28 أكتوبر 2024
حسين سالم والنظام المصري... أكبر من تصالح
حمل الاتفاق بين الحكومة المصرية وحسين سالم، المدان في عمليات نهب وفساد، مؤشراتٍ دالة على بنية النظام التي تتسم بتزاوج الفساد والاستبداد وحكم الفرد وكسر قواعد الشفافية والإفصاح. أصبح سالم حراً طليقاً، وأُسقطت عنه قضايا الفساد في مقابل تنازله عن 5.3 مليارات جنيه (601 مليون دولار)، وهو ما قدّره النظام بـ 75% من ثروة سالم الذي وُصف بأنه مدير أعمال حسني مبارك.
بموجب الاتفاق، سيُرفع التحفظ على ممتلكات سالم وعائلته في مصر والخارج، وسترسل الحكومة المصرية خطاباتٍ للسلطات الإسبانية، تفيد بانقضاء الدعاوى القضائية. وبهذا، سيتمكن سالم من التصرف في ممتلكاته، ولعل ذلك هو السبب الرئيسي لدفع "المعلوم" على عكس ما روجته أجهزة إعلام السلطة، أن سالم تصالح لرغبته في العودة إلى مصر.
جاءت الصفقة، كما قال سالم، من دون ضغوط، وعنوانها التنازل وليس المحاسبة. أما ما قدمه سالم نظير التصالح، نجد أغلبه عقاراتٍ وأراضي استولى عليها من الدولة. شيد سالم امبرطوريته المالية بدعم أجهزة الدولة، بل إنه أعلن، من قبل، إن أغلب أنشطته كانت بمعرفة أجهزتها وتوجيهها، ولعل ذلك يدفعنا إلى الأسئلة: ماذا كانت تنتظر تلك الأجهزة من مشروعات سالم، وما مدى المكاسب التي تقاضاها المسؤولون من تلك المشروعات ثلاثين عاماً مضت؟ ولماذا تتصالح السلطة مع هؤلاء الآن؟ وهل هي مصالحات في إطار تسوية قانونية، أم إنها تتجاوز اتفاقية صلح بشأن قضايا فساد، إلى اتفاقية دفاع وتضامن مشترك بين مكونات النظام، تجعله أكثر قوةً في مواجهة التحديات مستقبلاً؟
شهدت الصفقة شكلاً من خداع الرأي العام، سواء فيما يخص حجم ثروة حسين سالم أو طريقة استرداد بعض ما نهبه. وكشفت نهاية عملية التفاوض تراجع متحصلاتها عمّا سبق الإعلان عنه منذ عامين، حين رحب محامي سالم بالتصالح مع الدولة في مقابل 22 ملياراً، وقيل حينها إن هذا المبلغ يمثل 57% من أملاك سالم وأسرته في مصر، ونصف أملاكهم في الخارج.
وحسب مفاوضاتٍ غير معلنة، كشفها وزير العدل السابق، أحمد الزند، فإن عبد الفتاح السيسي طلب مقابل التصالح 10 مليارات جنيه، الأمر الذي يوضح كيف يتم التعامل مع ملف التصالح، وكيف تمنح البراءة وتسقط الدعاوى القضائية، وكيف تسير أمور النظام بتفاوض يحكمه فرد.
وفيما يتعلق بثروات سالم، وإنه دفع 75% من ثروته، فذلك أقل مما كشفت عنه سجلات القضايا المدان فيها سالم، حيث تتضمن قضايا غسيل الأموال وصفقات تصدير الغاز لإسرائيل مبالغ ضخمة.
وبعيداً عن الأرقام والثروات التي تم رصدها في قضايا الفساد المدان فيها سالم، فإن هناك
ثروات لم ترصد، منها عوائد وأرباح المشاريع التي قدمها سالم في مقابل التصالح، وكذلك معدلات فارق الأسعار بين الأراضي التي استولى عليها من الدولة أو امتلاكها بأبخس الأسعار، تلك الثروات التي ردّها سالم للدولة بسعر السوق الآن ضمن المبلغ المدفوع مقابل التصالح.
وكذلك لم تحتسب عمليات التهرّب الضريبي التي مارسها محترفو الفساد، ولو تم حسابها ضمن ممارسات النهب، لأدركنا ضخامة مؤشرات الفساد المالي الذي مارستها الطغم المالية، على مستويات عدة. وهنا، يتكشف لنا أن فساد من يرتبطون بأجهزة الدولة يتجاوز، أحياناً، مؤشرات الفساد المالي الذي يمكن احتسابه، أو مؤشرات الفساد الكمي المتعلقة بالعقارات والأراضي، إلى أشكال أخرى من النهب، لا تتم الإشارة إليها.
بمبدأ التصالح الذي يهدر قيمة العقاب والمحاسبة، حاولت السلطات المتتالية هزيمة الثورة، وإسقاط أحد مطالبها، وهو وقف الفساد وحساب الفاسدين، وتطهير الدولة منهم، وهو الهدف الذي يصطدم مع بنية النظام.
تستند سلسلة المصالحات، بجانب البناء التشريعي، إلى المكون السياسي والاجتماعي للسلطة التي تحرص على الحفاظ على تحالفها مع مجموعات المصالح. ومن هنا، تتجلى علاقة النهب بالاستبداد، فلا وجود لنظامٍ مستبدٍ بلا فاسدين، ولا بيئة تسهل الفساد والاستغلال والنهب، من دون نظم ديكتاتورية. الفساد والاستبداد مترابطان، والتداخل ما بينهما يشبه البناء الذي لا يشتد إلا بأركانه، ولعل ذلك يفسر ميل المجلس العسكري في أثناء الفترة الانتقالية إلى التصالح، الشعار الذي تبنته الحكومات المتتالية، تحت نغمة حل أزمة الموازنة العامة للدولة، على الرغم من ضعف متحصلات المصالحات، فباستثناء صفقة حسين سالم، لم تتجاوز عوائد التصالح، حسب الأرقام الرسمية، 301.9 مليون جنيه مصري، وستنظر لجنة الكسب غير المشروع في 11 طلباً بالتصالح كلها من رموز نظام مبارك، ربما لا تتجاوز حصيلة التصالح، مجمعة المبلغ المحصل من سالم، وهو للمفارقة المبلغ نفسه الذي يتحصل عليه بعض رجال الأعمال في أحد بنود دعمهم المسمى دعم المصدّرين.
وتحمل صفقة سالم عدة رسائل من النظام المصري، فهي إشارة إلى عودة أمثاله بقوة إلى لعب دور اقتصادي، يتوازى معه انخراطهم لمساندة النظام والدفاع عنه بكل السبل، وقد تكرّرت رسائل النظام إلى هؤلاء، في أكثر من مناسبة، منها افتتاح المؤتمر الاقتصادي الذي رعاه رجال أعمال مبارك، وكذلك في احتفالية افتتاح تفريعة قناة السويس. ويحمل الاتفاق أيضاً صورةً للنظام السياسي الذي يدير التفاوض مع رجال مبارك في الخفاء والعلن، لدمجهم في السوق، عبر دفع عربون محبة، عمليات المصالحة أيضاً تحمل رسائل الطمأنينة لرجال الأعمال الذين تصوّر بعضهم أن مصالحهم متناقضة مع مصالح النظام.
ويمكن القول إن مجمل ما يتم من مصالحات ليس منزوع السياق عن السياسات الاقتصادية العنيفة التي تطبق اليوم، تلك السياسات التي تعتمد التقشف والديون، لتفقر المصريين. للأسف، يضيف النظام، كل يوم، أداة أو إجراءً جديداً يحول الدولة من أداة لإدارة شؤون الوطن إلى دولةٍ تدير سياساتٍ تؤدي إلى النهب وتراكم الثروات لدى قله مستحوذة على السلطة والثروة، وتفقر ملايين المصريين، وتخضع الوطن وثرواته لتحكّم القوى الاقتصادية الخارجية.
بموجب الاتفاق، سيُرفع التحفظ على ممتلكات سالم وعائلته في مصر والخارج، وسترسل الحكومة المصرية خطاباتٍ للسلطات الإسبانية، تفيد بانقضاء الدعاوى القضائية. وبهذا، سيتمكن سالم من التصرف في ممتلكاته، ولعل ذلك هو السبب الرئيسي لدفع "المعلوم" على عكس ما روجته أجهزة إعلام السلطة، أن سالم تصالح لرغبته في العودة إلى مصر.
جاءت الصفقة، كما قال سالم، من دون ضغوط، وعنوانها التنازل وليس المحاسبة. أما ما قدمه سالم نظير التصالح، نجد أغلبه عقاراتٍ وأراضي استولى عليها من الدولة. شيد سالم امبرطوريته المالية بدعم أجهزة الدولة، بل إنه أعلن، من قبل، إن أغلب أنشطته كانت بمعرفة أجهزتها وتوجيهها، ولعل ذلك يدفعنا إلى الأسئلة: ماذا كانت تنتظر تلك الأجهزة من مشروعات سالم، وما مدى المكاسب التي تقاضاها المسؤولون من تلك المشروعات ثلاثين عاماً مضت؟ ولماذا تتصالح السلطة مع هؤلاء الآن؟ وهل هي مصالحات في إطار تسوية قانونية، أم إنها تتجاوز اتفاقية صلح بشأن قضايا فساد، إلى اتفاقية دفاع وتضامن مشترك بين مكونات النظام، تجعله أكثر قوةً في مواجهة التحديات مستقبلاً؟
شهدت الصفقة شكلاً من خداع الرأي العام، سواء فيما يخص حجم ثروة حسين سالم أو طريقة استرداد بعض ما نهبه. وكشفت نهاية عملية التفاوض تراجع متحصلاتها عمّا سبق الإعلان عنه منذ عامين، حين رحب محامي سالم بالتصالح مع الدولة في مقابل 22 ملياراً، وقيل حينها إن هذا المبلغ يمثل 57% من أملاك سالم وأسرته في مصر، ونصف أملاكهم في الخارج.
وحسب مفاوضاتٍ غير معلنة، كشفها وزير العدل السابق، أحمد الزند، فإن عبد الفتاح السيسي طلب مقابل التصالح 10 مليارات جنيه، الأمر الذي يوضح كيف يتم التعامل مع ملف التصالح، وكيف تمنح البراءة وتسقط الدعاوى القضائية، وكيف تسير أمور النظام بتفاوض يحكمه فرد.
وفيما يتعلق بثروات سالم، وإنه دفع 75% من ثروته، فذلك أقل مما كشفت عنه سجلات القضايا المدان فيها سالم، حيث تتضمن قضايا غسيل الأموال وصفقات تصدير الغاز لإسرائيل مبالغ ضخمة.
وبعيداً عن الأرقام والثروات التي تم رصدها في قضايا الفساد المدان فيها سالم، فإن هناك
وكذلك لم تحتسب عمليات التهرّب الضريبي التي مارسها محترفو الفساد، ولو تم حسابها ضمن ممارسات النهب، لأدركنا ضخامة مؤشرات الفساد المالي الذي مارستها الطغم المالية، على مستويات عدة. وهنا، يتكشف لنا أن فساد من يرتبطون بأجهزة الدولة يتجاوز، أحياناً، مؤشرات الفساد المالي الذي يمكن احتسابه، أو مؤشرات الفساد الكمي المتعلقة بالعقارات والأراضي، إلى أشكال أخرى من النهب، لا تتم الإشارة إليها.
بمبدأ التصالح الذي يهدر قيمة العقاب والمحاسبة، حاولت السلطات المتتالية هزيمة الثورة، وإسقاط أحد مطالبها، وهو وقف الفساد وحساب الفاسدين، وتطهير الدولة منهم، وهو الهدف الذي يصطدم مع بنية النظام.
تستند سلسلة المصالحات، بجانب البناء التشريعي، إلى المكون السياسي والاجتماعي للسلطة التي تحرص على الحفاظ على تحالفها مع مجموعات المصالح. ومن هنا، تتجلى علاقة النهب بالاستبداد، فلا وجود لنظامٍ مستبدٍ بلا فاسدين، ولا بيئة تسهل الفساد والاستغلال والنهب، من دون نظم ديكتاتورية. الفساد والاستبداد مترابطان، والتداخل ما بينهما يشبه البناء الذي لا يشتد إلا بأركانه، ولعل ذلك يفسر ميل المجلس العسكري في أثناء الفترة الانتقالية إلى التصالح، الشعار الذي تبنته الحكومات المتتالية، تحت نغمة حل أزمة الموازنة العامة للدولة، على الرغم من ضعف متحصلات المصالحات، فباستثناء صفقة حسين سالم، لم تتجاوز عوائد التصالح، حسب الأرقام الرسمية، 301.9 مليون جنيه مصري، وستنظر لجنة الكسب غير المشروع في 11 طلباً بالتصالح كلها من رموز نظام مبارك، ربما لا تتجاوز حصيلة التصالح، مجمعة المبلغ المحصل من سالم، وهو للمفارقة المبلغ نفسه الذي يتحصل عليه بعض رجال الأعمال في أحد بنود دعمهم المسمى دعم المصدّرين.
وتحمل صفقة سالم عدة رسائل من النظام المصري، فهي إشارة إلى عودة أمثاله بقوة إلى لعب دور اقتصادي، يتوازى معه انخراطهم لمساندة النظام والدفاع عنه بكل السبل، وقد تكرّرت رسائل النظام إلى هؤلاء، في أكثر من مناسبة، منها افتتاح المؤتمر الاقتصادي الذي رعاه رجال أعمال مبارك، وكذلك في احتفالية افتتاح تفريعة قناة السويس. ويحمل الاتفاق أيضاً صورةً للنظام السياسي الذي يدير التفاوض مع رجال مبارك في الخفاء والعلن، لدمجهم في السوق، عبر دفع عربون محبة، عمليات المصالحة أيضاً تحمل رسائل الطمأنينة لرجال الأعمال الذين تصوّر بعضهم أن مصالحهم متناقضة مع مصالح النظام.
ويمكن القول إن مجمل ما يتم من مصالحات ليس منزوع السياق عن السياسات الاقتصادية العنيفة التي تطبق اليوم، تلك السياسات التي تعتمد التقشف والديون، لتفقر المصريين. للأسف، يضيف النظام، كل يوم، أداة أو إجراءً جديداً يحول الدولة من أداة لإدارة شؤون الوطن إلى دولةٍ تدير سياساتٍ تؤدي إلى النهب وتراكم الثروات لدى قله مستحوذة على السلطة والثروة، وتفقر ملايين المصريين، وتخضع الوطن وثرواته لتحكّم القوى الاقتصادية الخارجية.