جمال السجيني.. مئوية بلا توثيق

01 مايو 2017
(من صور السجيني التي يعرضها الفيلم)
+ الخط -
يحتفي عدد من صالات عرض وكليات فنون في القاهرة هذا العام بمئوية أكثر من فنان تشكيلي مصري من خلال إقامة معارض استعادية تضمَ جزءاً من أعمالهم لا تمثّل بالضرورة مجمل تجاربهم ومراحل تطوّرها، كما تفتقر أغلب هذه المعارض إلى بعد توثيقي لحياة الفنان ومكانته في الحقبة التي عاشها.

في هذا السياق، شهدت العاصمة المصرية خلال الشهر الماضي افتتاح معرضٍ لـ محمد صبري (1917) أحد روّاد فن الباستيل في مصر، وآخر لـ سيد عبد الرسول (1917 – 1995) الذي تحتشد أعماله أيقونات أسطورية لا تزال حاضرة في الحياة المعاصرة، وثالث لـ جمال السجيني (1917 – 1977)، الذي قدّم أكثر من ألف عمل تعبّر عن أحداث ورموز وطنية في التاريخ الحديث.

الفنانون الثلاثة الذين ينتمون إلى الجيل الثاني في تاريخ التشكيل المصري، لم يكن حظّهم أفضل بكثير من المؤسّسين الذين سبقوهم، حيث لن نعثر إلا على القليل من الكتابات النقدية حول فنهم وتغلب عليها الانطباعات بالضرورة، ويجري إعادتها وتضمّينها في كتيبات وأوراق توّزع حين تنظّم معارض أو ندوات في ذكرى رحيلهم.

ولا تختلف الحال عند تقليب السير التي تُنشر لتسجيل تاريخ كلّ فنان مصري، إذ يغيب في معظمها ذلك الأرشيف الذي يشير إلى علاقاتهم مع أساتذتهم ومجايليهم ومن تأثّر بهم، ولا يوجد سوى القليل من الصور والفيديوهات التي تعرض حياتهم داخل المراسم أو في الكليات – لمن مارس التدريس منهم- أو لنقاشاتهم في الصالونات أو الندوات العامة.

كما يندر أن نعثر على المصادر التي كوّنت معرفتهم في الفن وأثرت على نتاجاتهم، إذ لم تجر معهم مقابلات مطوّلة، ولم تُنتج أفلام وثائقية تتناول بالتفصيل رحلة كلّ واحد من هؤلاء الفنانين منذ مولده مروراً بتعليمه المدرسي والجامعي، وصولاً إلى منجزه العملي والقصص التي تقف وراء أعماله أو بعضها.

يعدّ معرض جمال السجيني الذي افتتح في "مركز محمود مختار الثقافي" في القاهرة ويتواصل حتى الثامن من الشهر المقبل، أحد الأمثلة الحيّة لفقدان دور المؤرّخ للفن في الثقافة المصرية والعربية عموماً، حيث وزّع كتاب "الذكرى المئوية للسجيني" الذي أصدرته "قاعة الزمالك للفن"، وهو أحد بضع كتب نُشرت حول النحات في الفترة الأخيرة، وتكتفي جميعها بوصف عام لمجمل التجربة ونماذج منها.

وإلى جانب ذلك أعيد عرض فيلم "فارس النهر" (2012) لـ جمال قاسم، وهو الفيلم الوحيد الذي أنتج عن صاحب "العبور"، ورغم أن مخرجه قد تفرّغ لصناعة أفلام تسجيلية تتناول المشهد التشكيلي المصري إلا أن عمله عن السجيني اقتصر على نقل شهادة ابنه محمد حول علاقته بالفن على مدار 21 دقيقة، ومنها شهادته حول حادثة إلقاء والده مجموعة تماثيل له في النيل عام 1969، احتجاجاً على تجاهل المؤسسة الرسمية لعرضها آنذاك.

ربما ليس هناك قيمة توثيقية حقيقية للفيلم، لكنه يُلقي الضوء على مأساة السجيني الذين آمن بالدولة المصرية بوصفها راعية للفن والجمال، فأصابه الخذلان مبكراً ليرحل بحسرته قبل أن يكمل ستين عاماً.

دلالات
المساهمون