02 اغسطس 2017
إصلاح الإدارة المغربية... مدخل التنمية الاقتصادية
كان لخطاب العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان، صدى كبير لدى الرأي العام المغربي، فقد خصص الخطاب لتشخيص مثالب الإدارة المغربية، وتحليل أعطابها التي تؤثر سلباً على مسيرة التنمية والتقدم الاقتصادي المنشود، مع توضيح منطلقات الإصلاح الضروري للإدارة. ويذكر العاهل المغربي: "...إن المرافق والإدارات العمومية، تعاني من عدة نقائص، تتعلق بالضعف في الأداء، وفي جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين. كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين... .".
وعلى هذا النحو، تسليط الضوء على حاجيات الإدارة ناجم عن مكانتها الوازنة في الارتقاء الاقتصادي، عبر جلب الاستثمارات الأجنبية، تحسين مناخ الأعمال، إرساء علاقة ثقة بين الجهاز الإداري والمواطنين وتخليق الحياة العامة. ففي عصرٍ يتميز بعولمة الأسواق، والتنافس الحاد بين الدول والمؤسسات الاقتصادية، نزيف النظام الرأسمالي، تعاقب الأزمات، انتشار وسائل الإعلام و تكنولوجيا الاتصالات، وضرورة السرعة في اتخاذ القرار، وتحدي المخاطر، تمثل الإدارة ركيزةً أساسيةً في دفع عجلة التنمية من خلال محاربة الريع والفساد، ضمان النزاهة والشفافية وتحقيق العدالة الإجتماعية، عبر سيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.
عرفت الإدارة العامة المغربية تطوراً ملحوظاً في عدة مراحل، ارتبطت، بشكل وثيق، بتطور دور الدولة وأدائها في تحقيق الاستقرار، التنمية والتماسك الاجتماعي، وفي توفير الخدمات العمومية للمواطنين، وكذلك بالظرفية الاقتصادية للبلد، وما ينتج عنها من أثر. وفي هذا الصدد، شهد المغرب، بعد الاستقلال، مرحلة بناء الإدارة وتوجيهها لخدمة المخططات الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر وضع النظام العام للوظيفية العمومية، توحيد الإجراءات الإدارية، إقامة نظام للتوظيف، الرواتب والأجور. وفي فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، واجهت الإدارة المغربية إكراهات برنامج التقويم الهيكلي الذي فرضه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث انصبت جهود الدولة على إعادة التوازنات المالية، وتقليص ميزانيات القطاعات الاجتماعية، وخوصصة عدة مؤسسات عامة في قطاعات اقتصادية متنوعة.
وبناء على ما تقدم، شابت الإدارة العامة عيوبٌ عديدة تخص محدودية المساطر الإدارية في
التوظيف، تعقيد نظام الأجور، ضعف التكوين المستمر وغياب معايير الكفاءة والاستحقاقية، عدم التوافق بين الوظيفة والرتبة، عدم التحكّم في أعداد الموظفين، ووجود الموظفين الأشباح، محدودية حركية الموظفين بين المؤسسات العامة، الوزارات والإدارات المحلية، وكذلك فشل نظام الترقية في الإطار والرتبة والدرجة المبني على الأقدمية، وليس على الإنجازات المهنية. فيما عرفت مرحلة بداية الألفية الثالثة، وما تلاها، تغييرات مهمة في بنية الإدارة المغربية، انطلقت مع برنامج المغادرة الطوعية لتقليص حجم الموظفين في القطاع العام، وما رافقه من إصدارات قانونية، تخص أوقات العمل، الشراكات مع القطاع الخاص، فتح المجال أمام الموظفين الشباب للترقي وتحمل المسؤولية. علاوة على ذلك، اهتم دستور سنة 2011 بالإدارة، من خلال تكريس منظومة الحوكمة، والتدبير الحديث للموارد البشرية، إقامة دليل مرجعي شامل لوظائف الإدارة العامة، إدماج مقاربة النوع في مجال تدبير رأس المال البشري، في أفق المناصفة بين الرجال والنساء، مراجعة الأطر القانونية والتنظيمية، ودعم الإدارة الإلكترونية وتقنيات التواصل والإعلام، مع إرساء قاعدة معلوماتية مركزية للموارد البشرية في الإدارة العامة، ناهيك عن مشروع الجهوية المتقدمة الهادف إلى محاربة مركزية القرار، وفرض مبدأ القرب مع الموطنين.
وفي هذا السياق، يستلزم إصلاح الإدارة المغربية مواجهة الفساد المستشري في القطاع العام، ليس فقط من حيث الممارسات الفردية. ولكن، بوجود قوانين غير ملائمة للنهضة الاقتصادية، فالفساد هو سوء استعمال النفوذ العام، من أجل تحقيق مصالح خاصة ومكاسب شخصية، حيث يتم اعتقال الدولة، وتقويض المسار الديمقراطي وهدم الاستقرار السياسي.. وقد تحوّل الفساد من حالات استثنائية محدودة إلى أسلوب إدارة يهدّد بأزماتٍ وانسداداتٍ بنيوية عميقة على الدولة، خصوصاً أن قوانين عديدة أصبحت فاسدة، أو محرّضة على الفساد، فيصبح الفساد بالقانون، وليس بمخالفته. بالإضافة إلى ذلك، يشل الفساد خلايا التنمية، فيضعف الإنتاج والرخاء الاقتصادي، ويغيب التوزيع العادل للثروة، وتضيع مقدرات الدولة الطبيعية والحقوقية والمعرفية في غياهب الفقر والجهل والمرض، كما يترتب على الفساد اندثار تكافؤ الفرص، وتدمير ثقافة الاستحقاق والإتقان، بل ينتشر الإحباط واللامبالاة في المجتمع، مع تدمير واضح لمنظومة القيم ولمصداقية مؤسسات الدولة.
وهنا، تظهر أهمية المساءلة والمحاسبة التي أصبحت معياراً للكفاءة الحكومية في العالم ومحدّدا لمصداقية المؤسسات العامة، واستراتيجياتها الموجهة نحو المواطن. فالمساءلة هي وسيلة تمكن
الأفراد والمؤسسات من تحمّل مسؤولياتهم وتبرير أدائهم للوثوق بهم، حيث أنها مجموعة من الأدوات والتقنيات لتقييم السياسات العامة، وتجسيد لمفهوم ديمقراطية الإدارة. أما المحاسبة فهي واجب الكشف عن كيفية التصرّف في المسؤولية المعطاة، بتقديم كشف حسابٍ عن نتائج وأهداف، تم الاتفاق على شروطها مسبقاً، من حيث النوع، الكلفة، التوقيت والجودة. ترتبط منظومة المساءلة والمحاسبة بطبيعة النظام السياسي السائد، وفلسفته في الحكم، واقتصادياً، فالأمر يرتبط بإقامة مؤسساتٍ قويةٍ وإدارة اقتصاديةٍ محكمةٍ، خصوصاً في المجال المالي، عبر تقديم الحساب عن الاستعمال الحالي والمتوقع للموارد المالية، من أجل ضمان ترشيد عقلاني للموارد وجدارة مالية، تحمي المؤسسات من الخسائر. أما اجتماعيا، فالمساءلة والمحاسبة تبقى رهينة الثقافات المؤسساتية والأعـراف الاجتماعية، ينضاف إلى ذلك التحدّي الإداري والقانوني، فوجود المساءلة والمحاسبة يترتب عنه إقرار أجهزة رقابية، تشريعات قانونية ومؤسسات دستورية توفر مناخا سليما يعمل بموضوعية واستقلالية.
وعلى المنوال نفسه، الإدارة المغربية في حاجة ماسة إلى تدعيم الحوكمة، باعتبارها مجموعة من الآليات والوسائل، لتعبئة الحركة الجماعية لمختلف الفاعلين والفرقاء حول غاية مشتركة، مع العمل على فصل السلطات واستقلالها وتوازنها، يكمن عمقها الإستراتيجي في التأثير المباشر على الحياة العامة للمواطنين. وتقوم الحوكمة على عدة محدّدات، منها ما هو داخلي، كالتي تعنى باتخاذ القرار توزيع السلطات والعلاقات التفاعلية بين المساهمين، مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية، وأخرى خارجية، والمقصود هنا، القوانين التنظيمية المتعلقة بالمنافسة، الاستثمار والمحاسبة، و كذلك الهيئات المتدخلة في عمل المؤسسات، مثل مكاتب التدقيق المالي، الاستشارة القانونية والدراسات الإستراتيجية. تفرض الحوكمة مسؤولياتٍ كبيرةً على الدولة، حيث يجب على الدولة أن تكفل للمؤسسات العامة وجود إطار قانوني وتنظيمي فعال، يضمن تكافؤاً للفرص ومنافسة شريفة، ثم ينبغي أن تكون الدولة مساهماً متنوراً وفاعلاً، يوفر للمؤسسات والإدارات العامة ممارساتٍ شفافة ومسؤولة على درجة عالية من الاحترافية.
وختاما، إصلاح الإدارة في المغرب رهين بوجود إرادة سياسية تبدو واضحة للعيان، تستوجب تحديد أدوار الدولة ومسؤولياتها، باعتبارها موجهاً استراتيجياً للمؤسسات والمنشآت العامة العاملة في قطاعات اقتصادية كبرى، تسعى إلى تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية الوطنية، من خلال إرساء علاقات تعاقدية متعدّدة السنوات بين الدولة والمنشآت والمؤسسات العامة، ومرتكزة على إشراك جميع الفاعلين، وتحديد أهداف واضحة، كما ينبغي أن يشكل هذا التعاقد متعدّد السنوات بين الدولة والمؤسسات والمنشآت العامة إطارا مميزا لحوار استراتيجي منتظم بين الطرفين، كما يجب أن تلعب الدولة دور المراقب، عبر بلورة نظام مراقبة حديث ومتطور، يترجم بوضوح انشغالاتها المؤسساتية، حيث ينبغي أن تساهم المراقبة في إنجاز الأهداف المعقلنة، والاستعمال الأمثل للموارد، وخصوصاً تقييم النتائج والوقاية ضد المخاطر.
وسائل
ويتوخى تحقيق هذه الأهداف من خلال اعتماد فعلي لمنظومة التسيير والمراقبة الداخلية، والتي تشمل، خصوصاً، الوسائل التالية:
نظام أساسي للمستخدمين ومخطط تنظيمي ودليل المساطر ونظام الصفقات، ومحاسبة تمكّن من إعداد قوائم تركيبية منتظمة وصحيحة، ومصادق عليها من لدن مدققين خارجيين مؤهلين،
علاوة على ضرورة صياغة مواثيق ودليل لمناهج تروم تنميط مختلف أشكال المراقبة، وتجانسها. ينضاف إلى ما سبق دور الدولة كمساهم، إذ على الدولة صياغة استراتيجية لمساهماتها عبر توضيح أهدافها العامة وإرساء سياسة لتوزيع حصة الأرباح، بما يضمن للمؤسسات العامة الحفاظ على التوازن بين العائد المالي والاحتياجات التمويلية. دور الدولة المساهمة حيال مجموع المنشآت يحكمه توضيح كيفية مزاولة الحقوق المرتبطة بمساهمات الدولة، في إطار إستراتيجية المساهمة، كما يجب إعداد إستراتيجية شاملة ونشرها، للمساهمة التي تحدد أهدافها الكبرى، أو دورها في حوكمة المنشآت. تتمثل الأهداف الأساسية للدولة المساهمة في تعزيز قوة الاقتصاد وتنافسيته، تحسين مساهمة المؤسسات والمنشآت العامة في ديناميكية النمو، البحث عن أفضل تثمين لمساهمات الدولة، تشجيع المنشآت العامة على التعهد بالمسؤولية الاجتماعية، والدفاع عن القيم والمصالح الحيوية للبلد بطريقة مثلى.
يتبين أن المغرب في حاجة إلى إدارة فاعلة ونزيهة، تستند إلى عدالة القانون، وتطلق بذلك العنان أمام الكفاءات الوطنية نحو المبادرة الحرة وريادة الأعمال، ما ينتج إبداعاً يرخي بظلاله على عموم الوطن، كما تؤمن وجود الخدمات الأساسية للمواطنين، وفي مقدمتها التعليم رافعةً لنهضة الأمم، ومحركاً للتنمية الإنسانية، تضمن استقلالية القضاء، وتحصن حقوق الملكية، وتنشئ حوافز مغرية للمنشآت والمقاولات المبتكرة.
إصلاح المؤسسات العامة هو نبراس القضية الديمقراطية التي تمكّن من زرع الثقة بين الفرقاء، وتنزع التفرد بالسلطة، فكما يقول ابن خلدون: "...في الطبيعة الفطرية للبشر، هناك إدمان للاستبداد والقمع...وهنا أهمية المؤسسات...". يجب الإدراك، إذن، أن الإدارة العامة تنقل الدولة من الريع إلى الإنتاج، بعقد اجتماعي متطور، يقف سدا منيعا أمام الفساد، وينبذ مركزية القرار، ويحسّن من أداء الاقتصاد الوطني.
وعلى هذا النحو، تسليط الضوء على حاجيات الإدارة ناجم عن مكانتها الوازنة في الارتقاء الاقتصادي، عبر جلب الاستثمارات الأجنبية، تحسين مناخ الأعمال، إرساء علاقة ثقة بين الجهاز الإداري والمواطنين وتخليق الحياة العامة. ففي عصرٍ يتميز بعولمة الأسواق، والتنافس الحاد بين الدول والمؤسسات الاقتصادية، نزيف النظام الرأسمالي، تعاقب الأزمات، انتشار وسائل الإعلام و تكنولوجيا الاتصالات، وضرورة السرعة في اتخاذ القرار، وتحدي المخاطر، تمثل الإدارة ركيزةً أساسيةً في دفع عجلة التنمية من خلال محاربة الريع والفساد، ضمان النزاهة والشفافية وتحقيق العدالة الإجتماعية، عبر سيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.
عرفت الإدارة العامة المغربية تطوراً ملحوظاً في عدة مراحل، ارتبطت، بشكل وثيق، بتطور دور الدولة وأدائها في تحقيق الاستقرار، التنمية والتماسك الاجتماعي، وفي توفير الخدمات العمومية للمواطنين، وكذلك بالظرفية الاقتصادية للبلد، وما ينتج عنها من أثر. وفي هذا الصدد، شهد المغرب، بعد الاستقلال، مرحلة بناء الإدارة وتوجيهها لخدمة المخططات الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر وضع النظام العام للوظيفية العمومية، توحيد الإجراءات الإدارية، إقامة نظام للتوظيف، الرواتب والأجور. وفي فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، واجهت الإدارة المغربية إكراهات برنامج التقويم الهيكلي الذي فرضه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث انصبت جهود الدولة على إعادة التوازنات المالية، وتقليص ميزانيات القطاعات الاجتماعية، وخوصصة عدة مؤسسات عامة في قطاعات اقتصادية متنوعة.
وبناء على ما تقدم، شابت الإدارة العامة عيوبٌ عديدة تخص محدودية المساطر الإدارية في
وفي هذا السياق، يستلزم إصلاح الإدارة المغربية مواجهة الفساد المستشري في القطاع العام، ليس فقط من حيث الممارسات الفردية. ولكن، بوجود قوانين غير ملائمة للنهضة الاقتصادية، فالفساد هو سوء استعمال النفوذ العام، من أجل تحقيق مصالح خاصة ومكاسب شخصية، حيث يتم اعتقال الدولة، وتقويض المسار الديمقراطي وهدم الاستقرار السياسي.. وقد تحوّل الفساد من حالات استثنائية محدودة إلى أسلوب إدارة يهدّد بأزماتٍ وانسداداتٍ بنيوية عميقة على الدولة، خصوصاً أن قوانين عديدة أصبحت فاسدة، أو محرّضة على الفساد، فيصبح الفساد بالقانون، وليس بمخالفته. بالإضافة إلى ذلك، يشل الفساد خلايا التنمية، فيضعف الإنتاج والرخاء الاقتصادي، ويغيب التوزيع العادل للثروة، وتضيع مقدرات الدولة الطبيعية والحقوقية والمعرفية في غياهب الفقر والجهل والمرض، كما يترتب على الفساد اندثار تكافؤ الفرص، وتدمير ثقافة الاستحقاق والإتقان، بل ينتشر الإحباط واللامبالاة في المجتمع، مع تدمير واضح لمنظومة القيم ولمصداقية مؤسسات الدولة.
وهنا، تظهر أهمية المساءلة والمحاسبة التي أصبحت معياراً للكفاءة الحكومية في العالم ومحدّدا لمصداقية المؤسسات العامة، واستراتيجياتها الموجهة نحو المواطن. فالمساءلة هي وسيلة تمكن
وعلى المنوال نفسه، الإدارة المغربية في حاجة ماسة إلى تدعيم الحوكمة، باعتبارها مجموعة من الآليات والوسائل، لتعبئة الحركة الجماعية لمختلف الفاعلين والفرقاء حول غاية مشتركة، مع العمل على فصل السلطات واستقلالها وتوازنها، يكمن عمقها الإستراتيجي في التأثير المباشر على الحياة العامة للمواطنين. وتقوم الحوكمة على عدة محدّدات، منها ما هو داخلي، كالتي تعنى باتخاذ القرار توزيع السلطات والعلاقات التفاعلية بين المساهمين، مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية، وأخرى خارجية، والمقصود هنا، القوانين التنظيمية المتعلقة بالمنافسة، الاستثمار والمحاسبة، و كذلك الهيئات المتدخلة في عمل المؤسسات، مثل مكاتب التدقيق المالي، الاستشارة القانونية والدراسات الإستراتيجية. تفرض الحوكمة مسؤولياتٍ كبيرةً على الدولة، حيث يجب على الدولة أن تكفل للمؤسسات العامة وجود إطار قانوني وتنظيمي فعال، يضمن تكافؤاً للفرص ومنافسة شريفة، ثم ينبغي أن تكون الدولة مساهماً متنوراً وفاعلاً، يوفر للمؤسسات والإدارات العامة ممارساتٍ شفافة ومسؤولة على درجة عالية من الاحترافية.
وختاما، إصلاح الإدارة في المغرب رهين بوجود إرادة سياسية تبدو واضحة للعيان، تستوجب تحديد أدوار الدولة ومسؤولياتها، باعتبارها موجهاً استراتيجياً للمؤسسات والمنشآت العامة العاملة في قطاعات اقتصادية كبرى، تسعى إلى تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية الوطنية، من خلال إرساء علاقات تعاقدية متعدّدة السنوات بين الدولة والمنشآت والمؤسسات العامة، ومرتكزة على إشراك جميع الفاعلين، وتحديد أهداف واضحة، كما ينبغي أن يشكل هذا التعاقد متعدّد السنوات بين الدولة والمؤسسات والمنشآت العامة إطارا مميزا لحوار استراتيجي منتظم بين الطرفين، كما يجب أن تلعب الدولة دور المراقب، عبر بلورة نظام مراقبة حديث ومتطور، يترجم بوضوح انشغالاتها المؤسساتية، حيث ينبغي أن تساهم المراقبة في إنجاز الأهداف المعقلنة، والاستعمال الأمثل للموارد، وخصوصاً تقييم النتائج والوقاية ضد المخاطر.
وسائل
ويتوخى تحقيق هذه الأهداف من خلال اعتماد فعلي لمنظومة التسيير والمراقبة الداخلية، والتي تشمل، خصوصاً، الوسائل التالية:
نظام أساسي للمستخدمين ومخطط تنظيمي ودليل المساطر ونظام الصفقات، ومحاسبة تمكّن من إعداد قوائم تركيبية منتظمة وصحيحة، ومصادق عليها من لدن مدققين خارجيين مؤهلين،
يتبين أن المغرب في حاجة إلى إدارة فاعلة ونزيهة، تستند إلى عدالة القانون، وتطلق بذلك العنان أمام الكفاءات الوطنية نحو المبادرة الحرة وريادة الأعمال، ما ينتج إبداعاً يرخي بظلاله على عموم الوطن، كما تؤمن وجود الخدمات الأساسية للمواطنين، وفي مقدمتها التعليم رافعةً لنهضة الأمم، ومحركاً للتنمية الإنسانية، تضمن استقلالية القضاء، وتحصن حقوق الملكية، وتنشئ حوافز مغرية للمنشآت والمقاولات المبتكرة.
إصلاح المؤسسات العامة هو نبراس القضية الديمقراطية التي تمكّن من زرع الثقة بين الفرقاء، وتنزع التفرد بالسلطة، فكما يقول ابن خلدون: "...في الطبيعة الفطرية للبشر، هناك إدمان للاستبداد والقمع...وهنا أهمية المؤسسات...". يجب الإدراك، إذن، أن الإدارة العامة تنقل الدولة من الريع إلى الإنتاج، بعقد اجتماعي متطور، يقف سدا منيعا أمام الفساد، وينبذ مركزية القرار، ويحسّن من أداء الاقتصاد الوطني.