جرعة كوكايين

05 سبتمبر 2018
"لن ندعه يشعر بأنّه مغبون" (Getty)
+ الخط -

"أقول دائماً للأهل: عندما تعطون ولدكم جهازاً لوحيّاً أو هاتفاً ذكيّاً، فإنّكم في الواقع تضعون بين يدَيه زجاجة نبيذ أو غراماً من الكوكايين". حازمةً بدت ماندي ساليغاري، المتخصّصة البريطانيّة في شؤون الإدمان، وهي تحذّر من خلق مدمنين جدد في إحدى الندوات.

نتأفّف. لا بدّ من أنّ في ذلك الكلام مبالغة كبرى. الأمر مجرّد طريقة لإثارة الخوف والقلق في نفوس الأهل حتى يتمكّنوا من ضبط سلوكيّات أولادهم في هذا السياق. ونضيف إنكاراً جديداً إلى قائمة طويلة من الشؤون التي نعجز عن الإقرار بها في ما يتعلّق بتربية أولادنا. دائماً، ثمّة من يدّعي معرفة أكبر من معرفتنا في هذا السياق. ونشعر بامتعاض. لا شكّ في أنّنا ندرك أكثر من الجميع مصلحة صغارنا. في النهاية، هم فلذات أكبادنا.

ويتكرّر مصطلح "إدمان الشاشات". نحاول إشاحة نظرنا وسمعنا. ونعد صغيرنا بجهاز لوحيّ جديد بمناسبة عيد ميلاده، أو بالطراز الأخير من هاتفه الذكيّ المفضّل، إذا أنهى بنجاح الفصل الأوّل من السنة الدراسيّة التي تنطلق قريباً. نسيبته حظيت أخيراً بـ"تابلت" جديد. لن نحرمه من شيء. لن ندعه يشعر بأنّه مغبون. من جهة أخرى، فإنّ كلّ ما يُشاع في هذا المجال يردنا من "الغرب". هناك، الأمور أكثر تفلّتاً. لو أنّ في الأمر أيّ ضرر يُذكر على مجتمعاتنا، لكانت صدرت دراسات محليّة.

في واحد من الاختبارات الغربيّة - الغريبة عنّا - حول ذلك الخطر الجديد الذي يتهدّد الأطفال، نجحت شركة منتجات غذائيّة في لفت انتباه الأهالي من خلال أربع عائلات بريطانيّة عاديّة. كان هدف الاختبار مراقبة ما يدفع أولاد تلك العائلات إلى الإشاحة بأنظارهم عن شاشات أجهزتهم، في حين أنّ الواقع يتغيّر من حولهم. في البداية، كان الأمر بسيطاً مع تغيير لوحات فنيّة معلّقة في داخل المنازل، إلا أنّ ذلك لم يثر أيّ ردّ فعل لدى الصغار. في خطوة أكثر "جرأة"، استُبدلت الوالدة بامرأة غريبة. النتيجة نفسها. الأطفال لا يلاحظون شيئاً. فيُضاف أفراد جدد إلى العائلة وينضمّ إخوة وأخوات غرباء إلى الصغار المأسورين بأجهزتهم، من دون أن يحوّل الأخيرون أنظارهم عن شاشاتهم. وفي النهاية، استلزم الأمر قطع إرسال الإنترنت حتى يكتشف الأطفال أنّ العالم الواقعيّ من حولهم قد تغيّر.




الأمر مقلق جداً. هذا ما شعرت به البريطانيّة نويل جانيس نورتون المتخصصة في شؤون التعلّم والسلوك، مؤكّدة أنّه "كلّما قضى الأطفال وقتاً أكبر أمام الشاشات، فإنّهم لن ينظروا كفاية إلى الآخرين في عيونهم. ومن دون ذلك الاتصال المباشر، فإنّهم يعجزون عن فكّ رموز التواصل الاجتماعيّ (الواقعيّ) ويتوقّفون بالتالي عن تعلّم كيفيّة العيش في المجتمع". وتجزم بأنّ "ثمّة تأثيرات مباشرة في الدماغ وفي التعلّم شبيهة بالتأثيرات التي نلاحظها مع أيّ مادة تتسبّب في الإدمان، بما في ذلك المخدّرات".

لنتأفّف بقدر ما نشاء. لكن، دعونا نحذر من جرعة زائدة... أو أكثر.