حب لا يسقط بالتقادم

20 اغسطس 2015
لن تجيب هاتفك أيضا كالمعتاد (Getty)
+ الخط -
ستستيقظ كالمعتاد دون أن يوقظك أحد لأنه لا يمكنك أن تنام إلى الأبد بطبيعة الحال مع أنك تود لو يحدث ذلك لكنك تخاف، ممَ تخاف؟


القهوة سيئة كالمعتاد، إنهم لا يجيدون صنعها في بلدنا ذي السبعة آلاف عام حضارة، لا يشعرون أبدا بأنهم مخطئون، فقط يستاءون منك إن أبديت لهم انزعاجك، فالجميع يشربون من "سُكات" يحيرني ذلك المثل القائل "ايه الي رماك على المر؟ الي أمر منه"، ما هو أصلا الأكثر مرارة من قهوة تشرب مرة بالأساس؟ بالطبع لا يعتد بأراء من يشربونها زيادة!

لن تتصل بك كالمعتاد، ليس للأمر علاقة بسوء خدمات الاتصالات في بلدنا الموغل في القدم، أول من اخترع كل شيء، وخبر كل الأشياء، هذه عقيدة راسخة لا تقبل التشكيك، ربما لذلك اكتفينا بالوقوف في طوابير طويلة لنبهر العالم في أوقات فراغه وخوائه.

لن تجيب هاتفك أيضا كالمعتاد، لو حاولت، ليس لأن الحياة ليست صادقة تماما في وعودها، و"يومها بسنة"، ولا لأنها نسيت موعدك، أنت ستفترض ذلك، ستفترض أي شيء إلا أن تكون نسيتك، رغم أنه احتمال قائم، لكنه قاسٍ، هناك أسباب أخرى أقل قسوة، مثل تغير في المزاج تعزوه إلى سوء حالة الطقس، ربما استمعت لنصيحة أمها "الحكيمة"، ربما قرأت مقالا تافها وسخيفا، يحسب كاتبه أنه توفيق الحكيم، بعنوان لا تواعدي كاتبا، وأخذته على محمل الجد، ربما لأنها اعتنقت أفكارا نسوية، أو ربما فقط لأنها غبية!

ستجلس في النهاية وحيدا كالمعتاد، تدخن آلاف السجائر في انتظارها، تلعن الأوقات غير المناسبة، وتقرأ حظك اليوم، ستذهب للقاء أناس لا يحبونك، وسترغم نفسك على الاستماع إلى مشاكلهم البلهاء والوجودية، وإلى المطرب جورج وسوف، وهو يشكو الزمن، ويرثي لحاله، وتبتسم وتهمهم بين حين وآخر، وعندما تشعر بالملل ستعود لتجلس وحيدا مرة أخرى، كالمعتاد، تقلب في محطات التليفزيون، ستتجاوز سريعا أخبار حرق الأطفال، وأحكام الإعدام، والعمليات الإرهابية، وأخبار قناة السويس الجديدة، وحفلات تخرج دفعات جديدة من الكليات العسكرية، وأفراح مصر.

تتمهل قليلا أمام المحطات الرياضية، وأخبار فوز فريقك بالدوري، فهذا أكثر تسلية، ثم تتوقف في النهاية أمام خطاب الرئيس حكيم العرب والعالم، وطبيب الفلاسفة بعد الظهر الذي بعثه الله ليحنو علينا عله يفيض عليك من حكمته، وتجد عنده الدواء لحب يأبى النسيان، لحب لا يسقط بالتقادم.. "ولا إيه"؟

(مصر)
المساهمون