يكاد يكتمل عدد الحجّاج السوريين في مدينة مكّة المكرّمة، استعداداً لمناسك الحج. وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها أهل سورية، سواءً في داخل البلاد أو في دول اللجوء، فإنّه من المقرر أن يؤدّي 22 ألفاً و500 حاج سوري فريضة الحجّ في السعودية هذا العام.
الحاج محمد صالح، من ناحية التمانعة التابعة لمدينة خان شيخون في ريف إدلب، يستعدّ لمغادرة الشمال السوري من معبر "باب الهوى" على الحدود مع تركيا، مع الإشارة إلى أنّ التمانعة من المناطق المستهدفة عسكرياً منذ أشهر عدّة. يقول صالح لـ"العربي الجديد" إنّ "التحضير لأداء فريضة الحجّ يشتمل على صعوبات كثيرة، في ظل أوضاع معيشية قاسية جداً. لكنّني ماضٍ بذلك على الرغم من الضغوط بمختلف أشكالها". يضيف أنّ "التكلفة المادية لأداء فريضة الحجّ مرتفعة جداً بالنسبة إلى السوريين، فهي تصل إلى نحو ثلاثة آلاف دولار أميركي"، لكنّه يؤكد أنّ "الحج فريضة الله علينا، وسوف نؤديها". ويتابع: "أغادر سورية داعياً الله أن يحمي أولادي وأولاد جميع الناس والشعب"، لافتاً إلى أنّ "أولادي وكثراً آخرين أوصوني بالدعاء لهم هناك حتى يغفر الله لنا ولهم ويحمينا ويحميهم. أهمّ ما في الأمر أن نعود ونجدهم سالمين".
وضاح حاج أحمد، حاج سوري من بلدة سرمدا في إدلب، ينتظر عبور "باب الهوى" في اتجاه الأراضي التركية ثمّ إلى السعودية لأداء فريضة الحج. يكتفي بالتعبير عن تمنّيه أن تكون "رحلتنا ميسرة"، ردّاً على سؤال لـ"العربي الجديد" حول حجّه. لكنّه يصرّ على الإشارة إلى أنّ "التكلفة مرتفعة بالنسبة إلى السوريين".
في السياق، يقول الحاج خالد توامي، وهو إداري في مجموعة "السراج" التابعة للجنة الحج العليا السورية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سبعة آلاف و500 حاج سوري أضيفوا هذا العام إلى عدد الحجّاج السوريين المعتاد، ليصير العدد الكلي 22 ألفاً و500 حاج". ويوضح توامي أنّ "عدد الحجاج الواصلين إلى مطار جدّة في السعودية زاد عن عشرة آلاف حاج، والبقيّة تصل تباعاً في خلال الأيام القليلة المقبلة"، معبّراً عن "مشاعر السعادة والفخر والاعتزاز التي تختلجني نظراً لما نقدّمه من خدمة لحجّاج بيت الله الحرام بالإضافة إلى الإشراف على أدائهم مناسكهم والعودة إلى ديارهم سالمين غانمين". ويلفت توامي إلى أنّ "كثيرين من أهالي الحجّاج ومعارفهم طلبوا منهم الدعاء ليفرج الله عن أهلنا".
من جهتها، راحت الحاجة عائشة مصطفى النازحة من حمص إلى الشمال السوري تداعب أحفادها مودّعة إياهم قبل التوجّه إلى معبر "باب الهوى" في رحلتها مع ابنها إلى مدينة مكة لأداء فريضة الحج. تقول لـ"العربي الجديد": "كنت أتمنّى أن أحجّ مع زوجي، لكنّ قذيفة حرمتنا منه وكذلك من ابنتي"، مضيفة "سوف أحجّ وأدعو لهما بالرحمة والمغفرة، فيما أدعو لبقية أولادي وأحفادي علّه يلتمّ شملنا. أنا لم أرَ ابني البكر منذ خمسة أعوام، فهو لجأ إلى أوروبا. كذلك لن تُتاح لي فرصة رؤية ابنتي التي لجأت إلى تركيا، في خلال عبوري في الأراضي التركية إذ إنّ وضعها لا يسمح لها بالوصول إليّ". وتتابع بغصّة: "كم أتمنّى أن أتمكّن من رشّ قبر زوجي وقبر ابنتي بماء زمزم. كان زوجي ليسعد لو تمكّن من الحج، فنحن كنّا نخطط لذلك، لكنّ كل شيء تغيّر".
أمّا أبو محمد مقداد، فهو لجأ إلى مصر ومنها يتوجّه إلى السعودية لأداء فريضة الحجّ. يقول لـ"العربي الجديد": "سوف أطلب المغفرة والرحمة لوالدي الذي توفي قبل ثلاثة أعوام"، مضيفاً أنّ والده لطالما تمنّى الحجّ. ويشير إلى أنّه "كلما اتصلت بوالدي قبل وفاته، كان يتمنّى أن يطعمه الله الحجّ إلى بيت الله الحرام ليدعو لنا بالبركة والصحة والخير. لكنّ الحرب والأوضاع الاقتصادية المتردية والموت لم تتح له فرصة القيام بذلك". ويتابع أبو محمد أنّ "وضعي الاقتصادي ليس جيداً بالعموم، لكن عندما توفي أبي ولم أتمكّن من أن أكون إلى جانبه وأقوم بواجبي وأودّعه، أقسمت بالحجّ نيابة عنه فأطلب له المغفرة والرحمة وأرجو أن يسامحني على تقصيري تجاهه. فأنا لم أستطع مساعدته في تحقيق ما كان يتمناه". ويؤكد أنّه "مذ توفّي والدي وأنا أحاول جمع تكاليف الحجّ. وهذا العام نجحت بتوفير المبلغ الذي كان ينقصني من نحو أربعة آلاف دولار"، موضحاً أنّ "كثيرين هم السوريون الذين كانوا يتمنّون الحجّ، خصوصاً من الذين فقدوا أفراداً من عائلاتهم في الحرب، غير أنّ الوضع الاقتصادي والمخاوف السياسية راحت تمنعهم من ذلك".
من جهة أخرى، يعبّر أبو عمر حلاوة المقيم في دمشق لـ"العربي الجديد" عن رغبته في الحجّ "قبل أن أفارق الحياة، لكنّني أخشى أن تترتب على ذلك مساءلة قانونية عندما أعود إلى العاصمة". ويوضح أنّه يتوجّب عليه في حال أراد أداء فريضة الحجّ "تقديم طلب للجنة الحج العليا السورية وهي لجنة منبثقة عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهي تتولّى إدارة ملف الحجّ السوري منذ عام 2013 وحتى اليوم. وهذا أمر قد يحمّلني أعباء لا طاقة لديّ لتحمّلها".