جمال خاشقجي وصحافيون آخرون "شخصية العام": أثرُ الجريمة لا يزول

12 ديسمبر 2018
"الحراس" شخصية العام 2018 (تايم)
+ الخط -
شهران وعشرة أيام. 70 يوماً كاملاً، بنهاراتها ولياليها، مرّت منذ دخل الصحافي السعودي جمال خاشقجي قنصلية بلاده في إسطنبول، ولم يخرج منها. كل الذي حصل في الداخل بات مسرباً ومعروفاً، من الضرب إلى الخنق والتقطيع، وصولاً إلى الكلمات الأخيرة التي نطق بها خاشقجي يومها: "لا أستطيع التنفس" ثم انقطاع النفس والموت.
70 يوماً كاملاً، تضافرت فيها جهود الغرب (الولايات المتحدة وفرنسا بشكل رئيسي) لإبعاد شبح الاتهام عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتبرئته من "العمل الفردي" الذي "بادرت" إليه مجموعة مقرّبة منه، وأدى إلى اغتيال جمال خاشقجي. ورغم كل الأدلة والتسجيلات، ورغم كل التسريبات، لا تزال قضية الصحافي السعودي تدور في دوامة مفرغة، من دون الوصول إلى نهاية حاسمة، تعيد لخاشقجي، كصحافي وكمواطن سعودي، حقاً، قد يحمي في الأيام اللاحقة معارضين ومواطنين من نهاية شبيهة.
اليوم، وبعد هذه الأيام، جاء الإنصاف الأول لجمال خاشقجي: صورته بالأبيض والأسود، وابتسامته الخجولة، تصدّرت غلاف مجلة "تايم"، كواحد من "الحرّاس" الذين اختارتهم المجلة العريقة كشخصية العام. بلباسه السعودي، توسّطت صورته غلاف المجلة، لينضمّ إلى قائمة طويلة من الشخصيات التاريخية التي اختيرت كـ"شخصية العام".
وبذلك يكون جمال خاشقجي أول شخصية متوفاة يتم اختيارها كشخصية العام، في تاريخ المجلة. إذ منذ عام 1927، تعاقب على المطبوعة عشرات الفائزين، لكن كانوا كلهم أحياء، باستثناء جمال خاشقجي. وقد قال رئيس تحرير "تايم" إدوارد فلسنثال، خلال إعلانه اختيار خاشقجي شخصية العام، في برنامج "توداي" على "إن بي سي": "هذه المرة الأولى التي نختار فيها شخصاً لم يعد موجوداً بيننا كشخصية العام. لكنّه من النادر أيضاً أن يتضخّم تأثير شخصٍ ما بوفاته كما حصل في هذه الحالة. وقد أدّت جريمة قتل خاشقجي إلى إعادة تقييم دولي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظرة إلى الحرب المدمّرة في اليمن".



كامل "الحراس"

وإلى جانب الصحافي السعودي اختارت المجلة الصحافية الفيليبينية التي تم توجيه اتهامات إليها بالتهرب من الضرائب بسبب تغطيتها الصحافية، ماريا ريسا، ومراسلي "رويترز" في ميانمار، المدانين، وا لون وكياو سوي أو، وصحيفة "ذا كابيتال غازيت" الأميركية التي تعرّضت لاعتداء.


من هم هؤلاء؟ المجلة نفسها عرفت عن الفائزين بطريقتها: "على ضواحي يانغون، أكبر مدن ميانمار، يجلس صحافيان شابان في سجن يُقال إنّه أحلك حفرة في بورما. هما من جيل الألفية، كما كنا لنسميهما في أميركا - وا لون يبلغ من العمر 32 سنة، وكياو سوي أو يبلغ من العمر 28 عاماً. منشأ اعتقالهما، قبل عام في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2017، هو تقاريرهما لفائدة وكالة "رويترز" والتي كشفت فيما بعد عن إعدام جماعي لـ 10 من مسلمي الروهينغيا، كجزء من حملة عنيفة ضد الأقلية، من قبل جيش ميانمار. تقول تشيت سو وين، زوجة كياو سوي: "لم أتوقع قط أن يتم اعتقاله. كنت أكثر قلقاً بشأن إطلاق النار عليه".
وأضافت المجلة في استحضار لأهمية الإعلام التقليدي في مواجهة طوفان الأخبار عن وفاة الصحافة بشكلها القديم: بينما واجه "فيسبوك" حساباً متأخراً حول كيفية التحكم في السيارة ذاتية القيادة في وسائل الإعلام الاجتماعية، استمر تزايد المخاطر على المصادر التقليدية للمعلومات. في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، قام مالكو أكثر من 400 منفذ إعلامي في المجر "بالتبرع" بالسيطرة لتكتّل مؤيد للحكومة أنشأه حلفاء لرئيس وزراء البلاد. في هذا الربيع، قُتل صحافيان في الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، في عمليّتي دهس وفرار متعمّدتين خلال 24 ساعة. في يونيو/ حزيران، أدت تغطية صحيفة محلية إلى دخول مسلّحٍ إلى غرفة الأخبار في ماريلاند وقتل خمسة موظفين. وفي خريف هذا العام، اضطرت قناة "سي إن إن" إلى إخلاء مكاتبها في نيويورك مرتين بسبب تهديدات بوجود قنابل، وأضافت المجلة: في أعلى أشكاله، ينبع التأثير، وهو المعيار المستخدم منذ تسعة عقود خلال اختيار شخصية العام في تايم، من الشجاعة. مثل كل الهدايا للبشرية، تأتي الشجاعة إلينا على مستويات مختلفة وفي لحظات مختلفة. هذا العام نعترف بأربعة صحافيين ومنظمة أخبار واحدة دفعوا ثمناً باهظاً لاغتنام التحدي في هذه اللحظة: جمال خاشقجي، ماريا ريسا، وا لون وكياو سوي أو، وصحيفة "كابيتال غازيت" من أنابوليس، ماريلاند. وختمت المجلّة بالقول "إنهم يمثلون معركة أوسع نطاقاً من قبل عدد لا يحصى من الآخرين في جميع أنحاء العالم. حتى 10 ديسمبر/ كانون الأول، قُتل ما لا يقل عن 52 صحافياً في عام 2018، الذين يخاطرون بكلّ شيء لرواية القصة في عصرنا".

طريقة الاختيار

منذ عام 1927، تختار المجلة شخصيّةً للعام في شهر ديسمبر/ كانون الاول، من بين مجموعة من الشخصيات التي كان لها أثر في أخبار دولها أو في أخبار العالم خلال السنة. في شهر سبتمبر/ أيلول من كل عام تبدأ المناقشات بين جميع المحررين، إذ يمنح كل محرر 5 دقائق لإقناع زملائه بخياره، كما تأخذ المجلة بعين الاعتبار تفاعل القراء مع مواضيعها خلال السنة، فتعرض لائحة الأسماء الطويلة للتصويت على موقعها. وقد شرحت "تايم" في وقت سابق كيف يتم الإعلان عن الفائز بشخصية العام: "في اللحظة التي تسبق الكشف عن شخصية العام، لا يعرف سوى عدد قليل من موظفي TIME القرار. أما باقي غرفة الأخبار فتبقى في حالة تخمين إلى حين الإعلان الرسمي عن الفائز".


دخول القائمة

ولم يكن خاشقجي ضمن القائمة القصيرة لشخصية العام، سابقاً، بل كانت في البداية تتضمّن اسم محمد بن سلمان، المتّهم بقتله. إلا أنّ ناشطين طالبوا سابقاً المجلة بإعلانه شخصية العام، ويبدو أنّها تجاوبت مع تلك الملاحظات، فوصل اسم خاشقجي إلى القائمة النهائية القصيرة.
وقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وبعد 18 يوماً من النفي، اعترفت السعودية بمقتله، لكنّها قدّمت روايات متضاربة، قبل أن تعلن أنّها تحقق وتحاكم متورطين في الجريمة. وقالت تركيا إنّ اغتيال خاشقجي تمّ بأوامر مسبقة، مشيرةً إلى أنّه تم تقطيع جثّته بمنشار.
ويتّهم حقوقيون وسياسيون وصحافيون ومتابعون حول العالم ولي العهد محمد بن سلمان بالوقوف وراء اغتيال خاشقجي، على اعتبار أنّ رجاله لم يكونوا ليتّخذوا قراراً كهذا من دون علمه.




سابقة العام

وهي المرة الأولى التي يصبح فيها صحافي أو عدة صحافيين شخصية العام بالنسبة للمجلة التي تمنح هذا اللقب منذ عام 1927. وبذلك تقدم الصحافيون على دونالد ترامب الذي اختير شخصية عام 2016 وحل ثانياً السنة الماضية، بعدما كان المراهنون يعتبرونه الأوفر حظاً. وهي المرة الثانية على التوالي التي تختار فيها المجلة مجموعة أشخاص وليس شخصية واحدة. ففي عام 2017 اختارت الأشخاص الذين "كسروا جدار الصمت" في مواجهة التحرش الجنسي، ما أثار سلسلة اتهامات ضد رجال نافذين في العالم. وحل المدعي الخاص روبرت مولر المكلف بالتحقيق في التواصل بين حملة فريق ترامب الرئاسية وروسيا، في المرتبة الثالثة للتصنيف.


دلالات