حرب إعلامية "هوليوودية" في العراق

27 يونيو 2015
أحد قادة "الحشد الشعبي" خلال مؤتمر صحافي (فرانس برس)
+ الخط -

صعّدت أطراف الصراع في بلاد الرافدين من حربها الإعلامية والنفسية في الآونة الأخيرة، في محاولة لكسب المزيد من الزخم المعنوي لمقاتليها، الذين يتوزعون على مساحة جغرافية اتسعت لتبلغ نحو 200 ألف من أصل 496 ألف كيلومتر مربع من مساحة العراق الإجمالية لتتسع معها رقعة الوجع العراقي المزمن. 

أرقام خيالية للحكومة

وتحرص وزارتا الدفاع والداخلية وحليفتها مليشيات "الحشد الشعبي" على إدراج بيانات يومية صباحية ومسائية، تحمل أسماء وأعداد العشرات من عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذين تقول البيانات إن القوات قتلتهم بواسطة القصف الجوي أو الهجمات اليومية البرية، وهي بيانات وأعداد تفوق 10 أضعاف ما تعلنه قوات التحالف الدولي في العراق، على الرغم من أن طيران الأخير وإمكانياته يفوقان ما لدى الحكومة العراقية أضعافاً كبيرة. لكن في الفترة الأخيرة شككت منظمات محلية ومراقبون عراقيون في الأرقام والبيانات التي توردها الحكومة العراقية، واصفه إياها بغير المنطقية. 

اقرأ أيضاً: تفجيرات في بغداد ومقتل 39 عنصراً من "داعش"

في المقابل، فإن تنظيم "داعش" رفع من عدد بياناته اليومية لتصل إلى ما معدله خمسة بيانات، لكنه لا يزال متأخراً في ذلك عن خصومه، سواء في عدد البيانات أو ما تحويه من لائحة قتلى للخصم. 

ويقول مدير مؤسسة "رصد" للإعلام، سلام عبدالرحمن السبع، إن "الحكومة العراقية والمليشيات قتلت وأصابت 98 ألفا و537 مسلحاً من تنظيم "داعش"، وفقاً لبياناتها اليومية منذ سقوط الموصل في يونيو/حزيران 2014 ولغاية مطلع يونيو الحالي، وهذا ما تم إحصاؤه عبر متابعة بيانات رسمية صدرت عنها، وهو ما يمكن اعتباره رقما فلكيا لا يمكن أن يحدث حتى في أفلام هوليوود".

ويضيف السبع في حديث لـ"العربي الجديد" أن "المؤسسة قامت بجمع البيانات التي أصدرتها كل من وزارة الدفاع ووزارة الداخلية والمكتب العسكري لرئيس الوزراء وقيادة العمليات المشتركة وجهاز الاستخبارات ووزارة الأمن الوطني، ومن ثم مليشيات "الحشد الشعبي" بتشكيلاتها البالغة 43 فصيلاً مسلحاً وقوات "البشمركة"، وبلغ مجموع تلك البيانات ما يزيد عن 49 ألف بيان منذ مطلع هذا العام، فضلاً عن 982 مؤتمرا صحافيا للقادة بقوات الأمن والجيش أو المليشيات. وتبين أن مجموع ما حوته البيانات والمؤتمرات تلك من قتلى وجرحى "داعش" بلغ 98 ألفا و573 عنصراً، من بينهم نحو 13 ألف قيادي ووال وأمير وقائد عسكري وقاض شرعي. كما شملت تلك البيانات والمؤتمرات الصحافية خسائر مادية غير معقولة هي الأخرى، تضمنت تدمير 5 آلاف و432 عربة لـ"داعش"، بينها 2053 دبابة ومدرعة عسكرية من طراز "برامز" و"تي 72" و"همفي" و"همر"، فضلاً عن مئات من معسكرات التدريب ومخازن السلاح ومنصات الصواريخ ومباني الاستراحة التابعة للتنظيم ومحاكمه الشرعية. كما أعلنت عن اعتقال أكثر من 10 آلاف مقاتل منهم، وتفكيك 268 خلية إرهابية تابعة لداعش".

ويضيف السبع أن "هذه الأرقام لو كانت فيها نسبة صحة، ولو 10 في المائة، لوجدنا "داعش" اليوم عبارة عن مجموعات صغيرة متناثرة هنا وهناك، ولكانت الصورة تختلف كثيرا"، مبيناً أن العدد الذي أعلنت عنه الحكومة بمختلف تشكيلاتها القتالية، فضلاً عن المليشيات، يندرج ضمن خانة "الحرب النفسية أو الإعلامية، ومحاولة البقاء ضمن جو الانتصار على طول اليوم، لكنه في الحقيقة خطأ كبير دمر الشعب العراقي ودمر سمعة الحكومة نفسها".

ويؤكد أن "غالبية ضحايا القوات الحكومية والمليشيات أخيراً هم من المدنيين الأبرياء"، لافتاً إلى أن الحكومة تضع شخصيات هزيلة في منصب الناطق الرسمي لوزارات الدفاع والداخلية والاستخبارات والأمن الوطني، لا تفقه شيئا عن الحرب الإعلامية إلا الاسم.

ويمضي قائلاً إنّ "عدد مقاتلي "داعش" في أحسن أحواله لا يتجاوز في العراق 70 ألفا، والحكومة أعلنت أن من قتل منهم قرابة ضعفي عددهم حتى الآن، وهذا في حد ذاته أمر معيب ومخزٍ"، مبيناً أن "استعار حرب الأرقام أو البيانات بشكل هستيري وتصعيدها من قبل الحكومة سيرتد سلباً على البلاد. ولعل تصريحات نائب الرئيس العراقي، إياد علاوي، عن "داعش" في معرض رده عن عملية إرهابية تبناها الشهر الماضي بقوله "داعش لا تكذب" تفسر عدم ثقة  القادة العراقيين أنفسهم في الحكومة، فكيف بالمواطنين؟" على حدّ تعبيره.

اقرأ أيضاً: داعش لا يكذب

حرفية "داعش"

في المقابل، كثف تنظيم "داعش" حضوره الإعلامي أخيراً، وأطلق وكالة أعماق الإخبارية على شبكات التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، وقد نجحت في استقطاب مئات الآلاف من المتابعين عبر سلسلة تقارير مصورة، اكتسبت مصداقية عند متابعيها، خصوصاً أنها حرصت على تثبيت التاريخ والساعة في تفاصيل إعداد التقرير المصور لإثبات صحة الحدث للمتابعين، وفي ذلك لفتة تدل على الاحترافية من قبل التنظيم.

كما كان التنظيم أكثر ذكاء من خصومه عند ذكره عبارة "مقتل وجرح العشرات" في بياناته، متجنباً تحديد رقم معين. لكن المراقب لبيانات التنظيم يلحظ أن العديد من بياناته كانت تهدف إلى بث الرعب وإرباك صفوف الخصم، أكثر من كونها بيانات تشرح خسائره. واللافت أيضاً، أن التنظيم ظل محافظاً على تقليد تنظيم "القاعدة"، بخصوص الاعتراف بعدد قتلاه، مهما كان الرقم أو الشخصيات المقتولة.

ويقول عضو جمعية المحاربين العراقيين القدامى، العميد الركن محمود دحام الكبيسي لـ"العربي الجديد"، إن "الحرب الإعلامية أخذت تشتعل أكثر، والحكومة تفتقر إلى خبراء في هذا المجال، على عكس تنظيم (الدولة الإسلامية)، الذي يمتلك على ما يبدو خبرات كبيرة في هذا الفن من فنون الحرب".

غير أن العضو في التحالف الوطني والقيادي في مليشيا "الحشد الشعبي"، حسين المالكي، يدافع عما وصفه بتضخم أرقام قتلى داعش في العراق أخيراً، ويقول لـ"العربي الجديد" إن "مقتل وإصابة نحو 100 ألف من "داعش" يجب أن يكون قليلا؛ فالهجمة التي نتعرض لها كبيرة، وإسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية ترسل أمواجا بشرية إلينا، ونحن نتصدى لها ببسالة"، رافضاً "التشكيك في بيانات الحكومة أو الحشد الشعبي بهذا الخصوص تحت أي ظرف".

وخلال شهرين فقط، نفى التحالف الدولي ثلاثة بيانات لوزارة الدفاع العراقية قالت فيها إن التحالف الدولي قتل مساعد أبوبكر البغدادي، أبومسلم الخراساني، بغارة قرب الموصل. وعلى الرغم من أن البيان يحمل عبارة "قصف التحالف الدولي موقعا يتحصن فيه الخراساني أدى إلى مقتله"، لكن وزارة الدفاع العراقية سارعت الى إصدار بيان جديد نفت فيه نفي التحالف الدولي، وأكدت أنها قتلت الخراساني.

اشتعال حرب الأرقام بين المتحاربين في العراق لا يعني أنها مجرد حرب إعلامية بين الطرفين، بل هي حقيقة الوجه الثاني القاتم للحرب، إذ ارتفعت حصيلة القتلى المدنيين أخيراً في العراق إلى نحو 40 ألف مدني منذ مطلع العام الجاري، غالبيتهم سقطوا في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وديالى، يشكل الأطفال دون سن الثامنة عشرة ما نسبته 37 في المائة منهم، والنساء 19 في المائة، قضوا بصواريخ وبراميل وطائرات السيخوي التابعة للحكومة العراقية.