حدد من تشتم؟

24 ديسمبر 2014
أحياناً تكون أنت واحداً ممن يسبون هذا البلد وشعبه(Getty)
+ الخط -

كثيراً ما نسمع بعض الأقرباء، أو الأصدقاء، أو حتى أشخاصاً لا نعرفهم يسبون ويلعنون في البلد ومن فيها..

ـ دي بلد زبالة.. يقولها أحدهم.

ـ ده شعب ابن ستين كذا في كذا، ويذكر أفظع الشتائم وأحط وأحقر الصفات.

وأحياناً تكون أنت واحداً ممن يسبون هذا البلد وشعبه، بنفس هذه الألفاظ، وربما أشنع منها.

ـ ياعم البلد دي عمرها ما هتنضف.

ـ عايز الخلاصة؟ الشعب ده ماينفعش معاه غير الكورباج.. ومايمشيش غير بالجزمة.

ونفس هذا الشخص.. وربما أنت نفسك قد قلت مرة من المرات في حالة فشخرة عندما تسمع خبراً عن مصري نجح في الخارج وحقق إنجازاً ما (ولغير المصريين: الفشخرة هو فعل مصري معناه الافتخار بالغير وكأنك تتحدث عن نفسك).

-المصري يا معلم لما ياخد فرصته يكسر الدنيا..

وتستمر في الشرح واستعراض نماذج النجاح من المصريين المغتربين مع ذكر البعض منهم وخصوصا ممن حققوا شهرةً، حتى تعطي تأكيدا ومصداقية لمستمعيك، وعلى الفور تبدأ بالدكتور احمد زويل، والدكتور فاروق الباز.. وإن كنت أكثر اطلاعاً ستذكر الدكتور مصطفى مشرفة أو المهندس هاني عازر.. وربما تستدرج ببعض قصص نجاح لأشخاص مصريين سافروا وتغربوا، إما للعمل أو الدراسة، وحققوا نجاحات بطولية تصل في بعض الأحيان حد الحكايات الخيالية أو الأسطورية.. ثم تختم كلامك بالجملة الـ"كلاشية"، أو الأكثر استخداماً في مثل هذه المواقف:

المصري ده بس حطو في جو صح تشوف منه البدع..

ألا يوجد تناقض أكبر من هذا؟

هذا هو السؤال الذي سيقفز إلى الذهن مباشرة عندما نستمع لنفس الشخص الذي كان ربما في الأمس القريب جدا، أو من لحظات يسب هذا الشعب، الذي خرج منه هؤلاء الذين يفتخر بهم وكأنهم من باقي أهله أو عشيرته..

بالنسبة لي، لا أعتبر هذا، ولا أصفه على أنه تناقض.. فأنا أراه إما جهلاً أو هروباً من ذكر الأسباب الأساسية التي تجعل نفس هذا المواطن المشتوم إن تغيرت الظروف المحيطة به ليصبح من المفتخر بهم، أو على أقل تقدير من غير المشتومين، لأنه يسلك السلوك المناسب.

والإنسان بطبيعته همجي ولا يفضل القيود والقوانين، فأنا مثلا، وعن تجربة شخصية، قابلت مصريين في إيطاليا أثناء دراستي هناك، ورغم أن بعضهم قبل أن تطأ أقدامهم أرض إيطاليا، لم يروا طريقا مسفلتا، فهم من قريتهم إلى ميلانو مباشرة هروبا عن طريق البحر، أو إن أب الواحد منهم قد باع مايملك من طين (أرض) كي يحصل ابنه علي فيزا دخول إلى إيطاليا، رأيتهم يقفون في الإشارة الحمراء، ولا يقطعون الطريق أبدا، لأنه علم وعرف وخبر أن هذا ممنوع، ومن يفعل هذا يحاسب، أيا كان، ورأيتهم يلبسون الخوذة قبل ركوب الدراجة، بل في إحدى المرات رفض أحدهم أن يصطحبني خلفه، لأن ليس لديه خوذة إضافية كي ألبسها ورأيتهم يربطون حزام الأمان أول ما يجلسون علي كرسي السيارة، بل ويطلب من الجالس بجواره ربط حزامه، لأنه هو المسؤول أثناء القيادة عن نفسه ومن معه، ورأيتهم في الشوارع يمسكون بواقي طعامهم أو أي مخلفات حتى يجدوا السلة أو الصندوق المخصص لذلك، وإن كان في وسيلة مواصلات فلا يفكر أبداً في حشرها بين الكرسيين، فعليه أن يظل ممسكا بها إلى أن يجد سلة المهملات أو صندوقاً للزبالة.

رأيتهم في بيوتهم يفصلون الزبالة ويضعونها في أماكنها المخصصة، وبمنتهى الدقة، ولا يعتمد الأمر أبدا إن هناك شخصا سيحضر لجمع هذه الزبالة، وسيقوم بالمراجعة بعده وإعادة الفرز..

وعلى العكس رأيت إيطاليين أصدقاء لي في مصر، يعبرون الطريق والإشارة حمراء، لأنهم رأوا أن هذا هو الطبيعي في هذا البلد، وكل من يعبر يفعل ذلك، رأيتهم يركبون السيارات دون أن يربطوا أحزمة الأمان فهم عرفوا وخبروا ورأوا أن هذا شيء عام واعتيادي، رأيتهم يرمون مخلفاتهم في الشارع، لأنهم لم يجدوا صندوقاً أو سلة مهملات.. وربما أنت رأيت مثلي، وآخرون كثر قد رأوا مثل هذه التصرفات..

لذا كان الإنسان دائماً في حاجة إلى وضع قوانين منظمة له ولأسلوب حياته ومعيشته، مع وضع الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الأسلوب ثم محاسبة من يخالف من خلال مسؤولين عن تطبيق هذا النظام على الكل بمن فيهم المسؤولون أنفسهم.


*مصر

المساهمون