يبرز على ساحة المعارضة السورية تطوران أساسيان: الأول يتمثّل بمساعٍ قائمة لربط الفصائل العسكرية المعارضة المؤثرة على الأرض بالائتلاف الوطني السوري، لكي تكون ممثلة في أي مبادرات مقبلة، فيما سيكون التطور الثاني توجّه الائتلاف لمقاطعة مشاورات جنيف لمنع "أي محاولة لتعويم" نظام الرئيس السوري بشار الأسد بحسب موقف جزء كبير من كتل الائتلاف. وتستكمل الهيئة العامة للائتلاف المعارض اجتماعاتها اليوم الأحد، التي ستتضمن التصويت على مشاركة وفد من الائتلاف في مشاورات جنيف التي بدأت في الخامس من الشهر الحالي برعاية الأمم المتحدة، والتي كان الائتلاف وافق على المشاركة فيها بدءاً من 11 مايو/أيار الحالي إلا أنه تراجع عن قرار الموافقة وربطه بموافقة الهيئة العامة التي ستقرر اليوم ما إذا كان الائتلاف سيشارك في مشاورات جنيف أم سيقاطعها بعد توجيه دعوة رسمية له لمؤتمر الرياض الذي يبدو أنه يعوّل عليه أكثر من مشاورات جنيف وطرح المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا. ويبدو أن تراجع الائتلاف عن قبوله بالمشاركة في مشاورات جنيف التي دعا إليها دي ميستورا، وربط المشاركة بتصويت الهيئة العامة والحصول على الأغلبية النسبية من أصوات الحضور، يعود إلى مجموعة من المتغيرات أهمها بروز أصوات داخل الائتلاف عارضت آلية المشاورات والطرح الذي قدّمه دي ميستورا، فقد تحفّظ "التجمّع الوطني السوري" (ميشال كيلو وكتلة الإخوان المسلمين)، أكبر الكتل السياسية في الائتلاف، على مهمة المبعوث الأممي واعتبرها تساهم في تشتيت الإجماع الوطني على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وإقامة البديل الديمقراطي، وتؤدي إلى بلورة بديل من داخل الصف المعارض لصالح بقاء الأسد في السلطة وإشراك إيران في الحل، علماً أنها طرف في الصراع ضد الشعب السوري ولا تعترف بوثيقة جنيف 1.
كما أن الفصائل الكبرى التي اتفق معها الائتلاف منذ فترة قصيرة والتي يقع على عاتقها تنفيذ مخرجات أي اتفاق قد يحصل في المستقبل، أبدت عدم الرغبة في المشاركة في مشاورات جنيف، نتيجة شكوكها بنوايا المبعوث الدولي لتعويم النظام السوري من جديد، وبالتالي فإن الائتلاف لا يرغب في تعكير صفو العلاقة القائمة لأول مرة مع تلك الفصائل، وخصوصاً أن هناك مشاورات تجري الآن لإدماج الفصائل الكبرى في سورية بالائتلاف الوطني، بحسب ما أكدته مصادر مطلعة داخل الائتلاف لـ"العربي الجديد"، الأمر الذي يرجّح أن يقرر الائتلاف اليوم مقاطعة مشاورات جنيف.
وكشفت المصادر أن كلاً من "حركة أحرار الشام" و"جيش الإسلام" و"فيلق الشام"، هي على رأس الفصائل التي يتم التشاور معها للانضمام للائتلاف. وأوضحت المصادر أن أولى المشاورات بدأت في ندوة دعت لها "هيئة الشام الإسلامية" حملت عنوان "الحل السياسي والتمثيل السياسي"، حضرها ممثلون عن الفصائل العسكرية، منهم قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، وقائد "حركة أحرار الشام" أبو جابر الشيخ، وعدد من أعضاء الائتلاف.
وأشارت المصادر إلى أن هذه الخطوة تأتي بدعم سعودي تركي قطري من أجل ربط الفصائل العسكرية المؤثرة على الأرض بحامل سياسي يمثّلها في المبادرات المقبلة، لافتة إلى أن زهران علوش كان قد التقى في وقت سابق، أعضاء من الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني في إسطنبول.
اقرأ أيضاً: "الائتلاف": المشاركة بمشاورات جنيف خاضع لتصويت "الهيئة العامة"
ويبدو أن التنسيق السعودي التركي القطري، الذي أتى بنتائج ميدانية على الأرض تُوّجت بانتصارات على الجبهات في سورية في الشمال والجنوب، ذاهب باتجاه ترجمة تلك الانتصارات الميدانية إلى انتصارات سياسية، لعل أولى خطواتها أن يكون الجسم السياسي الذي سيمثّل المعارضة في أي مفاوضات سياسية هو ممثّل حقيقي للقوى الرئيسية الموجودة على الأرض، والذي يبدو أنه أهم أهداف مؤتمر الرياض الذي ترعاه السعودية. ويُرجَّح أن تنجح جهود الدول الثلاث (السعودية، وتركيا، وقطر) في خلق حامل سياسي فعلي للمعارضة يرتكز على قوة عسكرية كونها تساهم في دعم كلا الجهتين السياسية والعسكرية.
وأعلن نائب رئيس الائتلاف، هشام مروة، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن الفصائل التي يتم التشاور معها وعلى رأسها "حركة أحرار الشام" و"جيش الإسلام"، لم تبحث مع الائتلاف فكرة الاندماج حتى الآن، مشيراً إلى أن اللقاء التشاوري الأول الذي جمع الائتلاف والفصائل في شهر أبريل/نيسان الماضي اختُصر للاتفاق على بعض النقاط الأساسية للثورة السورية وتوحيد وجهات النظر حول المرحلة الانتقالية.
وأضاف مروة: "نرحب بجميع مكوّنات المعارضة السورية، ونرى أن المكان الحقيقي لها يكون داخل الائتلاف، وذلك لأن الائتلاف حصل على اعتراف 114 دولة"، مبيّناً أن "المادة الثانية من الميثاق التأسيسي للائتلاف تعطي الحق لجميع مكونات المعارضة بالانضمام". وأوضح نائب رئيس الائتلاف أن أي جهة راغبة بالانضمام إلى الائتلاف، عليها التقدّم بطلب الانضمام للجنة العضوية في الائتلاف، والتي تقوم بدورها بإعداد تقريرها وتحويل الطلب للتصويت على الهيئة العامة للموافقة، ويشترط الحصول على ثلثي أعضاء الهيئة العامة لنفاذ القرار.
ووفق مصادر أخرى، فإن الاجتماعات التي يجريها قادة الفصائل في تركيا قد تتمخّض عن دمج كل فصائل الجبهة الشمالية بـ"حركة أحرار الشام"، في حين تندمج فصائل الجبهة الجنوبية بـ "جيش الإسلام"، ويقود كل من هذين التشكيلين جميع المعارك في سورية ضد النظام السوري والتنظيمات الإرهابية كتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وفي حين رفضت "جبهة النصرة" دمج فصائلها الشمالية بـ "حركة أحرار الشام" والفصائل الجنوبية بـ "جيش الإسلام"، سيتم الطلب من عناصرها الانشقاق ومقاتلة كل من تبقى منهم بذات السوية مع "داعش".
اقرأ أيضاً: خارطة طريق مشتركة بين "الائتلاف السوري" و"بناء الدولة" الاثنين