رفع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الصوت عالياً في وجه الدولة اللبنانيّة خلال تشييع الأسير المحرر سمير القنطار في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مطالباً إياها بحماية رجال الأعمال والمستثمرين اللبنانيين، وذلك في إطار ردّه على القانون الأميركي الذي يفرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع حزب الله. توجه نصرالله للمسؤولين اللبنانيين في كلمته بالقول "تحمّلوا مسؤولية النّاس؛ مواطنون لبنانيون وتجار لبنانيون وشركات تجارية لبنانية، فليكن هناك قليل من السيادة، وقليل من الرجال". وأضاف: "في هذا المجال لا يطلب أحد منكم أن تفتحوا حرباً مع أميركا، ولا تعلنوا الحرب على أميركا، مطلوب منكم فقط أن تكونوا رجالاً إذا جاؤوا واتهموا أحداً".
اقرأ أيضاً: "سبيكتروم للاتصالات" أولى ضحايا العقوبات الأميركية على "حزب الله"
كلام نصر الله يُشير بوضوح إلى أن الرجل يخشى تأثير هذه العقوبات على رجال الأعمال المحلقين حول الحزب، والذين يستفيد منهم ويُقدّمون له في المقابل خدمات عدّة، من شراء المعدات المدنية التي تدخل في سياق الصناعات العسكرية، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
ورغم أن نصر الله أكّد في كلمته على أن لا حسابات مصرفيّة للحزب في المصارف اللبنانيّة، وهو أمر يؤكّده رئيس جمعية المصارف اللبنانيّة، جوزف طربيه، فإن هناك إدراكاً عند الكثير من العاملين في المصارف اللبنانيّة، أن حزب الله، مثل أية منظمة ملاحقة دولياً، وبغضّ النظر عن السبب (من المقاومة الفلسطينية إلى المافيا الإيطالية أو مافيا المخدرات) لا يملك حسابات باسم الحزب أو الأمين العام أو المسؤولين فيه، بل تُدار هذه الحسابات والأموال، باسم رجال أعمال أو أشخاص غير معروفين.
وهذا ما قد يُفسّر تركيز نصر الله على موضوع رجال الأعمال في كلمته، إذ أشار بوضوح إلى أنّ "هناك تجاراً لبنانيين وشركات لبنانية ومستثمرين لبنانيين في لبنان وخارجه، الآن يستطيع الأميركي (استهدافهم) بحسب ما يشاء، خصوصاً إذا أراد أن يستهدف بيئة معينة أو خطاً سياسياً معيناً أو تياراً سياسياً معيناً. هو يرسل أسماء وفي لبنان يتخذون إجراءات. بعض المصارف تتخذ إجراءات، ولا يستطيع رئيس المصرف أن ينام الليل. هذا ليس مقبولاً في لبنان. هؤلاء مواطنون لبنانيون يجب أن يحظوا بحماية دولتهم". وسبق لنصر الله أن قال كلاماً يكاد يكون مطابقاً في ما يخصّ العقوبات الأميركية في خطاب سابق له في يوليو/تموز الماضي.
يُقسّم أحد المصرفيين القرار الأميركي إلى شقيّن: واحد مباشر وآخر غير مباشر. ويعتقد أن الأثر على الحزب في الشق المباشر يكاد يكون معدوماً، لكن الأثر الأبرز سيكون في الشق الثاني، خصوصاً أن جمعيّة المصارف، تُصرّ على تأكيد الالتزام بهذا القرار، وهو ما سيُكرر تأكيده وفد الجمعيّة الذي بدأ زيارة إلى الولايات المتحدة حيث يُفترض أن يلتقي في نيويورك مع مسؤولين في بنك الاحتياطي الفدرالي، ومن ثم ينتقل إلى واشنطن حيث يعقد اجتماعات عمل مع مسؤولي البيت الابيض ووزارة الخزانة الاميركية ووزارة الخارجية المعنيّين بالشأن المصرفي والمالي، بالإضافة إلى أعضاء بارزين من لجنتي الخدمات المالية والمصارف في الكونغرس الأميركي، بحسب ما أعلنت جمعية المصارف. وأضاف بيان الجمعيّة أن الوفد سيحمل معه مجموعة "القوانين المالية الأربعة الهامة التي أقرّها المجلس النيابي اللبناني والتي جاءت لتعكس التزام الدولة اللبنانية، إضافة إلى المصارف، بقواعد العمل وبالمعايير المصرفية والمالية العالمية المرعية الإجراء وبخاصةً الأميركية منها، كون معظم عمليات القطاع المصرفي اللبناني مع الخارج وتمويل تجارة لبنان الخارجية وتحويلات اللبنانيّين تتمّ بالدولار الأميركي وعبر حسابات المراسلة مع المصارف في نيويورك".
في هذا السياق، يُشدّد وزير الاقتصاد اللبناني، آلان حكيم، وهو من خلفيّة مصرفية، في حديث مع "العربي الجديد"، على أنّ ثمة التزاماً لدى النظام المصرفي اللبناني بالتعاون مع النظام الأمني الدولي، والالتزام بمكافحة تبييض الأموال والإرهاب، كما أن النظام المصرفي يحترم جميع القوانين واللوائح الاسميّة الدولية.
ويؤكّد حكيم أن أثر القرار الأميركي على القطاع المصرفي، يكاد يكون غير موجود. برأيه، فإن الكونغرس الأميركي على علم بأهمية القطاع المالي والمصرفي بالنسبة للاقتصاد اللبناني وحريص على عدم ضرب القطاع، نظراً لعلاقته القوية بالاقتصاد اللبناني.
ويُشدّد حكيم على ضرورة التقسيم بين الدولة اللبنانيّة والقطاع المصرفي، فالقطاع "على علاقة عضوية بالنظام الأمني الدولي، خصوصاً الأميركي، لأنه مجبر على ذلك بسبب القوانين والأنظمة، ولأن الاقتصاد اللبناني يعتمد على الدولار الأميركي". وفي هذا الإطار، يُشير الوزير إلى أن جمعية المصارف تعمل بشكلٍ دائم على تمتين العلاقة، عبر زيارات دورية وعلاقات شخصيّة، وتكليف مكتب محاماة، من أجل حماية القطاع المصرفي. ويرى أن لبنان برهن جديته وإصراره على التقيد بالقوانين الدوليّة، وهو أمر يحرص عليه مصرف لبنان وجمعية المصارف. ويُمكن اعتبار أن استقالة قاسم حجيج من رئاسة بنك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MEAB)، بعد أيام من فرض عقوبات أميركيّة، جاءت بسبب اتهامه بأنه يدعم حزب الله، وأنه ساعد عناصر تابعة لحزب الله في فتح حسابات مصرفية لها في لبنان.
وبحسب مصادر مصرفيّة لـ"العربي الجديد"، فإن مصرف لبنان هو من ضغط باتجاه هذا الأمر، مضيفة أن حجيج باع كامل حصته ولم يعد له أية علاقة بالمصرف، الذي يؤكّد المسؤولون فيه التزامهم بالإجراءات الدوليّة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل المنظمات الإرهابية.
ومن الإجراءات التي يلتزم بها القطاع المصرفي اللبناني مع القطاع الأمني الدولي، هو إلزام الزبائن بالتصريح عن مصدر الأموال النقدية، وتداول المعلومات الضريبيّة وتوسيع الصلاحيات على صعيد تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب.
ويُشير حكيم إلى أن آلية مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال ترتكز على ثلاث نقاط: مصدر الأموال، جهة الاستعمال وقيمة المبلغ.
وفي ما يخصّ الدولة اللبنانيّة، يؤكد الوزير اللبناني حكيم على أن هناك سيادة واستقلاليّة للدولة اللبنانيّة، وهناك آليات لمحاسبة وملاحقة وإنزال العقوبات بالنواب والوزراء، وبالتالي "لا يحق لأي مصرف لبناني أن يرفض فتح أي حساب لنائب أو وزير"، وذلك في إشارة إلى ما تم تداوله عن رفض بعض البنوك فتح حسابات لنواب حزب الله أو إغلاق هذه الحسابات. ويُشير إلى أنه بالنسبة لآلية مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، فإن مصدر رواتب النواب والوزراء معروف، وهو الدولة اللبنانية، وقيمة المبلغ معلومة، ووجهة الاستعمال هي الاستهلاك الشخصي، إلا إذا ما ذُكر أحد النواب أو الوزراء في اللوائح الاسميّة، وهو أمر يستبعده حكيم، إذ يرى أن هناك ميلاً دوليّاً للتمييز بين الجناح العسكري والسياسي لحزب الله. وأكّد رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم أن ما أثير حول إقفال حسابات أحد نواب حزب الله في أحد المصارف لا يتجاوز كونه إجراء خاص بهذا المصرف، وليس معمماً على جميع المصارف.
واستطراداً، يُمكن في هذا الإطار فهم إصدار حزب الله للبيان حول حصار التجويع في مضايا، باسم الإعلام الحربي وليس العلاقات الإعلامية، لعدم ربط العلاقات الإعلاميّة، بما تُمثّله كإطار ناطق باسم "الجناح السياسي"، في أعمال حزب الله العسكرية في سورية.
وفي ما يخص الأثر غير المباشر، فإن مصادر مصرفيّة تؤكّد لـ"العربي الجديد" أنه سيكون كبيراً على المدى المتوسط. وتقول هذه المصادر إن من هذه الآثار ما سيكون مترتباً على المؤسسات التابعة لحزب الله التي ستكون ممنوعة من أن تمتلك حسابات مصرفيّة، كقناة المنار التلفزيونية مثلاً، "وبالتالي فإنها غير قادرة على توطين رواتب موظفيها، الذين لن يكونوا قادرين على فتح حسابات بسبب عدم قدرتهم على تبرير مصدر الأموال، بما أن المنار ستخضع للعقوبات". وهنا، تُشير هذه المصادر إلى أن هذا الإجراء سيحرم الموظفين من القدرة على الحصول على قروض إسكان أو قروض شخصيّة واستهلاكية.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذه العقوبات ستُضيّق الخناق على رجال الأعمال المقربين من الحزب، مما سيؤدي إلى تفكّك هؤلاء عن الحزب. وتُورد المصادر عمليّة محاربة المافيا كنموذج، فعند اشتداد الخناق عليها، يسعى بعض أعضائها والمتعاملين معها إلى "تنظيف" كمية من الأموال والأعمال، وعندما ينجحون في ذلك يبتعدون عن المافيا تماماً.
وتقول المصادر إن هذه الإجراءات لا تُطبق على المصارف اللبنانيّة فقط، بل على المصارف في جميع الدول، "وهذا ما سيجعل رجال الأعمال المقربين من الحزب أو الآتين من الشرق الأوسط، عرضة لعمليّة تدقيق كبيرة في حساباتهم في أي بلدٍ كانت، وهو ما سيجعل هؤلاء يعملون على إبعاد الشبهات عن أنفسهم بأكبر قدرٍ ممكن".
وبرأي هذه المصادر، فإن هذه الإجراءات قد لا تؤدي إلى ضرب العمليات المالية، التي يستفيد منها حزب الله بالكامل، لكنها ستؤدي إلى تعقيد هذه العمليات ورفع كلفتها المالية.
اقرأ أيضاً: هؤلاء مسؤولو حزب الله الذين طاولتهم العقوبات السعودية