جنوب العراق: 92 مطلباً لوقف الاحتجاجات

21 يوليو 2018
عادت التظاهرات بقوة أمس (حيدر أبو رزق/الأناضول)
+ الخط -

تواصلت التظاهرات في العراق متجاوزة التأخر في تشكيل الحكومة، الذي طاول جميع الأطراف، في ظلّ شبه اتحاد بين المتظاهرين على الإصرار على المطالب الاجتماعية والخدماتية، وصولاً إلى طرح 92 مطلباً من أجل وقف التظاهرات. وبدا من كثرة عدد البنود أن دروس تظاهرات عام 2016 حضرت في الخلفية، خصوصاً أنها لم تؤد إلى نتائج تُذكر بعد وقفها. وتدل كثرة المطالب أيضاً على أن الملف الحكومي مؤجل حتى إشعار آخر.

على الرغم من الإجراءات العسكرية والأمنية التي فرضتها القوات العراقية في مدن جنوب العراق ووسطه والعاصمة بغداد، تجددت أمس الجمعة، التظاهرات في مدن عراقية مختلفة، أبرزها البصرة وذي قار وواسط والنجف وكربلاء وبابل وميسان والمثنى وبغداد في ساحة الحرية، التي قال المشاركون فيها إنها "لتأييد تظاهرات الجنوب التي تركزت قرب مباني الحكومات المحلية وبالساحات الرئيسية في المدن". ولوحظ مشاركة النساء للمرة الأولى في تلك التظاهرات، وهن بالغالب ناشطات مدنيات بالجنوب العراقي وفقاً لناشطين عراقيين أكدوا لـ"العربي الجديد"، بأن "التظاهرات استعادت زخم الأيام الأولى بعدما خفّت بسبب عمليات الاعتقال والقمع المتواصل من قوات الأمن العراقية".

في هذه الأثناء تجنب المرجع الديني في العراق علي السيستاني الإشارة إلى التظاهرات والاحتجاجات، فألقى وكيله في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي، خطبة اكتفى فيها بـ"دعوة السلطات العراقية إلى تقديم الخدمة للشعب من خلال سقف زمني محدد"، مشدداً في خطبة الجمعة على "ضرورة وجود ثقة بين الخادم من جهة، والأطراف التي تريد الخدمة من جهة أخرى".

وعلى الرغم من تعويل المتظاهرين على موقف مباشر للسيستاني لناحية دعمه للاحتجاجات في الخطبة، إلا أن الكربلائي تجاهل الإشارة إلى التظاهرات بشكل مباشر، ولم يبيّن موقف المرجعية من أحداث أسبوع كامل من التظاهرات والقمع المقابل لها، واكتفى بدعوة السلطات العراقية الى تقديم الخدمة للشعب من خلال سقف زمني محدد.

وفسّر مراقبون هذا الموقف على أنه "موافقة ضمنية من المرجعية الدينية للاحتجاجات، ولو كانت تجدها خطأ لصرّحت بذلك". وقال الخبير بالشأن العراقي سليم الموسوي لـ"العربي الجديد"، إن "عدم ذكر المرجعية العليا للتظاهرات يعني قبولاً ضمنياً بها"، مضيفاً أن "تأييد المرجعية أيضاً للمتظاهرين يعني أنها ستأخذ منحىً خطراً وستتسع في كل مدن الجنوب. والتأييد هنا يعني بمثابة فتوىً، لذا اكتفت بالمطالبة للحكومة بتلبية مطالب الجمهور وتوفير الخدمات ضمن سقف زمني محدد".



إلا أن المرجع الديني العراقي محمد تقي المدرسي، حذّر من "فتح أبواب جهنم على العراق في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه"، مؤكداً في بيان أن "الأحداث الأخيرة أشارت إلى وجود ثغرات في عملية التواصل بين أبناء الشعب من جهة، والأجهزة المكلفة بتوفير الخدمات من جهة أخرى". ولفت إلى أن "هذه الثغرات هي التي سمحت للبعض باستغلال ضعف الخدمات للقيام بأعمال غير مقبولة". ودعا القيادات السياسية إلى "تحمّل مسؤولياتها التاريخية في رأب الصدع"، منتقداً "ضعف أداء المسؤولين العراقيين في مسألة توفير الخدمات". وشدّد على "ضرورة الحدّ من المطالب المبالغ بها، والتراضي على حلول وسطية". من جهته، قال النائب السابق محمد العبيدي لـ"العربي الجديد"، إن "تجنب السيستاني الحديث عن التظاهرات يعني أنه رفض مباشر لوساطات حركتها الحكومة بالأيام الماضية حول تدخل المرجعية في إيقاف الشارع".

وقطعت التظاهرات في الجنوب العراقي وبغداد شوطاً جديداً في عملية تنظيمها، فبدت أقل عشوائية وأكثر تنظيماً عن الأيام الماضية من ناحية تنقل المحتجين ووسائل حمايتهم من قنابل الغاز والعيارات النارية التي تطلقها قوات الأمن ضدهم، وحتى على مستوى الشعارات المرفوعة التي تناول جزء منها المنظومة الدينية وأخرى هاجمت النفوذ الإيراني بالعراق من وسط مدينة النجف، التي تضمّ أكبر قنصلية إيرانية في منطقة الشرق الأوسط.

وشهدت القبلة والطويسة والهارثة والزبير وخور الزبير وأبو الخصيب وأم قصر والمديّنة (قضاء بالبصرة) ضمن البصرة تظاهرات واسعة، وفي ذي قار تركزت بشارع الحبوبي والشارع العام المؤدي إلى المبنى الحكومي، وفي النجف قرب حي السعد ومبنى التربية. وشهدت السماوة أوسع تفاعل من المواطنين إذ امتدت التظاهرات إلى مناطق المحكمة والبريد والسوق التجاري، بينما شهدت الحلة مركز محافظة بابل، تظاهرات واسعة أيضاً.

وعلى الرغم من إطلاق قوات الأمن سراح نحو 200 من المتظاهرين ممن قامت باعتقالهم في وقت سابق، إلا أنها سرعان ما عادت لتنفيذ حملة اعتقالات هذه المرة اتخذت شكلاً آخر من خلال سحب متظاهرين بالشارع وإرغامهم على الصعود في سيارات عسكرية تحت الضرب بالهراوات والعصي. وشهدت التظاهرات شعارات مناوئة للأحزاب الدينية مثل "لا فتى إلا علي، ما نريد حاكم حرامي" و"عمامة وبخور ومسبحة مبروك تحولت تاجر غني".

وقال أحد زعماء قبائل محافظة القادسية، الشيخ عوني صاحب الدراجي لـ"العربي الجديد"، إن "بعض المسؤولين طلبوا منا أن نكف أبناءنا ونمنعهم عن الخروج وهو ما لم نوافق عليه". وأضاف أن "عيب اتهام الشباب بأعمار الـ18 والـ20 بأنهم بعثيون أو ممولون من عزة الدوري والسعودية والصهيونية. هذه إهانة لنا والأحزاب التي تروج تلك الاتهامات تجهل أن ابن العشرين كان عمره 5 سنوات عندما سقط صدام حسين ووعى على العراق في حكمهم ولم يحصل على شيء منهم سوى الوعود". وتابع "أبناؤنا يشاهدون الانترنت، شباب بأعمارهم في دول أخرى أفقر من العراق لكنهم بخير وعافية وأمن ورفاهية وهم يبحثون عن لقمة خبز أو قميص نظيف ولا يجدون. كيف نمنعهم من الخروج؟". واتهم الدراجي بعض الجهات الدينية بـ"التواطؤ مع الأحزاب الإسلامية كونها مستفيدة".



من جانبه قال الناشط علي جعفر الناصري من ذي قار لـ"العربي الجديد"، إن "عدم وجود ثقة بوعود الحكومة التي أطلقتها باليومين الماضيين تُرجم إلى تظاهرات جديدة". وأضاف أن "المصداقية والنظام السياسي في العراق على النقيض تماماً". وهو ما بدا واضحاً بطبيعة الحال من خلال شعارات وهتافات العراقيين ضد الحكومة مثل "لو تقسمون لنا بالكعبة ما صدقناكم".

وقال موظف رفيع في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، إن "الطلبات التي وصلت من المحافظات الجنوبية تخطت حاجز التسعين مطلباً، أغلبها طلبات تتعلق بالخدمات والتوظيف وأخرى عقابية مثل شروط إقالة المحافظين ورؤساء المجالس ومدراء الدوائر وإحالتهم للقضاء، وأخرى طلبات غير منطقية تتهم هيئة النزاهة بالفساد وتدعو لحلها. بالإضافة إلى طلبات بإلغاء مجالس المحافظات والانتقال للنظام الرئاسي ونقل مقرات الأحزاب وفصائل الحشد إلى خارج المدن والأحياء السكنية". ولفت إلى أن "قسماً من تلك الطلبات بدا تعجيزياً لدرجة كبيرة وقسم يحتاج إلى تعديل دستوري لتمريره".

ووفقاً للمصدر ذاته فإن "البصرة رفعت نحو 29 مطلباً وذي قار 19 والنجف 23 وبابل 17 والمثنى 40 مطلباً والقادسية 11 مطلباً ومحافظات أخرى. وتتشارك الطلبات التي رفعها المتظاهرون بالماء والكهرباء وتوفير الوظائف وتأهيل المستشفيات والمدارس وبرنامج لمساعدة الأيتام والأرامل والمعّوقين الذين يغص بهم الجنوب العراقي، إضافة إلى طلبات تتعلق بإقالة مسؤولين في الحكومات المحلية وإحالتهم للقضاء. وهناك طلبات تتعلق بمحافظة دون غيرها، كالنجف، التي طلب المتظاهرون فيها إعادة فتح أحد النوادي الثقافية والأدبية التي أغلقتها الأحزاب الدينية". ولفت إلى أن "الحكومة العراقية تسلمت الطلبات فعلياً، لكن من مجموع 92 طلباً، فإن الحكومة قادرة على تلبية 10 في المائة فقط، لكن هناك طلبات تحتاج أربع سنوات وأخرى سنتين وبعضها سنة مثل محطات الماء والكهرباء وتأهيل المستشفيات وتوفير الوظائف".

من جهته، قال رئيس خلية الأزمة الوزارية المكلفة بمتابعة ملف التظاهرات، وزير النفط جبار لعيبي، إن "لجنته أنجزت تقريرها النهائي بشأن تقديم الخدمات، وتوفير فرص العمل"، مبيناً في تصريح لراديو محلي يُبث من البصرة أنه "نسّق مع شركات نفطية ومقاولين من أجل توفير وظائف لأهالي البصرة".

وأشار إلى أن "هذه الدرجات الوظيفية ستوزع على ذوي الشهداء، وبعض المواطنين بصفة حارس، واختصاصات أخرى"، موضحاً أن "رئيس الوزراء العراقي يعمل على إيجاد مخرج مالي، وبوابة لتأمين مرتبات العشرة آلاف وظيفة التي أطلقت للبصرة".



المساهمون