جرحى يوم الأرض: إصابتنا فخر لنا

سخنين

ناهد درباس

ناهد درباس
30 مارس 2017
9F813A37-D2F9-4020-92B5-E0290D12DA33
+ الخط -
جرحى يوم الأرض من بلدة سخنين في الداخل الفلسطيني يعودون بذاكرتهم إلى مشاهد انتفاضتهم قبل 41 عاماً، ويسردونها بأدق تفاصيلها. كل من عاش هذا اليوم يقول إن الجيش الإسرائيلي حوّل الأحياء السكنية إلى ساحة حرب ضد شعب أعزل. والجميع يشهد على التصدي واستبسال أهالي سخنين وعرابة ودير حنا في يوم الأرض في 30 مارس/آذار 1976. عمر أبو ريا، مواليد عام 1957 وجريح يوم الأرض، يعمل محاسباً. يسرد لـ"العربي الجديد" قائلاً: "كنت يومها ابن 18 سنة طالبا في المرحلة الثانوية، أصبت يوم 30 آذار، عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، على بعد 150 متراً عن داري. أصبت بعيار ناري في كتفي اليمين، اخترقتها الرصاصة وخرجت من ظهري".

يوم 29 مارس هي ليلة يوم الأرض، عندما حاولت سلطات الاحتلال أن تصادر 29 دونماً من منطقة "تسعة" من أرض المَل، وهي أراض تابعة لسخنين وعرابة ودير حنا، وتمثل اليوم أراضي واسعة مليئة بأشجار الزيتون. ويضيف أبو ريا أن الناس جميعهم رفضوا المصادرة وقرروا المواجهة وفق مبدأ "نكون أو لا نكون". ويتابع أنه رداً على قرار المواجهة، بدأت سلطات الاحتلال في "الإجراءات التعسفية بإدخال الدبابات والمجنزرات". ويتذكر أنهم "بدأوا من دير حنا شرقاً، واستمرت المواجهات حتى ساعة متأخرة من الليل، وواصلوا تقدمهم نحو عرابة وهناك استشهد الشهيد الأول خير ياسين. وعندما سمعنا الخبر بسخنين هبت الناس، شباب، صبايا، أطفال وكبار السن، جميعهم خرجوا إلى الشوارع". ويقول إن "الشعور العام كان أن هناك احتلالا، أجواء حرب"، لافتاً إلى أن المواجهات استمرت حتى ساعات الليل المتأخرة.

وفي 30 مارس، كانت مكبرات الصوت تنادي بحظر تجول منذ الصباح، وفق رواية أبو ريا. ويضيف "خرجت مع إخوتي في الصباح إلى المواجهات مع كل أبناء سخنين، وأصبت الساعة العاشرة والنصف صباحاً، بحي عمي أبو الناجي". ويتذكر أن "الناس كانت لا تهاب الموت، وفتحت صدورها للرصاص ولا تخاف الموت. كان يهمنا كرامة شعبنا والمحافظة على الأرض".


ومن بين المشاهد التي يستحضرها، لحظات سقوطه جريحاً. ويقول "كان بيدي حجارة قبل الإصابة، كنت أصرخ ونردد شعارات، وتم قنصي من قناص إسرائيلي. بعدها أخذوني ووضعوني بدار سكن قديمة، ومن هناك أخذني المواطن صبحي بدارنة، كان لديه سيارة سوبارو خضراء، وضعوني في السيارة وكان معنا شخصان آخران". وعن وضعه في تلك اللحظة، يروي قائلاً: "كانت إصابتي جداً بليغة وكنت أنزف باستمرار، وكانت الرصاصة تبعد عن عمودي الفقري فقط سنتيمترين. وبعد انطلاق السيارة وابتعادها مسافة 50 متراً، أوقفنا حاجز للجيش الإسرائيلي الذي اعتقل عناصره الشخصين اللذين كانا برفقتي، لكني استمررت مع السائق حتى مستشفى نهاريا". وهناك "كان استقبالنا سيئاً جداً" يقول أبو ريا، مشيراً إلى أنه بقي في المستشفى أربع ساعات وهو ينزف، ويتذكر ممرضة اسمها أليس من قرية البقيعة في الجليل وأخرى جهينة، كيف كانتا تضعان القطن على الجرح وهما تبكيان تأثراً بالإصابة. لكن "الطاقم الطبي الإسرائيلي كان يقول لهما، حتى لو مات ليس شأنكما"، وفق رواية أبو ريا، الذي مكث لمدة شهرين للعلاج، وخرج بعدها من المستشفى بيد مشلولة. ويؤكد أن شعوره كان "على الرغم من الألم، شعور معزة وكرامة وصمود، لأن ما صنعناه في هذا اليوم أتى بثماره"، وفق تعبيره.

علي شلاعطة، جريح يوم الأرض كان ابن 22 سنة، وكان متزوجاً ولديه ثلاثة أبناء. وأصيب برصاصة في رجله يوم 29 مارس/آذار 1976. جرح إذاً في اليوم الذي تم فيه الإعلان عن الإضراب من قبل فلسطينيي الداخل. ويقول: "خرجت الساعة الثامنة مساء من البيت بعد عودتي من العمل، كنت أعمل في نقل سفريات، باتجاه مركز البلد مكان دوار شهداء الأقصى اليوم". ويضيف أن "آلاف الناس كانوا من نساء ورجال وشبان، وكان رئيس المجلس في حينها جمال طربيه موجود أيضاً". ويتابع أن والدته كانت تناديه ولا تريده أن يذهب إلى الخارج. ويتذكر أن المواجهات تمركزت في منطقة البركة وتحولت البلدة إلى شبه ساحة حرب وامتدت على طول الشارع الرئيسي.

وعندما كنا في وسط البلدة، عند الساعة الثامنة والنصف مساءً، وصلت سيارة "تاكسي" وخرج منها رجل وقال "نريد همتكم، أهالي عرابة ماتوا". وكانت السيارة تنقل جثة الشهيد خير ياسين من أهالي سخنين. ويضيف "توجهت إلى الشرق وكان وقتها هناك بركة مياه والشارع قليل العرض". وكانت أجواء معركة حرب شاملة، إذ كان هناك مصفحات عسكرية ودبابات وقناصون وجنود وعشرات الجرحى، بحسب ما يتذكره شلاعطة. ويستطرد قائلاً إنه بعد منتصف الليل، قرابة الساعة الواحدة، دخلت مصفحة وقوة من وحدة "جولاني" في جيش الاحتلال، من جهة اليسار، "وكنت في حاكورة (قطعة أرض مسيجة) حيث أصبحْت مطوقاً من الشرق والشمال ومن الأمام، وقررت أن أنطلق من ناحية الغرب باعتبارها الجهة الوحيدة التي كانت أمامي، فاكتشفني الجيش، وأطلقوا الرصاص عليّ. وعندها قابلت شخصين من سخنين وعرفتهما على نفسي وقلت لهما إنني مصاب برصاصة في رجلي". وعلى الرغم من هذا الوضع، رفض أن ينقلوه إلى مستشفى إسرائيلي "نتيجة الأجواء العدوانية"، وفق قوله. وأخذوه لتلقي العلاج إلى المستشفى "الإنكليزي" في الناصرة، وهناك مكث لمدة أسبوعين وأجريت له عمليتان، بحسب روايته. ولا يزال شلاعطة يعاني من مشاكل في رجله وظهره حتى اليوم. لكنه يقول: "أفتخر بالإصابة وأعتبرها شرفا لي حتى القبر".

ويختم حديثه بالتأكيد على أن "يوم الأرض يوم ناصع ووطني لولا الأرض لما كنا موجودين، هذه المعركة وهبة الجماهير كانت تستحق ذلك لأننا أفلحنا في الحفاظ على منطقة رقم تسعة من أراضينا. لو خسرنا هذه المنطقة كنا خسرنا كل شيء لأنهم طوقونا"، وفق تعبيره.

ذات صلة

الصورة
آثار القصف في منطقة البقاع في لبنان (حسين بيضون)

سياسة

تعدّدت جرائم الحرب ومنفذها واحد، وهو احتلال باتت مجازره يومية بحق المدنيين في لبنان وسلوكه مركَّز على التهجير، والتدمير، مستغلاً الصمت الدولي على انتهاكاته.
الصورة
جنود الاحتلال في مدينة غزة شمالي القطاع / 27 يناير 2024 (Getty)

سياسة

وقع 15 جندياً على رسالة أعلنوا فيها أنهم سيرفضون مواصلة الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي دون إبرام صفقة لتحرير المحتجزين في غزة.
الصورة
واجهة زجاجية مهشمة في إحدى غرف مستشفى بيروت الحكومي (حسين بيضون)

مجتمع

تواجه المستشفيات في لبنان تهديدات إسرائيلية تذكر اللبنانيين بما شهدوه في قطاع غزة على الشاشات، ويسعى المعنيون إلى مناشدة المسؤولين الدوليين لتحييدها
الصورة
الاحتلال الإسرائيلي يمنع قطف الزيتون في قرية بركة، رام الله في 20 أكتوبر 2024 (الأناضول)

اقتصاد

منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الأحد، مزارعين فلسطينيين ومتضامنين من الوصول إلى الأراضي لقطف الزيتون في قرية برقة شرق رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة.
المساهمون