حاج طاهر بولنوار:مليون تاجر في السوق السوداء الجزائرية

01 نوفمبر 2015
الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين(العربي الجديد)
+ الخط -
أعلن الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين حاج طاهر بولنوار، أن النقص في الأسواق النظامية سمح للأسواق الموازية بالانتشار، حيث أثر هذا الواقع اقتصادياً، وقال في مقابلة مع "العربي الجديد" على الحكومة إيجاد حلول لانتشار الأسواق الموازية
وهنا نص المقابلة: 

*كيف تقيمون واقع النشاط التجاري في الجزائر؟ وهل تعتقدون أن العمل التجاري وصل إلى مستوى مقبول؟
يعتبر القطاع التجاري المحرك الأساسي للاقتصاد في أي بلد. في الجزائر، يبلغ عدد السكان حالياً ما يقارب 40 مليون نسمة، ويصل عدد التجار المسجلين رسمياً إلى أكثر من مليون و700 ألف تاجر، يمثلون مختلف أنواع الأنشطة التجارية والخدماتية، هذا بالإضافة إلى وجود نحو مليون تاجر ينشطون في السوق الموازية. وبحسب المعايير الدولية، فإن عدد التجار نسبة إلى السكان يعادل واحدا من عشرة، أي مقابل عشرة ملايين مواطن، هناك حاجة إلى مليون تاجر. وعليه فإن السوق الجزائرية تحتاج إلى مزيد من التجار، حتى تتمكن من تحقيق المعايير الدولية. من جهة أخرى، تعاني الجزائر من ارتفاع أعداد التجار في السوق الموازية، فهذه الأخيرة شرعت أبواب العمل غير الشرعي، بحيث طاولت كافة القطاعات والنشاطات الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى حدوث فوضى في العمل التجاري، وعليه، فإن النشاط التجاري تأثر سلباً، وللخروج من هذه المشكلة، يجب العمل على إدماج السوق الموازية مع السوق النظامية، بالإضافة إلى تشجيع التجار على العمل بالطرق الشرعية، لأن انتشار الأسواق الموازية أضر بالاقتصاد الجزائري، وقد لاحظنا ذلك في السنوات الماضية.

* برأيكم ما مدى انعكاس هذا الواقع على النمو الاقتصادي في الجزائر؟
لا شك أن الاقتصاد الوطني يدفع ثمناً باهظاً جراء حالة الفوضى التي يعيشها القطاع التجاري. كما أن الأسواق الموازية ساهمت في إضعاف النشاط التجاري إلى حد كبير، حيث برزت العديد من النشاطات التجارية المدمرة للاقتصاد، كما أن التهرب الضريبي، وحرمان الخزينة من الأموال من العوامل السلبية التي تطاول الاقتصاد الوطني. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الأموال التي تبقى خارج رقابة الدولة، تستخدم في عمليات تمويل الإرهاب من جهة، وعمليات التبيض من جهة أخرى، حيث يؤكد المختصون أن 70% من عمليات تبييض الأموال تتم في الأسواق السوداء، وقد أصبحت هذه الأسواق غطاء لتمرير السلع المقلدة والفاسدة، والمنتهية الصلاحية أو المهربة، وحتى المسروقة، كما فتحت المجال واسعاً أمام تهريب العملة الصعبة وما إلى ذلك من تدمير للاقتصاد الوطني. وقد انعكس هذا الواقع على حجم الاستثمارات، حيث يعزف المستثمرون عن ضخ استثماراتهم وأموالهم في الاقتصاد الجزائري، بسبب وجود التجارة والأسواق الموازية، والتي تشكل ما يقارب 40% إلى 50 % من حجم النشاط التجاري في البلاد.

*في العام 2012، بدأت الحكومة بشن حملة للقضاء على الأسواق الموازية، وتحويلها إلى أسواق منظمة، كيف تقيمون هذه الخطوة؟ وهل نجحت هذه الحملة؟
بدأت هذه الخطوة في نهاية العام 2012، واستمرت حتى العام 2013، أي أنها لم تستمر أكثر من عام تقريباً، وقد حققت نجاحات جزئية لا تتجاوز الـ 30 إلى الـ 40%. إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ، عادت الأسواق الموازية إلى الواجهة من جديد، كما ظهرت نقاط بيع عشوائية أخرى. ونعتقد أن محاربة هذه الظاهرة تتطلب محاربة الأسباب المؤدية لها، ومنها، أولاً، إيجاد البديل لهذه الأسواق الموازية في حال إغلاقها، ويتم ذلك من خلال تجسيد شبكة وطنية للتوزيع. لا شك أن انخفاض أعداد الأسواق التجارية في الجزائر، والتي لا تتخطى ألفي سوق، لا تكفي لسد حاجات 40 مليون مواطن، ولذلك انتشرت الأسواق الموازية. وعليه، فإن آلية التخلص من الأسواق الموازية تتطلب إعادة النظر في الضرائب التي أصبحت ترهق كاهل التاجر، بالإضافة إلى إعادة جدولة التكاليف التي تتضمن مستوى الإيجارات، تكاليف النقل، وغيرها. ففي الجزائر، يصل مستوى إيجارات المحال التجارية على سبيل المثال إلى نحو 200 دولار، وهو ما يعتبر مرتفعاً، ويدفع العديد من التجار نحو الأسواق الموازية، نظراً لانخفاض المصاريف.

اقرأ أيضاً:تراجع قيمة الدينار تثير ريبة الجزائريين

*لاحظنا في الفترة الأخيرة أن الدولة تشجع العمل في هذه الأسواق عن طريق السماح لها بالانتشار، هل تعتقدون أن هذا الأمر مقصود للحفاظ على مستوى الأسعار؟ أم هناك أسباب أخرى؟
نعم بالفعل، تقوم الدولة بتشجيع انتشار هذه الأسواق بطريقة غير مباشرة، ويعود السبب في ذلك، إلى النقص الحاد في عدد الأسواق التجارية المنظمة، التي من شأنها أن تلبي حاجة المواطنين. لا شك أن هذه الخطوة ليست مستحبة، أو مقبولة، ولا شك أنها تدل على وجود خلل ما، لكن الظروف على أرض الواقع مختلفة، فالأسواق التجارية لا تلبي حاجات المواطنين، وعلى الدولة أن تبدأ كما ذكرت بإيجاد حلول جذرية تتعلق بسد حاجات المواطنين، وتشجيع التجار.

*شرعت الحكومة منذ فترة، في تطبيق إجراء جديد يفرض إجبارية استعمال الصكوك المصرفية في المعاملات التجارية التي تفوق قيمتها المالية الـ 5000 دولار، كيف تجدون هذه الخطوة؟ وهل يقوم التجار بالالتزام في تطبيق هذه الإجراءات؟
من المعلوم أن أكثر من 70% من المعاملات التجارية في دولنا تتم خارج التعامل بالصكوك المصرفية، بل إن أغلبها يتم بطريقة الدفع نقداً، ويعود السبب في ذلك إلى غياب الثقة بالمؤسسات المصرفية تارة، وغياب الوعي لأهمية التعامل مع المؤسسات المالية والمصارف. ونحن في اتحاد التجار، نرحب بهذه الخطوة، ونعتبرها من الخطوات الهامة، كونها تنظم آليات العمل بين التاجر والبائع والمستهلك. لكننا في المقابل نعتبر أن آليات تطبيق وتفعيل هذه الخطوة لن تكون سهلة، لأن المؤسسات المصرفية في البلاد ليست مؤهلة بالشكل المطلوب من أجل إعداد هذه التعاملات. أما بشأن أهمية المعاملات المصرفية، فهي تساهم في القضاء على السوق الموازية، كما أنها تساهم أيضاً في إضفاء الشفافية على العمل التجاري، وتضع حدا لتهريب العملة.

*برأيكم لماذا يلجأ العديد من التجار إلى التهرب من استعمال الفواتير في التعاملات التي تزيد عن 500 دولار، وما هي السبل لحث التجار استخدام الفواتير في تعاملاتهم التجارية؟
يرفض التجار التعامل بالفواتير لأسباب عديدة، أبرزها التهرب من دفع الضرائب. حيث تقدر نسبة الرسم على القيمة المضافة بنحو 17%. ويعتبر التاجر أن ارتفاع قيمة الضرائب تؤدي إلى خسائر كبيرة، لذا يلجأ إلى التهرب من إصدار فواتير نظامية.
لذا إن أردنا إلزام تاجر التجزئة في التعامل بالفواتير، يجب مراعاة عدة أمور، منها خفض الرسوم والإجراءات الضريبية على التجار حتى يتم تشجيعهم على التعامل بالفواتير. ثانياً، ربط الثقة بين المتعامل التجاري والاقتصادي مع الهيئات الرسمية. ففي الدول المتقدمة نرى أن تعامل التجار والاقتصاديين مع الهيئات الرسمية يزيدهم ثقة، أما في دولنا، فنجد العكس لأن القوانين غير مستقرة وتتغير باستمرار، ما يفقد الثقة في المؤسسات والمراكز الحكومية، وبالتالي يفقد الثقة في الوثائق الصادرة عنها. وعليه، فإن المضي بهذه الإصلاحات سيساهم في تشجيع التاجر على إصدار فواتير نظامية، كما من شأنه أن يرفد الخزينة العامة بالأموال، عن طريق تحصيل الضرائب.

*كيف تفسرون ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، في الوقت الذي تنخفض به أسعار السلع عالمياً؟ لماذا لا تتحرك أسعار السلع محلياً بالتوافق مع الأسعار عالمياً؟
هناك العديد من المبررات لهذا الخلل. عادة ما يبرر التاجر ارتفاع الأسعار بتراجع قيمة الدينار، ما يجعله يدفع أكثر في عملية الاستيراد بالعملة الصعبة، لذا يحاول الحفاظ على مستوى الأسعار مرتفعاً. من جهة أخرى فإن غياب الرقابة والشفافية في التجارة الخارجية يساهم أيضاً في ارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من التجار يلجؤون إلى رفع الأسعار دون مبرر، وغياب الرقابة ساهم في انتشار هذه الممارسات. ونحن نعتقد أن سلّم تحرك الأسعار يجب أن يبدأ من خلال تنظيم عمليات البيع والشراء، وتنظيم آليات التجارة الخارجية، إذ لا يمكن السماح للتاجر في أن يتحكم بالأسعار، في الوقت الذي يدفع المستهلك الثمن. الأسعار في الجزائر، وللأسف ترتفع مع ارتفاعها عالمياً، ولا تنخفض مع انخفاضها عالمياً، بل تبقى على مستوى مرتفع.

*في السنوات الماضية، بدأت تختفي من الأسواق التجارية العديد من السلع، ومن ثم تظهر مجدداً ولكن بشكل نادر، وتباع بأسعار خيالية، كيف تفسرون هذه العمليات التي يقوم بها المضاربون في الأسوق؟ وما هي نتائجها؟
لا شك أن المسؤول الأول والأخير عن هذه العمليات هو تاجر الجملة. فتاجر التجزئة لا يمكنه التحكم بعمليات إخفاء المواد وإعادة طرحها في الأسواق بأسعار معينة. وعادة ما تدل هذه العمليات إلى وجود خلل في المنظومة الاقتصادية. فندرة المواد، وإعادة طرحها مجدداً في السوق، والتحكم بأسعارها، يعود سببه إلى جشع التجار من جهة، وغياب الرقابة من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك فإن الاحتكار يلعب دوراً رئيسياً في انتشار هذه الظاهرة، يعتبر من المسببات الرئيسية لهذه العمليات. فاحتكار سلعة ما بيد تاجر أو أكثر، يسمح بانتشار هذه الظاهرة وللأسف يدفع المستهلك الثمن.
لذا نعتقد أن الحل يكمن في مجابهة ظاهرة المضاربة عبر تكثيف الإنتاج وإغراق السوق بالمنتجات، والقضاء على الاحتكار، وذلك بإضفاء الشفافية على الإنتاج والاستيراد، وتشجيع المنافسة الشفافة في المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك، إذ إنه من غير المقبول ولا المعقول أن نترك سلعة غذائية ما أساسية بيد شخص أو شخصين يتحكمون بها، دون اتخاذ الإجراءات بحقهم، لأن ذلك يؤثر بطريقة سلبية على المواطنين.

اقرأ أيضاً:عبد المالك سراي: الجزائر تعيش أزمة مالية فعلية
المساهمون