جاءت الاعتداءات الإرهابية الأخيرة في باريس، والمعالجة الأمنية الصارمة من طرف الحكومية الاشتراكية، التي حظيت بدعم شعبي كبير، لتجعل من الانتخابات الإقليمية التي تشهدها فرنسا يومي 6 و13 ديسمبر/كانون الأول، مرآة للتغيرات التي تعرفها فرنسا بعد الهجمات الإرهابية.
وإذا كانت شعبية كل من الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ورئيس وزرائه، مانويل فالس، قد تحسنت بعد طول جمود، فإن المعالجة الأمنية للحكومة التي حلت محل كل المقاربات الأخرى منحت انتعاشة كثيرة لأفكار الجبهة الوطنية، بعد فترة من الجمود بسبب المواجهات العنيفة بين رئيسة الحزب مارين لوبين، ووالدها ومؤسس الحزب التاريخي جان ماري لوبين.
واستطاعت الابنة، وبعد مجهود "تجميلي" طويل في منح حزبها نوعا من التقبّل، لدرجة أن كثيرا من وسائل الإعلام أصبحت تبذل كثيرا من المساعي لاستضافتها، باعتبارها شخصية سياسية كغيرها.
وبينما يعاني اليسار، الذي يدخل الدور الأول من هذه الانتخابات مشتتا، وهو يرى نفسه شبه غائب في معركة انتخابية ستجري بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف، لا يتوقف زعماء "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، من بينهم، ماريون ماريشال لوبين، الشابة الصاعدة وحفيدة جان مارين لوبين، عن صبّ الكراهية على مسلمي فرنسا "وهو ما يتناقض مع دستورنا ومع إعلان الحقوق لسنة 1789"، كما قال جاك لانغ، رئيس معهد العالم العربي في باريس، في تعليقه على تصريحات هذه السياسية المرشحة لمستقبل سياسي واعد.
واعتبر جاك لانغ أن "إعلان ماريون ماريشال لوبين الحرب ضد المسلمين باسم فرنسا مسيحية، هو شتيمة للأمّة الفرنسية التي بُنيَت واغتنت، جيلا بعد آخر، بروافد ديانات متعددة وأيضا بفلسفة مواطنين بدون اعتقاد". وختم بيانه بالقول "إن مسلمي فرنسا مواطنون ومُواطَنَتهم معتَرفٌ بها بشكل كامل. لقد قدموا لفرنسا موهبتهم وعملهم وأحيانا حياتَهُم. لتتوقف الإسلاموفوبيا".
ولكن في هذا الخضم المتدافع، الذي يتعرض فيه مسلمو فرنسا لكثير من المِحَن، بعد اعتداءات إرهابية نفذها أفراد منحدرون منهم، والذين لا يزالون يجدون أنفسهم منهمكين في كل مناسبة وغير مناسبة لإظهار تنديدهم وإدانتهم لما جرى، وإبراز تعلقهم بالجمهورية والديمقراطية والعلمانية، تواصل استطلاعات الرأي إظهار الشعبية المتزايدة لحزب الجبهة الوطنية، الذي استثمر، بنجاح كبير، مظاهر الخوف والقلق في فرنسا بعد الاعتداءات الأخيرة. وفي آخر استطلاع للرأي (ما بين 1 و3 ديسمبر/كانون الأول) اعترف 46 في المائة من الفرنسيين أن فوز حزب الجبهة الوطنية بإقليم أو إقليمين في فرنسا ليس بالأمر الخطير.