حافظ خليفة: استشارة التاريخ

02 نوفمبر 2014
حافظ خليفة في بورتريه لـ عماد حجّاج (العربي الجديد)
+ الخط -

يستعدّ المخرج التونسي حافظ خليفة لبدء عروض مسرحيّته الجديدة، "السقيفة"، بعدما قدّم العرض ما قبل الأول في "دار الثقافة" في العاصمة تونس، مختبراً من خلاله إمكانات العمل الفنية والجمالية، وتفاعل الجمهور مع نصّ جريء يستلهم حادثة سقيفة بني ساعدة لقراءة راهن البلد على ضوئها.

قبل هذا العرض، أثارت المسرحية، بمجرد خروج فكرتها إلى الإعلام، جدلاً واسعاً في الساحة الثقافية التونسية حول شرعية تجسيد شخصيات بعض صحابة الرسول على الخشبة. لكن ينبغي أن نسارع بالقول إنّ هذه المسرحية، في استلهامها التاريخ، ليست تاريخية بقدر ما هي عمل معاصر يرتدي قناع التاريخ سعياً إلى قراءة الواقع من خلاله.

مثل معظم المسرحيين المعاصرين، انطلق كاتب المسرحية بوكثير دومة، في استقرائه التّاريخ، من اللحظة الراهنة والتجربة الحيّة. تحدِّد نقطة انطلاقه هذه، على نحو حاسم، تمثُّله للأحداث، وتأويله للوقائع، وتوظيفه للشخصيّات التاريخيّة. وبالتالي، فإن التاريخ الذي يستحضره الكاتب مفعمٌ بهواجس الحاضر ومثقلٌ بهمومه. إنه تاريخ مقروء من موقع معيّن في زمننا الراهن من أجل غايات وأهداف تكمن في هذا الحاضر.

من الطبيعيّ، على أي حال، أنْ يتعدّد الماضي الواحد بتعدّد الكتّاب، وأن تخضع الظاهرة التاريخية الواحدة لقراءات عديدة، فكلّ كاتب ينتخب ماضيه من مواد مختلفة ويُشكِّل مادّته الفنية منه وفق همومه وهواجسه وتطلّعاته. ومثل هذا الاختلاف ضروري، بل إنَّ التاريخ يتيح هذا التعدّد والتنوّع، وليس غريباً أن يكون لكلّ كاتب أحداثه ورموزه.. وحتى تاريخه.

لكن رغم اختلاف القراءات وتباينها، يظل هدف كتّاب المسرح واحداً، كلّما ارتدّوا إلى التّاريخ: البحث عن الثابت في الطارئ، عن الباقي في المتحوّل، عن الخالد في الداثر، أو على حدّ عبارة هيغل، البحث عن المضمون الجوهري للموقف والقبض على الشخصية التي يعيش فيها الفكر أعظم لحظاته.

هذا ما يتجلّى بقوة في مسرحية "السقيفة". ففي هذا العمل، يرتدّ الكاتب إلى أجزاء من تاريخنا لتسليط الضوء عليها وتأكيد غناها وقوّتها وقدرتها على الاستمرار. وقد ساهم في هذا العمل عدد من كبار الممثلين التونسيين، مثل حمادي المزي والمنجي بن إبراهيم ونور الدين العياري وبشير الصالحي عبد الرحمن محمود، إلى جانب مخرج المسرحية، حافظ خليفة، الذي يُعتبر من أهمّ المخرجين الجدد في تونس، وأحد مؤسسي تيار مسرحي تونسي جديد يسعى إلى تجاوز الحركة المسرحية القائمة باستلهام التجربة الروحية والفنية العربية في بعديها الصوفي والشعري.

وتتّسم أعمال خليفة السابقة بالجدّة والطرافة معاً، وبتمكّنه فيها من استقراء الموروث الفكري بشكل متأنّ وعميق. وهذا ما يفسّر الاحتفاء والتنويه الذي تلقاه من قبل الكثير من الباحثين والأكاديميين. ومن هذه الأعمال "طواسين" و"مراحيل" و"زنازين النور". أما مسرحيته الجديدة، فستنتقل، بعد عرضها في تونس وبعض المدن الأخرى، إلى المشرق العربي، لتشارك في مهرجانات في القاهرة والشارقة وأبوظبي.

ما يمكن استنتاجه انطلاقاً من طبيعة هذا العمل وما أثاره من جدل، هو أن المسرح العربي الحديث قد طاله زلزال التحولات التي شهدها الوطن العربي، فبات مسرحاً غاضباً، متوتراً، محرّضاً، متشنجاً، ذا نبرة عالية، يدين ويتّهم في آن.

وبالتالي، لم يبق أي شيء، أو أي شخص، بمنأى عن النقد. الكل بات مداناً أو متهماً. وقد طالت هذه التحولات المضامين، والأشكال، والأساليب، واللغة، وطرُق الأداء. وفي حال استعرنا عبارات المناطقة القدامى لوصف الحال، لقلنا إن التحولات قد طالت مقول القول وطريقة القول في آن.

المساهمون