها المساندة للشعوب وللتغيير الديمقراطي، اختلفت مواقف السعودية والإمارات، حسب الوضع السياسي، فالسعودية أظهرت عداوةً شديدة للثورات العربية، وأيدت النظامين البائدين في مصر وتونس، ولم تساند مشروع التغيير إلا في سورية، وفي وقت جد متأخر، بعد مرور ما يقارب السنة والنصف السنة من اندلاع الحراك السوري. ينطبق الأمر ذاته على الإمارات التي أظهرت عداءً للتغيير وللحركات الإسلامية، ولم تتدخل إلا في الحالة الليبية، وأوضحت معارضة كبيرة لسقوط النظام السياسي في مصر وتونس، كما عملت برفقة العربية السعودية على الثورات المضادّة، مؤيدة أنظمة تسلطية وشخصيات من الأنظمة السابقة، كما الحال في مصر وليبيا.
وفي النطاق نفسه، يبدو مجلس التعاون الخليجي عاجزا عن إيجاد حل للأزمة الخليجية، وإنجاح الوساطة الكويتية، كما أتثبت الأزمة عجز مجلس التعاون وقصوره عن الارتقاء إلى مجموعة سياسية واقتصادية قوية كالاتحاد الأوروبي، فالمجلس أنشئ لأغراض سياسية، أكثر منها اقتصادية، حيث لكل دولة فيه شركاء اقتصاديون من خارج المنظومة الخليجية، والتبادل التجاري يظل ضعيفا، فقطر مثلا لا يتجاوز حجم مبادلاتها التجارية مع دول مجلس التعاون 9 مليارات دولار. كما أن هذا المجلس بات مهددا بالانقراض، وهو الساعي إلى تحقيق تكامل مشترك على المستوى الاقتصادي، وكان يرى في المجموعات الاقتصادية، كالاتحاد الأوروبي، نموذجا، كما كان استثناءً عربيا في حالة التشرذم العربي، لكن اختلاف المشاريع السياسية، وعدم قدرته على تحقيق تعاون اقتصادي مثمر، خصوصا أنه لم يعمل على توحيد العملة النقدية، واختلفت اقتصادات بلدانه بين اقتصاداتٍ حرة، تشجع على المبادرة والريادة، وأخرى تديرها الدولة بشكل كامل، كما يلاحظ أن لعنة النفط أصابت عديدا من بلدانه التي لم تعمل على تنويع اقتصاداتها، والخروج من الدائرة الريعية الضيقة إلى الدائرة الإنتاجية الرحبة.
على هذا النحو، أظهر صمود الموقف القطري، ورفض كل أشكال الإملاءات والهيمنة
تمكّنت قطر، بأدائها الإعلامي والدبلوماسي والاقتصادي الناجح، من تجاوز أثر الحصار، وحققت قفزات سياسية مهمة، جعلتها محط الأنظار الدولية، كدولة محورية في المنطقة العربية وصاحبة أطروحة سياسية قوية، تثمن الإنجازات الإعلامية، الثقافية والاقتصادية، والتي جعلت من القوة الناعمة القطرية رافعةً لتجاوز الأزمات، والبحث عن الفرص. يبدو أن الأزمة الخليجية ستستمر، فرهان دول الحصار على الوقت أصبح واضحا، بعد رفضهم دعوات الحوار، كما يظهر أن هذه الأزمة سيكون لها تبعات إقليمية ودولية، حيث يتقوّى حلف استراتيجي بين تركيا وقطر، ويخطو خطواتٍ كبيرة في المنطقة، تغييرات في سدة الحكم السعودي تواكب الحصار على قطر، وكذلك صمت وترقب إيراني، مع زحف في بقع التوتر العربي العديدة، كالعراق واليمن وسورية. ودوليا، أوضحت الأزمة بالملموس التباين الحقيقي في سياسة الخارجية الأميركية بين تصريحات وزير الخارجية والرئيس الأميركي، من دون أن ننسى السياسة الخارجية الموازية التي يقودها صهر الرئيس، جاريد كوشنير، كما أظهرت الأزمة عودة قوية للديبلوماسية الألمانية التي تظهر استعدادها للعب أدوار طلائعية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.