حريتهم حريتنا!

01 فبراير 2015
مسيرة تضامنية مع فلسطين في الدنمارك(Getty)
+ الخط -
خلال الأسابيع الماضية، بعد هجوم باريس وما تلا ذلك من أحداث وحملات أمنية ودعائية كبيرة، بدا مشهد الجاليات العربية والمسلمة في القارة الأوروبية، صعبا إلى درجة أن مراقبين حاولوا تشبيهه بوضع العرب والمسلمين في أميركا بعد 11 سبتمبر.
لاختلاف الظروف الأوروبية، من حيث التعددية الحزبية وصعود حكومات يمينية، بدا الوضع أكثر تعقيدا مما كان عليه أميركيا. كنا بصدد هيستيريا جماعية، انفجرت دفعة واحدة، فاختلط فيها اليمين بيسار الوسط تحت شعار "حماية حرية التعبير".
ذلك المشهد الباريسي، الذي تدافع فيه حكام وقامعون مع من يسمون أنفسهم "حماة الحريات والديمقراطية"، وبالتزامن مع حمأة تحويل المسلمين في دول الاتحاد إلى مشبوهين بالجملة ومذنبين إلى أن يثبت العكس، لم تخفف منها تصريحات هنا وهناك ولا تكريم ذلك المسلم الذي ساعد في إنقاذ أرواح فرنسية.
لا يحتاج المرء إلى تكبد عناء البحث عن المخارج في ظل اشتباك وتداخل الواقع بالأساطير والخرافات. النظرة المتفحصة لمفهوم المواطنة، التي تحت سقفها يمكن أن تكون الجاليات العربية والمسلمة وازنة.
في الديمقراطيات الغربية يمكن لبضعة أصوات أن تحسم انتخابات عامة ومحلية. وليس لأن فلانا من أصل عربي ومسلم يجري استثناؤه/استثناءها من بطاقة انتخابية.
كثيرة هي النقاشات البينية التي دارت، بعد أحداث باريس، حتى في مساجد متهمة بتنمية التطرف والتعصب الدينيين بحثا عن مخرج لمآزق عزلة امتدت لعقود.
وإذا كان من فائدة أمام هذه الهزة العنيفة، فهي كي يدرك البعض أهمية ممارسة مواطنته بذات المستوى الذي يمارسها دافيد اليهودي الفرنسي وبيتر البروتستانتي، لا أحد مطلوب منه أن يعتمر هويته الدينية ليكون صوته حاسما.
قد لا يكون نقاشا جديدا هذا الذي دار منذ أسابيع، هو مستمر منذ سنوات. لكن التحدي هذه المرة أصعب من مواجهته بسيوف خشبية.
من المؤسف أن نعود بالذاكرة إلى استمراء بعضهم للعزلة تحت شعارات لا علاقة لها بواقع الناس وهمومها، فمن يحظر على الشباب المسلمين والعرب أن يكونوا جزءا من العملية الديمقراطية، كحق وواجب، كما تفعل بعض الجماعات التي تقع تحت تسمية "حزب تحرير" و"جماعة تكفير"، إنما تقدم بالضبط المادة الدسمة ليمين متشدد للادعاء بأن "هؤلاء يعيشون بيننا ولكنهم يرفضون أن يكونوا مواطنين".
المواطنة في تلك الدول الغربية ليست جنسية وجواز سفر فحسب. فكم من الدول تسمح للاجئ والمهاجر بأن يكون مواطنا مشاركا في الحياة العامة والانتخابات المحلية والبلدية حتى لو لم يكن يحمل جنسيتها؟
كثيرة هي الحالات، وعلى الأقل لنا في الحالة الاسكندنافية تجربة تقدم أهمية المشاركة مترجمة إلى لغات المهاجرين، بما فيها العربية. والسؤال يبقى: لماذا العزوف عن المشاركة؟
هناك "ناخبو الكنبة" في كل بلد. وهذا أمر طبيعي. لكن أن يجري عاماً إثر عام دفع الأجيال نحو العزلة، بدءا من وصول الشاب والشابة إلى السن القانونية للمشاركة، حينها الصورة على النحو التالي:
يحصل اليمين المتطرف على 6 أو 7 في المائة هنا أو هناك.
ببساطة وبقراءة النسب المئوية لمسلمي هذه الدولة وتلك، يكتفي بعضهم بسياسة الفرجة والقول: أترون؟ إنهم عنصريون.
نعم ينسى بعضهم بأن 80 في المائة من الشعوب التي يعيشون بينها لم تصوت لذلك اليمين، فلماذا تمنح لهم الفرصة بالجلوس والفرجة تحت طائل "تحريم الديمقراطية". بينما متناقضة ذلك التحريم تكشف عنها أسس وجود جاليات بالأصل، فلولا تلك الحريات لما استطاعت جاليات كثيرة الاحتفاظ بموروثها الثقافي واللغوي. هذا أمر لا بد أن نعترف به سواء عارضناه أو اتفقنا معه، كما أن هذا الهامش من الحرية من حقه علينا العناية والعرفان.
المساهمون