جداريات الحج... فن شعبي عريق

15 سبتمبر 2016
لفتت جداريات الحج المستشرقين (Getty)
+ الخط -
مع اقتراب نهاية موسم الحج، ودنو موعد عودة الحجاج في ريف مصر والصعيد إلى ديارهم؛ تنشط حركة تشكيلية شعبية ذات سمات موروثة. ويعد الرسم الديني على الجدران، وتزيين المنازل بالصور والكلمات، من أبرز الأنشطة الشعبية المرتبطة بهذه الشعيرة، فرسم لوحة تعبر عن الرحلة إلى الأماكن المقدسة على واجهات الجدران بمثابة تكريم للبيت وأهله، وإعلانٌ بأن صاحب الدار قد قام بتأدية شعيرة الحج التي لم يكن يقوم بها حتى وقت قريب سوى صفوة المجتمع الريفي والشعبي.

في العادة، يقوم بهذه العملية فنان شعبي مغمور، وربما غير محترف، ويكون موعد إتمام اللوحة قبل وصول الحاج إلى بيته، وهي رسوم على بساطتها وعفويتها، تكون محملة بالرموز الدينية والوظائف الجمالية، ومن أشهر رموزها: رسم الكعبة والمسجد النبوي، ورسم وسائل النقل والمواصلات، مثل الإبل والبواخر والقطارات والطائرات، إلى جانب بعض النصوص المرتبطة بالحج، سواء الآيات القرآنية أو الأحاديث المنسوبة للرسول حول فضل زيارة قبره وعظمة بعض الأماكن. مع بعض العبارات الترحيبية التقليدية بالحاج، وتهنئته بعودته سالماً غانماً.

وقد لفتت جداريات الحج المستشرقين في وقت مبكر. ذكر المستشرق، إدوارد وليم لين، (1801-1876) في كتابه "المصريون المحدثون: عاداتهم وشمائلهم" الجداريات قائلاً: "والعادة أن يزين مدخل بيت الحاج قبل قدومه بيوم أو أكثر، فيُصبَغ الباب، وتُطلى واجهة البيت بالغراء والكلس على التعاقب، أو بطريقة مشابهة، بخطوط أفقية عريضة بالأحمر والأبيض، إذا كانت من الآجر".

كما يعد الكتاب المصوّر "رسومات الحج" (Hajj Painlings) للكاتب الأمريكي، آفون نيل، وزميلته المصورة الفوتوغرافية، آن باركر، من أهم الكتب التوثيقية لفن الجداريات الشعبية الخاصة بشعيرة الحج، خاصة أن المواد التي تُرسَم بها تلك اللوحات تكون قابلة للإزالة والضياع بعد عدة سنوات بسبب عوامل التعرية وغيرها. وقضى المؤلِّفان حوالي عشرة أعوام كاملة في جمع الصور، وتحرير مادة الكتاب الذي نشر الكتاب لأول مرة سنة 1995 في نسخته الإنجليزية، قبل أن يصدر مترجماً عن "المركز القومي للترجمة".

تقول آن باركر في تصديرها للكتاب: "إننا سنجد مناظر متعددة تعبر عن المعتقد الديني لأصحاب البيوت التي صوَّرت على جدرانها جوانب متعددة من حياة أصحابها. كما أن مناظر الحج ذاتها تعبر عن الاحتفاء والسعادة بإتمام هذا الواجب الديني". وتضيف باركر أنه عندما يذهب أحد المسلمين المصريين للحج؛ يعود فيجد بيته قد زين برسومات تصور المعالم التي شاهدها في رحلته.

وهي تفسر انبهارها الشديد برسومات الحج في مصر بما تحمله من مهارة إبداعية وتنوع جميل، سواء أكان ذلك في المجتمعات الريفية على ضفاف النيل أو في الدلتا أو على شاطئ البحر الأحمر أو في داخل سيناء. وتقول: "لقد شد انتباهي أول الأمر منظر منزلٍ رأيته عبر نافذة القطار السريع في أثناء سفري من القاهرة إلى أسوان. فقد أثار هذا المنظر إعجابي الشديد بهذا الفن البسيط. وحينما عرفت الدافع القوي خلف هذه الرسومات. لم أستطع مقاومة طموحي في أن اقدم للعالم الخارجي ما اعتقدته في قوة تعبير هذه الرسومات ذات الطابع غير العادي والتاريخي، علاوة على قدم هذا الفن الشعبي". مشيرة إلى أن هذه الرسومات هي في الواقع محاولة لتذكر رحلة الحج وتوثيق التجربة عبر الرسم.

أما عن أشهر العبارات التي ترافق الصور المرسومة، والتي يتصدى لها في كثير من الأحيان خطاطون محترفون، فهي الآية القرآنية: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). والأحاديث المنسوبة للنبي، والمترسخة في الوعي الشعبي، مثل: "من زار قبري وجبت له شفاعتي"، و"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".

دلالات
المساهمون