حصاد 2015: الإعلام التونسي.. ومخاض التأسيس

20 ديسمبر 2015
تعيش الصحف التونسية أزمة خانقة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يُمكن اعتبار سنة 2015 سنة استثنائيّة في تاريخ الإعلام التونسي. هذا الإعلام الذي يعيش منذ ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011 فترة من الحرية غير المسبوقة في تاريخه، لكنّه في المقابل ما يزال يعاني من بدايات التأسيس، سواء على مستوى الممارسة المهنية أو في مستوى الإطار التشريعي المنظم لهذا القطاع.

فتونس التي احتلت المرتبة 126 من 180 دولة في تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" حول حرية الصحافة محققة تقدمًا بثماني مراتب مقارنة بسنة 2014 لا يزال الإعلام والإعلاميون فيها يعرفون العديد من الصعوبات لعلّ أهمها تنامي حجم الاعتداءات عليهم والانتهاك لحرية الصحافة. هذا طبعاً بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها وسائل اعلام عديدة في تونس، وتؤثّر في عمل الصحافيين، حيث يواجه العشرات هاجس البطالة.

هذا فيما لم ترصد "لجنة حماية الصحافيين" أي صحافي مسجون في تونس بسبب عمله، وذلك في تقريرها لنهاية عام 2015 حول الصحافيين المسجونين، والذي احتلّت فيه الصين المرتبة الأولى، ومصر المرتبة الثانية في مجال سجن الصحافيين حول العالم، من أصل 28 بلداً تسجن 199 صحافياً، مقارنةً مع 221 في عام 2014.

... ويتواصل مسلسل الاعتداءات

وفقًا لتصريح محمود الذوادي، مدير مركز تونس لحرية الصحافة، لـ "العربي الجديد"، فإنّه من المتوقع أن يبلغ عدد الاعتداءات على العاملين بالقطاع الإعلامي والانتهاكات لحرية الصحافة 400 انتهاك واعتداء مع نهاية العام، وهو رقم يبقى مرتفعاً. وقد تزامنت أكثر هذه الاعتداءات مع حصول عمليات إرهابية في تونس لعل أهمها الاعتداء الإرهابي الذي شهده متحف باردو في العاصمة التونسية يوم 18 مارس/آذار 2015، حيث تعرض الصحافيون إلى أكثر من 26 حالة اعتداء أثناء متابعتهم الحادثة الإرهابية، وهو أمر تكرر في الاعتداء الإرهابي على حافلة للحرس الرئاسي في العاصمة التونسية يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تمّ الاعتداء على الصحافيين بالعنف مما أدى إلى أضرار بدنية للبعض منهم.

اقرأ أيضاً: عودة الإعلاميين المهاجرين إلى تونس

هذه الاعتداءات، يحتلّ رجال الأمن المرتبة الأولى في ارتكابها، وهو ما يؤشر إلى العلاقة المتوترة بين الإعلاميين ورجال الأمن. وهو توتّرٌ حاولت كُلّ من النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ووزارة الداخلية تلافيه من خلال تنظيم دورات تدريبية تجمع بين الإعلاميين ورجال الأمن، ولكن يبدو أن هذه الدورات لم تحقق الأهداف التي رسمت لها إلى حدّ الآن.

والاعتداءات على الصحافيين لا تقتصر على الاعتداءات اللفظية والبدنية بل تجاوزتها إلى اعتداءات شغلية تمثلت في الوضع الهشّ لعدد هام من العاملين في القطاع، وهو ما دفع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى إطلاق حملة بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين حول الأوضاع المهنية الهشة والصعبة للصحافيين من خلال المطالبة بتسوية الأوضاع المهنيّة لهم وخاصة في قطاع الصحافة المكتوبة الذي يشهد أزمة مالية خانقة.

الصحافة المكتوبة في أزمة

يُعاني قطاع الصحافة المكتوبة في تونس أزمةً ماليّةً عميقة، أرجعها السيد الطيب الزهار، رئيس جمعية مديري الصحف، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى ضعف القراءة. حيث لا يتجاوز عدد المبيعات من النسخ الورقية للصحف التونسيّة، المائة ألف نسخة يوميًا، وهو عدد ضعيف مقارنةً بعدد الصحف اليومية والأسبوعية باللغتين العربية والفرنسية والتي يتجاوز عددها المائة منشور. وهو عدد ضعيف جداً أيضاً مقارنة بعدد سكان تونس الذي يزيد على 11 مليون نسمة.

إضافةً إلى ذلك، تعاني الصحافة المكتوبة في تونس من ضعف سوق الإعلانات التجارية الذي لا يتجاوز 100 مليون دينار تونسي (58 مليون دولار أميركي)، يحتكر جلّ هذه الإعلانات التجارية القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، في حين لا تحصل منها الصحافة المكتوبة إلا على النزر القليل، خاصةً في ظل الطفرة التي يشهدها الإعلام الإلكتروني، وهو ما دفع العديد من الصحف إلى الإغلاق مما تسبب في إحالة عدد مهم من العاملين في القطاع إلى البطالة الإجبارية.

هذه الصعوبات التي تشهدها الصحافة المكتوبة، أرجعها بعض المختصين إلى ضعف محتوى هذه الصحف، وهو ما عجّل في إطلاق مرصد الأخلاقيات المهنية في الصحافة المكتوبة والإلكترونية بهدف التأسيس لصحافة ذات جودة ونوعيّة، مثلما أكد لـ "العربي الجديد" الأستاذ منوبي المروكي رئيس المرصد، مضيفًا أنّ "المرصد يصدر تقارير يومية تشير إلى الإخلالات في المهنة من دون ذكر الصحف لمدة شهرين فقط، مثلما طلب مديرو الصحف لكن بعد ذلك سيصبح نشر الإخلال مع ذكر اسم الصحيفة أو الموقع الإلكتروني".

الإعلام السمعي البصري... والصراع حول الصلاحيات

يُعتبر الإعلام السمعي البصري من أكبر المستفيدين من الثورة التونسيّة. فقد تمّ إطلاق العديد من القنوات التلفزيونيّة والمحطات الإذاعيّة، وتمّ سنة 2015 منح ما يناهز 15 إجازة قانونيّة لعديد القنوات التلفزيونيّة والمحطات الإذاعية الرسمية والخاصة من قبل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا). إلا أن هذه الهيئة التي سيتم حلّها في نهاية السنة الحالية أو بداية سنة 2016 وتعويضها بهيئة الإعلام السمعي البصري وفقًا لما ينص عليه الدستور التونسي دخلت في صراع مع رئاسة الحكومة التونسية حول الصلاحيات الممنوحة لكل طرف، خاصة في مجال الإعلام الرسمي، الأمر الذي تطور إلى حدّ إعلان السيد النوري اللجمي رئيس الهايكا رفع قضية في المحكمة الإدارية على رئاسة الحكومة التونسية لإبطال قرارها عزل المدير العام للتلفزيون الرسمي التونسي نتيجة خطأ مهني بنشر صور طفل مقطوع الرأس، نتج عنه أيضًا إقالة رئيس تحرير الأخبار بنفس التلفزيون.

وهذا الصراع قد لا يشهد انفراجًا سريعًا، لكنه جعل عضو الهايكا، هشام السنوسي، يتهم رئاسة الحكومة بمحاولة تدجين الإعلام الرسمي والعودة به إلى مربع ما قبل الثورة. وهي اتهامات رفضها المستشار الإعلامي لرئاسة الحكومة ظافر ناجي، والذي أعلن أن الحكومة التونسية لا نية لها ولا قدرة على الحد من حرية الرأي والتعبير.

وبينما شهد عام 2015 جدلاً واسعاً سبّبه إعلاميّون تونسيون، خصوصاً على القنوات التلفزيونية، إلا أنّ الإعلام التونسي يعيش مخاضًا عسيرًا في مرحلة التأسيس لإعلام حرّ وتعددي قادر على الإسهام في مرحلة الانتقال السياسي التي تشهدها تونس. لكن يبقى ربما أكبر مكاسبه هذه السنة عدم الزج بالصحافيين في السجون، وإن كانوا يتعرضون لبعض المضايقات التي لم تصل إلى حدّ العقوبات السالبة للحرية.


اقرأ أيضاً: أكثر من 60 منظمة تونسية تطلق تحذيرات حول الحريات