حبّ الفلسفة

20 مايو 2017
+ الخط -
لم تكن الفلسفة خياري، ولكن معدل النجاح جعلها قدراً حولته فيما بعد إلى حتمية لا أستطيع الانفكاك عنها. ولم أكن أعرف شيئاً عنها سوى أنها الكلام المعقد وغير المفهوم. وأول محاضرة تلقيتها في المدرج الخامس بكلية الآداب بجامعة دمشق، ردد المحاضر على مسامعنا نحن طلاب السنة الأولى البسطاء: "إذا كان الله موجوداً فليقدم لنا أوراق اعتماده على الأرض". ثم بدأت المحاضرات تتنوّع، والمحاضِرِون تختلف آراؤهم. وبعد جهلي بالمكان وعدم إدراكي الحكمة من الزمان الذي وضعني في محراب الفلسفة، بدأت تنسدل الستائر على العمر الماضي، وتتفتح في ذهني آفاق جديدة أبحرت من خلالها في رحلةٍ لم تكن سهلة، لكنها كانت الأجمل في حياتي. 

علمتني الفلسفة القديمة، أن سقراط، كان وسيبقى، المعلم العظيم الذي صرخ: "اعرف نفسك بنفسك". وحقاً لم أكن أفكر في معرفة نفسي، ولم أنا هنا، على هذه الأرض، وفي هذا الزمن. وعلمني سقراط أن للمبادئ ثمناً، ولكننا يجب أن نقدمه من دون ندم.

أما أفلاطون فقد شغلني كثيراً بنظرية المثل. وكيف نفهم وبكل ثقة أن الذي نراه من هذا العالم، ونختبره من خلال الحواس هو عالم غير حقيقي، إنما هو عالم مشابه للعالم الحقيقي وبصورة غير كاملة. وأن جميع الأشياء في هذا العالم تتغير، تأتي وتذهب، وأن عالمنا هو عالم الأخطاء الكثيرة والمشوهة والمتناقضة من خير وشر، وأن هذا العالم غير حقيقي.

وفيما بعد، استوقفتني اعترافات القديس أوغسطين: "يا ليتك، أيّها الرب إلهي تخبرني ماذا أنت لي؟ ليتك تقول لنفسي أنا خلاصك. هكذا تكلم لعلي أسمعك".

وأما هيغل، وعلى الرغم من شقائي في فهمه، إلا أنه أسرني بمؤلَّفه فينومينولوجيا الروح، الذي حاول من خلاله عرض ملحمة الوعي، بأن ينفي ما سبقه، ليرتقي، ويتدرج عبر هذا النفي، إلى درجة من الواقع الأسمى، وكيف أعاد هيغل بأفكاره رسم مسيرة الإنسانية وتطورها. 

وأسرني صاحب العقل المتقد كما أسميه، وأقصد بذلك برتراند راسل الذي كنت أمتع عقلي دائماً بقراءة كل مقولاته، والتوقف عندها، "غاية الفلسفة هي الابتداء بشيء في غاية البساطة، لدرجة أنّه يبدو لا يستحق البداية، والانتهاء بشيء في غاية التناقض لدرجة أن أحداً لن يصدقه".

أما قصة الفلسفة المعاصرة فلي معها حكاية أخرى، أكملها لاحقاً.

دلالات
8208D0E6-2CD2-427A-A70D-51834F423856
يسرى وجيه السعيد

حاصلة على دكتوراه في فلسفة العلم من جامعة دمشق. ومدرسة سابقة، في قسم الفلسفة بجامعة حلب.