جريمة الرفق بالحيوان

04 مايو 2014

© Simona Dimitri 2013

+ الخط -
أعترف، بدايةً، بأنني لا أحب القطط، بتعبير أدق: أخشاها على الرغم من علمي الأكيد أنها غير قادرة على إيذائي. هذه، ببساطة، عقدة نفسية، أعاني منها، تشبه عقدة الخوف من المرتفعات، أو الأماكن الضيّقة. مع ذلك، أتفهّم وأحترم مشاعر محبي القطط وسائر الحيوانات، وأرى ذلك امتيازاً إنسانياً ينمّ عن نفوسٍ مُحبّةٍ عطوفة تستحق الاحترام، لكن الأمر ليس كذلك دائماً في ثقافتنا: بعضهم يرى أن الاعتناء بالحيوان ترفٌ لا تقدر عليه شعوبنا المطحونة. 
نشرت مواقع إلكترونية أردنية، قبل أعوام، قصة اعتبرها بعضهم جريمة كبرى، وفي أحسن حال، اعتبرها هؤلاء ترفاً غير مشروع، وسلوكاً برجوازياً، لا يخلو من استعراض، وانهالت تعليقات غير لائقة وصلت إلى حد الإهانة والتجريح التي نالت من كرامة بطلة القصة المتهمة بجريمة الرفق بالحيوان، لأنها، ببساطة، امرأة تحب القطط، وتربي في بيتها واحدة، وفقدتها. وتم في تلك التعليقات الغاضبة تحميل حكاية قطة السيدة التائهة تبعات قضايا المنطقة الشائكة، بدءاً من البطالة والفساد والفقر والجريمة والجوع، كما اقترح عليها أحد المعلّقين الانتحار سخريةً واستخفافاً. حزنتُ كثيراً من أجل تلك السيدة التي فقدت قطتها، فاستعانت بالأمن، وأعلنت عن مكافأة مالية لمَن يعثر على القطة.
ومعروف أن أخباراً كهذه كانت ستعتبر عاديةً جداً، بل أقل من ذلك، لأنها تعبّر عن سلوكٍ إنسانيٍ رقيق رحيم تجاه مخلوق ضعيف، لو أن ذلك حدث في الغرب الذي نعدّه متوحشاً، فالإجراء الطبيعي عندما تضيع قطة أحدهم هناك أن يحاول العثور عليها بكل الوسائل الممكنة. وإذا علقت قطة شقيّة بين أغصان شجرة، فإن كوادر الدفاع المدني والمطافئ تُسخّر وتُستنفر لغايات إنقاذها، وحين يصادف أحدهم حيواناً جريحاً، فإنه يهبّ لنجدته بشكل عفوي، بل يتعرض لمحاكمةٍ، ولعقوبةٍ تصل إلى السجن، لو تعرّض لحيوان بأذى، ويذهب بعضهم بعيداً في التعلّق بحيواناتهم الأليفة، فيورثونها ثرواتهم الطائلة، ويقيمون الحداد والنصب التذكارية لحيواناتهم الراحلة، وثمّة دور حضانة وعيادات طب نفسي، ومراكز تَبَنٍ، وبيوت أزياء متخصصة بالقطط والكلاب. غير أن أخباراً فانتازية كهذه تنشر، عادة، من باب الطرائف والغرائب حصراً.
في أثناء إقامتي في الولايات المتحدة، كان ثمّة كلب ذكي لعجوزٍ أميركية، من أصول عربية، لطالما عانى من توتر نفسي حاد كلما زار صاحبته عرب وافدون، لأنهم يبدون ضيقاً وخوفاً واضطراباً، بسبب وجوده في الحجرة، يتصرف باسترخاء أهل الدار، فتضطر العجوز لإرساله إلى القبو، إلى حين مغادرتنا، حتى أنه صار يهبط الدرجات، من تلقاء نفسه، مجرد سماعها تتكلم اللغة العربية المكسرة. أخبرتنا بكل تأثر أنه كان يعتب (ويحرد) منها، لأنها تسيء إلى مشاعره، من أجل بني جلدتها. ولم تكن تقول ذلك بسخرية، بل كانت جادة في كل حرف، وأظن أنها عاشت صراعاً حقيقياً بين مشاعر الحنين إلى وطنٍ غادرته منذ زمن طويل، تستعيد بعضه في التواصل معنا، وإحساسها بذنبٍ فظيعٍ تجاه كلبها الوفي. وكلي يقين أنها حسمت صراعها لصالح الكلب مرهف الحس، لأنها كفّت عن توجيه الدعوة لأيّ منّا حرصاً على مشاعره من الأذى. لم تكن السيدة برجوازية جوفاء تمارس الاستعراض، بل كانت امرأة عاملة، كدحت عمراً من أجل أن تحظى بشيخوخة مريحة، وكانت تتمتع بقلب معطاء عطوف، يدرك معنى قيمة الحب، بمعناها البسيط الجميل الذي يطغى ليشمل الكون بأسره، وهذه مهارة يفتقر إليها كثيرون منّا لشديد الأسف!
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.