حزب "الأمة" السوداني... مناورة جديدة على حساب الحراك الشعبي

29 مايو 2019
للحزب قاعدة شعبية كبيرة (إبراهيم حميد/الأناضول)
+ الخط -
أصيب أنصار المعارضة السودانية، بحالة من القلق على وحدتها في الأيام الأخيرة، بعد صدور بيان من حزب "الأمة" القومي الأحد الماضي، اعترض فيه على قرار قوى "إعلان الحرية والتغيير"، تنفيذ إضراب عن العمل أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء للضغط على المجلس العسكري لإجباره على تسليم السلطة لحكومة مدنية، وسط مخاوف من تكرار تجربتين سابقتين تخلى فيهما "الأمة" عن المعارضة وانضم للسلطة.

ويُعدّ حزب "الأمة" واحداً من كتلة أحزاب "نداء السودان"، المكوّن الرئيس لـ"تحالف الحرية والتغيير"، الذي قاد منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، حراكاً ثورياً تمكّن من الإطاحة بنظام عمر البشير في 11 إبريل/نيسان الماضي. وبعد يومين فقط من تلك الإطاحة، دخلت "قوى الحرية والتغيير" في مفاوضات مع المجلس العسكري حول ترتيبات الفترة الانتقالية أحرزت تقدّماً كبيراً، لكنها توقفت عند عقبة تشكيل مجلس للسيادة.

دائرة الخلافات ظلت تتسع بين حزب "الأمة" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، ومكوّنات أخرى من تحالف المعارضة مثل "تجمّع المهنيين" والحزب "الشيوعي". وبدأت أولاً بمطالبة "الأمة" بهيكلة "قوى الحرية والتغيير"، بما يسمح بوجود هيئة قيادية تشرف على العمل السياسي، خصوصاً ما يلي المفاوضات مع المجلس العسكري.
كما تحفّظ حزب "الأمة" في وقت سابق، على قرار أصدرته "قوى الحرية والتغيير" بتعليق التفاوض مع المجلس العسكري، بحجة تعنّته في تقديم تنازلات في ما يتعلق بتسليم السلطة لحكومة مدنية، إذ رأى الحزب، الذي يُعتبر واحداً من أقدم وأعرق الأحزاب السودانية، أن المجلس العسكري شريك رئيس في عملية التغيير التي حدثت في البلاد، وبالتالي لا ينبغي التصعيد معه، في وقتٍ بدأ الحديث عن مفاوضات تجري تحت الطاولة بين المجلس العسكري والحزب، وهي أحاديث نفاها "الأمة" أكثر من مرة.

وبعدما عاد المجلس العسكري و"الحرية والتغيير" لطاولة التفاوض الأسبوع ما قبل الماضي، تمكّنا من إحراز تقدّم كبير في المفاوضات، حول أجهزة الحكم المتمثلة في مجلس السيادة ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي، وكذلك مهامها وصلاحياتها، كما اتفقا على منح "الحرية والتغيير" سلطة تشكيل مجلس الوزراء كاملاً، على أن تحصل على نسبة 67 في المائة من مقاعد البرلمان الانتقالي. غير أن الطرفين وصلا إلى طريق مسدود بشأن نسبة تمثيل العسكريين والمدنيين في مجلس السيادة المقترح، وتمترسا في نقطة خلاف ثانية حول رئاسة المجلس نفسه، إذ طالب كل طرف بالأكثرية داخل المجلس، فضلاً عن الحصول على منصب الرئيس. وفقاً لذلك، قررت "قوى الحرية والتغيير" مواصلة التصعيد ضد المجلس من خلال روزنامة أسبوعية أصدرتها نهاية الأسبوع الماضي، شملت تسيير المواكب الاحتجاجية والمواصلة في الاعتصام في محيط قيادة الجيش السوداني في الخرطوم، وفي الولايات، مع تنفيذ إضراب عن العمل بدأ أمس ويستمر اليوم الأربعاء.

لكن حزب "الأمة"، وفي بيان رسمي أصدره يوم الأحد الماضي، أعلن رفضه لفكرة الإضراب، واحتج على عدم إشراكه في القرار حول هذه الفكرة، مع التأكيد أن مثل تلك القرارات يجب ألا تتخذ إلا بواسطة هيئة قيادية يتم الاتفاق عليها بين كتل "تحالف الحرية والتغيير".


في المقابل، فسر الحزب "الشيوعي"، مواقف "الأمة" الأخيرة بأنها تأتي في سياق مخطط للمجلس العسكري مدعوم بمخطط القوى الإقليمية التي تسيّره وبالتنسيق مع قوى الثورة المضادة في الداخل، والرامية بحسب "الشيوعي"، إلى "استمرار النظام البائد المستبد بكل سياساته الخرقاء والمدمرة والتي ستقود لتفكيك البلاد بدلاً من تفكيك نظام الحزب الواحد لصالح دولة الوطن الذي يسع الجميع". وأضاف أنه "تنفيذاً لذلك المخطط، أصدر حزب الأمة القومي بيانه الذي اعترض فيه على إعلان الإضراب السياسي من قوى إعلان الحرية والتغيير"، مؤكداً "مشاركة مندوبين من حزب الأمة القومي في الاجتماع الذي اتُخذ فيه القرار".
وأكد "الشيوعي" أن غالبية السودانيين مع الثورة وتحقيق أهدافها وشعاراتها التي تنادي بدولة مدنية ديمقراطية، من أجل الحفاظ على السودان الوطن الواحد واستدامة الديمقراطية وتوطيد السلم وتنمية متوازنة وراسخة، مقابل أقلية من الثورة المضادة المرتبطة بمصالح طبقية من بقايا النظام البائد وحلفائه من الموالين له والذين شاركوه كل جرائمه ضد الوطن والشعب.

الحديث عن أن موقف "الأمة" جاء في سياق ارتباطات خارجية، ليس جديداً، وجاء في سياق اتهامات أخرى وشكوك ارتبطت بزيارة قامت بها بعد أيام من نجاح الثورة، نائبة رئيس الحزب مريم الصادق المهدي، إلى الإمارات، حيث التقت مسؤولين هناك قيل إنهم يشرفون على ترتيب المشهد في السودان لصالح أجندات المحور السعودي الإماراتي المصري. لكن المهدي قالت في بيان رسمي إن الزيارة كانت فقط بغرض شكر أبوظبي على استضافة والدها، رئيس الحزب الصادق المهدي، بعد منعه من دخول مصر العام الماضي.

لم يصمت "الأمة" بعد بيان "الشيوعي" والحملة ضده في وسائل التواصل الاجتماعي، وردّ ناشطون في الحزب على الحملة بكتابات صبوا فيها غضبهم على "الشيوعي" وعلى محاولات إقصاء "الأمة" من اتخاذ القرارات المفصلية داخل "الحرية والتغيير"، وفق قولهم. ووزع عباس الفكي، أحد الناشطين في "الأمة"، مقالاً استنكر فيه "لغة الشتم والتخوين" من "الشيوعي" والقول بعدم أحقية "الأمة" في إعلان موقف يعارض تقديراته.
وأشار الفكي إلى وجود اتفاق ملزم لكل مكوّنات "قوى الحرية والتغيير" بالتصعيد المتدرج إذا رفض المجلس العسكري خطط تلك القوى ورؤاها للحكومة المدنية، وأن كل شيء خاضع للتفاوض وليس الإملاء، مشدداً على الاتفاق على اختيار جسم قيادي يقود المرحلة المقبلة التي تتطلب التزاماً أكبر من كل المكوّنات. وأوضح الفكي أن الإضراب الذي أعلنته مجموعة من "قوى الحرية والتغيير"، "إذا ما نجح ربما أكسبها موقفاً، ولكن حتماً سيكون لهذا النجاح توابع قد تعصف بكل ما تحقق"، معتبراً أن الشراكة الحقيقية مع المجلس العسكري هي التي قادت الطرفين إلى قاعات التفاوض.

وتعليقاً على ذلك، رأى المحلل السياسي، الصادق إسماعيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حزب "الأمة" يدرك أن هدف الإضراب هو العودة للتفاوض وليس إسقاط المجلس العسكري، ولذلك استبق الجميع ورفض الإضراب "والذي وفق حسابات حزب الأمة لن يغيّر في الأوضاع شيئاً، خصوصاً أنه سيتم رفعه بعد يومين ولن يكون إضراباً مفتوحاً". وأوضح إسماعيل أن حزب "الأمة" عينه على الانتخابات، خصوصاً أن فرصه فيها أكبر، وهو يستعد مع "الحركة الشعبية" فصيل مالك عقار وياسر عرمان، لتمرير اتفاقات سلام مع الحركات المسلحة كجزء من التسوية السياسية عبر المحور السعودي الإماراتي المصري، ما يعزز موقف الحزب في الانتخابات المقبلة.

ويعيد السجال بين "الأمة" وبقية مكوّنات "الحرية والتغيير"، إلى الأذهان حالة انقسام تاريخية قادها الحزب داخل تحالفات معارضة سابقة، ففي عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، شكّلت الأحزاب السودانية تحالفاً باسم "الجبهة الوطنية"، قادت عبره عملاً سياسياً وعسكرياً لإسقاط نظام نميري في الفترة من 1969 إلى 1985، لكن "الأمة" ترك عام 1977 "الجبهة الوطنية" ودخل في مصالحة مع النميري، فشلت في الوصول إلى نهايتها، وعاد الحزب مجدداً إلى صفوف المعارضة، لكن بعيداً عن الجبهة.

وتكرر الأمر نفسه بعد سيطرة الجبهة الإسلامية القومية على السلطة عبر انقلاب عسكري قاده عمر البشير، فلجأت الأحزاب السياسية إلى تشكيل تحالف باسم "التجمّع الوطني الديمقراطي" في العام 1989 لإسقاط النظام الذي أطاح بحكومة الصادق المهدي المنتخبة (1986-1989). إلا أن المهدي نفسه عاد للعمل من داخل البلاد بعد اتفاق ليترك التجمّع إثر توقيعه في جيبوتي على اتفاق مع البشير تحت رعاية الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي، ولكن لم تُكتَب للاتفاق بعد ذلك الاستمرارية.

ويخشى مراقبون من تكرار التجربة للمرة الثالثة بانشقاق "الأمة" عن أحدث التحالفات السياسية في البلاد، وهو احتمال حاول القيادي في "تحالف الحرية والتغيير" خالد عمر يوسف استبعاده في حديث صحافي أخيراً، أكد خلاله أن قوى الثورة المضادة تحاول دائماً وأبداً إفشال وحدة "قوى الحرية والتغيير" وإبعاد "الأمة"، متعهداً بأن ذلك لن يحدث مطلقاً. واعتبر أن الخلافات والتباين في وجهات النظر حول موضوع الإضراب أو أي موضوع آخر، أمر طبيعي. الأمر نفسه أكده عضو المكتب السياسي لحزب "الأمة" صديق المهدي، الذي أعلن تمسك حزبه بتحالفه مع "قوى الحرية والتغيير" وبمطالبها، مشدداً على أن التحالف سيخرج بعد تلك التباينات أكثر قوة.

أما الناشط السياسي والكاتب محمد علي خوجلي، فرأى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن مآلات "تحالف الحرية والتغيير" مفتوحة على كل الاحتمالات، في ظل وجود أخطاء في نهج التفاوض وغياب قيادة جماعية لإدارة الحراك الثوري، وتدخّل جهات أجنبية بصورة واضحة في تحريك أوراق اللعبة السياسية في البلاد.

المساهمون