جريمة خاشقجي: أميركا تمهل السعودية لتقديم روايتها

19 أكتوبر 2018
أمهل بومبيو بن سلمان 72 ساعة لإنهاء "تحقيقه" بالقضية(Getty)
+ الخط -
بدا في اليوم الـ18 لما بعد جريمة تصفية الكاتب والصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول، أن المملكة تواجه تهديداً جدياً بعزلة اقتصادية ــ سياسية تكثر مؤشراتها من بوابة مقاطعة وزراء الدول الغربية، وممثلي كبريات الشركات التجارية والإعلامية، لمؤتمر "دافوس في الصحراء" المقرر في الرياض الأسبوع المقبل، في ظل ملامح عزلة سياسية يقاطعها طبعاً كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اللذين يبديان تعاطفاً لافتاً مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المتهم الرئيسي بإصدار أمر تصفية جمال خاشقجي. وفي ظل عجز السلطات التركية عن العثور على ما بقي من جثة خاشقجي، واتساع التفتيش الدقيق إلى غابات إسطنبول ومناطق بعيدة عن مكان ارتكاب الجريمة في القنصلية، ظلت التسريبات الأمنية حول التحقيقات والأدلة، بشأن الضغوط السياسية على الرياض، سيدة الموقف، في ظل معطيات الإعلام الأميركي عن إنذار جدي صدر من واشنطن للرياض بضرورة إخراج تقرير رسمي عن تحقيقاتها بالجريمة، في غضون أيام، وهو ما اعترف بحصوله وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أمس. 
وقد ألغى وزراء بارزون من أميركا وفرنسا وبريطانيا وهولندا أمس الخميس مشاركتهم في مؤتمر الرياض الاستثماري المقرر بين 23 و25 الشهر الحالي، على خلفية أدلة تورط السلطات السعودية بجريمة الثاني من أكتوبر. وأعلن كل من وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوتشين والاقتصاد الفرنسي برونو لومير ووزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس ووزير المالية الهولندي فوبكه هوكسترا عدم مشاركتهم في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" وذلك بعدما ألغت شخصيات مثل مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد والحكومة الألمانية والعشرات من أصحاب الشركات والمؤسسات الإعلامية مشاركتها في المؤتمر المذكور والذي كانت المملكة تنوي تنظيمه بحضور 1500 مدعو من كبار السياسيين ورجال الأعمال والمال والإعلام.

وأعلن بومبيو من البيت الأبيض، بعد لقائه ترامب، أمس، أنه أطلع رئيسه على زيارته للسعودية وتركيا وأن السعوديين أكدوا له أنهم سيجرون "تحقيقاً وافياً"، وأنه منح الرياض "بضعة أيام أخرى من أجل التحقيق قبل صدور الرد الأميركي"، من دون أن ينسى تكرار رئيسه عن "ضرورة أن نتذكر علاقات أميركا الاستراتيجية الطويلة مع السعودية" في إطار محاولة إدارة ترامب التوصل إلى صفقة تحمي فيها أعلى هرم السلطة من الإدانة في إصدار أمر التصفية. وفي السياق، أكد موقع "أكسيوس" ما نشرته شبكة "سي أن أن" أمس الخميس، حول مضمون اللقاء بين محمد بن سلمان وبومبيو يوم الثلاثاء الماضي في الرياض، لناحية أن بومبيو أمهل بن سلمان 72 ساعة، لإنهاء "تحقيقه" في القضية، وهو ما جاهر به بومبيو لاحقاً، تحت طائلة "خسارة السعودية مكانتها على الساحة الدولية". وبحسب مصادر "سي أن أن" من داخل الإدارة الأميركية، فإن بومبيو أبلغ بن سلمان أن "عليه الإمساك بالوضع وأن يعترف، وأنّ كل تفصيل حول الحادثة يجب أن يخرج إلى العلن". ووفق المصدر نفسه، فإن الابتسامات التي اضطر الرجلان إلى رسمها على وجهيهما خلال التقاط الصورة، لم تكن تعبر عن الجو الحقيقي للقاء المتوتر. وشدد وزير الخارجية الأميركي خلال لقائه بن سلمان، بحسب مصدر "سي أن أن"، على أن "الوقت ضيق"، وأن على السعوديين "التعامل مع المتورطين في الجريمة بأقسى العقوبات". وقال بومبيو أيضاً لابن سلمان، إنه "إذا لم يقم السعوديون بما يجب عليهم، فإن الولايات المتحدة ستتعامل بنفسها مع المسألة، لأن العالم بأسره سيطالب بذلك، وإن يد ترامب ستكون غير قادرة على فعل شيء، بسبب الضغط الدولي".


وفي إطار التسريبات أيضاً، نقلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، بقلم جورج مالبرونو المعروف بصلاته مع الأجهزة الأمنية الفرنسية، عن "مصادر" أن هيئة البيعة في السعودية اجتمعت سراً لاختيار ولي لولي العهد. ونقلت الصحيفة الفرنسية اليمينية، عن مصدر دبلوماسي، أنه إذا تم تعيين السفير السعودي لدى واشنطن خالد بن سلمان في هذا المنصب، فإن ذلك سيعني أن ولي العهد محمد بن سلمان سيغادر منصبه، ولكن ليس فوراً وإنما على المدى المتوسط. وبحسب "لوفيغارو"، فإنه على ضوء الضغوط الدولية المتزايدة التي سببتها قضية خاشقجي، بدأت هيئة البيعة منذ أيام النظر وبأعلى درجات الاهتمام في ما سمّته قضية محمد بن سلمان، الذي تحوم حوله الشكوك. وعن هذا الموضوع، اعتبرت صحيفة "التايمز" البريطانية أنه مع تنامي الغضب والضغوط بشأن قتل خاشقجي، وشكوك واشنطن على ما يبدو في أن محمد بن سلمان قد يكون قد أمر بقتله، فإن "مناقشة إيجاد بديل لبن سلمان تظل أسهل في الحديث عنها من تنفيذها، إذ إن أسوأ سيناريو يمكن أن يتصوره الأميركيون أو البريطانيون هو أن يُهدَّد استقرار السعودية". وتقول الصحيفة إنه إذا قرر الملك سلمان "التضحية" بولي العهد، فإنه على الأرجح سيفضل أن يظل المنصب في هذا الفرع من العائلة وهو ما يجعل الأمير خالد سفير السعودية في واشنطن، أحد البدائل المحتملة.

أما على صعيد التحقيقات، فإن عملية تفتيش منزل القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، التي دامت 9 ساعات حتى فجر أمس، وعودة فريق التفتيش إلى القنصلية، لم تسفرا على ما يبدو عن العثور على الجثة أو على بقايا منها، وهي المسألة الأشد تعقيداً بالنسبة للأمن التركي، بما أن تفاصيل الجريمة باتت واضحة وموثقة بالنسبة لها، لكن العثور على الجثة أو على بقايا منها يبقى الأمر الأهم لكشف كل خيوط الجريمة. وتبحث السلطات التركية في 3 أماكن متباعدة جداً في إسطنبول (التي تبلغ مساحتها 5 آلاف كيلومتر مربع أي نصف مساحة لبنان تقريباً)، بما أنها تعتقد بأن السيارة التي نقلت الجثة، تنقلت بين هذه المناطق الثلاث. وأحد هذه الأماكن، غابة بلغراد الكبيرة في ضواحي إسطنبول، حيث رصدت الكاميرات السيارة المذكورة وهي تتجول فيها بعد خروجها من القنصلية في 2 أكتوبر. كما تبحث في أماكن أخرى تقع في الجانب الآسيوي من إسطنبول، وقد انتقلت إليها السيارة بعد تنفيذ الجريمة في ذلك اليوم. وأوضحت قناة "إن تي في" التركية أن قوات الشرطة تعمل على البحث والتدقيق في كاميرات المراقبة المتواجدة على مداخل ومخارج الغابة. أما صحيفة "يني شفق" الموالية للحكومة التركية، فقد تحدثت أمس عن بدء السلطات السعودية تصفية عناصر من فريق قتل خاشقجي، وهو ما تقول الصحيفة إنه انطلق في موت الملازم في القوات الجوية الملكية السعودية مشعل سعد البستاني بحسب الصحيفة، البالغ من العمر 31 عاما، في "حادثة سير مشبوهة في المملكة بهدف إسكاته عن الكلام"، على ذمة "يني شفق". وأضافت الصحيفة أن البستاني هو أحد عناصر الفريق المكون من 15 شخصا، ممن جاؤوا بالطائرتين الخاصتين إلى إسطنبول، وغادروا فور انتهاء تنفيذ مهمتهم. كذلك نشرت صحيفة "صباح" الموالية أيضاً، صوراً لتسجيل كاميرا مراقبة يظهر كل تحركات المشتبه بأنه منسق عملية القتل في إسطنبول، ماهر عبد العزيز مطرب، العقيد في الاستخبارات السعودية المقرب من ولي العهد. ويظهر مطرب وهو خارج منزل القنصل السعودي بعد ظهر يوم التصفية، وكذلك وهو ينهي حجزه في أحد الفنادق التركية ويغادر البلاد في الثاني من أكتوبر. وقد ظهر تماثل في مواقف ترامب وبوتين حيال قضية خاشقجي، إذ استغرب الرئيس الروسي دعوات إصدار موقف إزاء القضية، وقال إنه "لا يمكننا إفساد العلاقة مع السعودية ما لم تكن لدينا حقائق ملموسة"، في تماثل مع موقف ترامب الذي يكرر بأن المصالح الأميركية التجارية تلزمه بالاستهتار بجريمة من هذا الحجم قد تكون ارتُكبت بأمر من رأس هرم السلطة السعودية.

المساهمون