04 نوفمبر 2024
جامعة عربية أم حائط مبكى؟
ردود فعل متباينة أثارها اختيار أحمد أبو الغيط أميناً عاماً لجامعة الدول العربية. بين ترحيبٍ عربيٍّ رسميٍّ واسع، واعتراضاتٍ إعلاميةٍ وشعبيةٍ واسعةٍ أيضاً. ووجهت بعض وسائل الإعلام انتقاداتٍ شديدة للرجل وللجامعة التي اختارته للمنصب، ولم تُقصّر شبكات التواصل الاجتماعي في السخرية من ظهور أبو الغيط مجدّداً، وهو الذي قضى سبع سنوات وزيراً لخارجية مصر، حتى أطيح في 2011 بفضل الزخم الشعبي المصاحب لإسقاط حسني مبارك. مزجت الحملة ضد أبو الغيط والجامعة بين تاريخ الرجل ومواقفه السياسية وقت كان وزيراً مصرياً. ودور الجامعة بوصفها مؤسسةً إقليميةً عربيةً تقوم على تنظيم شؤون علاقات الدول العربية مع بعضها وتجاه العالم. وكان واجباً التمييز بين مواقف أبو الغيط وآرائه السياسية تجاه الوضع في مصر وتأييده مبارك، عن أدائه المهني في أثناء توليه مسؤولية الدبلوماسية المصرية. فاختياره على الرغم من آرائه السياسية شأن مصري داخلي، قد لا يهم كل العرب.
وما يدركه العرب جميعاً، قادة ومسؤولون وساسة ومواطنون، أن جامعة الدول العربية مؤسسة عتيقة، صارت عبئاً على الواقع العربي، إذ لا تملك أدوات ولا آليات التفاعل مع معطيات ومستجدات. ولا صلة مباشرة لهذه المعضلة بشخص الأمين العام، أو حتى بمنصبه. وأمين عام الجامعة ليس سوى موظف بدرجة سكرتير دولي. تأثير الخصائص الشخصية فيه موجود، لكنه محدود، بدليل أن إنجازات أسلاف أبو الغيط لا تتجاوز النجاح في الإبقاء على عمل الجامعة وإدارتها، من دون تغيير حقيقي في فعاليتها أو تطوير أدائها. باستثناء محاولات عمرو موسى تحديث الهيكل التنظيمي للجامعة.
الجدل حول مصرية الأمين العام عقيم حيث لا فرق يُنتظر بين أمين عام وآخر، مصرياً كان أو غير مصري، سوى الكفاءة والحضور والبصمة الشخصية. وهي مسألةٌ لا دخل للجنسية فيها. والوجه الحقيقي لهذا الجدل أنه تنافس بين بعض الدول العربية حول المناصب والمكانة، ومحاولة الاستحواذ على الرمزية الكامنة في تولى ممثل هذه الدولة أو تلك أعلى منصب إقليمي عربي. استئثار مصر بمنصب الأمين العام للجامعة ووجه بالتحفظ وترشيح غير مصري مرتين، من الجزائر وقطر، من منطلق عدم وجود نص في ميثاق الجامعة على "مصرية" الأمين العام. على الرغم من أن المنصب لم يسند لغير مصري، سوى مرة واحدة استثنائية، عندما تم تعليق عضوية مصر بسبب معاهدة السلام، وانتقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس. فكان الأمين العام تونسياً عشر سنوات، حتى عاد المقر إلى القاهرة عام 1989. واعتبر هذا الاستثناء تأكيداً لعُرف انتساب الأمين العام إلى دولة المقر.
ما يدعو إلى الخجل أن العواصم العربية اتفقت (عدا الدوحة) على اختيار أبو الغيط. على الرغم من وجوده على رأس الدبلوماسية المصرية في العقد الأخير من عهد مبارك، أي أكثر فترات السياسة الخارجية المصرية انكماشاً وتراجعاً. وانحسار الدور الإقليمي المصري إلى حد الانكفاء والتقوقع داخل حدوده الجغرافية المباشرة. كأن العرب لا يبتغون خروجاً من الواقع السيئ، بل يبحثون عن شخصٍ يحمل عنهم أوزارهم، ويلصقون به وبالجامعة خطاياهم، ثم يقفون على أبوابها يتباكون.
لكن، سواء كان أبو الغيط أسوأ أو أكفأ من نبيل العربي أو عمرو موسى، تظل حقيقة أن جامعة الدول العربية منتدى إعلامي واستوديو لتسجيل المواقف العربية وإخراجها، ظاهرة صوتية رنانة. ومهمة أمينها العام سكرتارية تنفيذية، وليست اتخاذ قرارات أو فرض مواقف ووضع سياسات. الارتقاء بمنصب الأمين العام، وظيفياً وشخصياً، يبدأ بإصلاح الجامعة نفسها، وهذا لن يتأتى ما دام العرب يختلفون ويقتتلون خارجها، ثم يتنافقون ويتعانقون داخلها.
وما يدركه العرب جميعاً، قادة ومسؤولون وساسة ومواطنون، أن جامعة الدول العربية مؤسسة عتيقة، صارت عبئاً على الواقع العربي، إذ لا تملك أدوات ولا آليات التفاعل مع معطيات ومستجدات. ولا صلة مباشرة لهذه المعضلة بشخص الأمين العام، أو حتى بمنصبه. وأمين عام الجامعة ليس سوى موظف بدرجة سكرتير دولي. تأثير الخصائص الشخصية فيه موجود، لكنه محدود، بدليل أن إنجازات أسلاف أبو الغيط لا تتجاوز النجاح في الإبقاء على عمل الجامعة وإدارتها، من دون تغيير حقيقي في فعاليتها أو تطوير أدائها. باستثناء محاولات عمرو موسى تحديث الهيكل التنظيمي للجامعة.
الجدل حول مصرية الأمين العام عقيم حيث لا فرق يُنتظر بين أمين عام وآخر، مصرياً كان أو غير مصري، سوى الكفاءة والحضور والبصمة الشخصية. وهي مسألةٌ لا دخل للجنسية فيها. والوجه الحقيقي لهذا الجدل أنه تنافس بين بعض الدول العربية حول المناصب والمكانة، ومحاولة الاستحواذ على الرمزية الكامنة في تولى ممثل هذه الدولة أو تلك أعلى منصب إقليمي عربي. استئثار مصر بمنصب الأمين العام للجامعة ووجه بالتحفظ وترشيح غير مصري مرتين، من الجزائر وقطر، من منطلق عدم وجود نص في ميثاق الجامعة على "مصرية" الأمين العام. على الرغم من أن المنصب لم يسند لغير مصري، سوى مرة واحدة استثنائية، عندما تم تعليق عضوية مصر بسبب معاهدة السلام، وانتقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس. فكان الأمين العام تونسياً عشر سنوات، حتى عاد المقر إلى القاهرة عام 1989. واعتبر هذا الاستثناء تأكيداً لعُرف انتساب الأمين العام إلى دولة المقر.
ما يدعو إلى الخجل أن العواصم العربية اتفقت (عدا الدوحة) على اختيار أبو الغيط. على الرغم من وجوده على رأس الدبلوماسية المصرية في العقد الأخير من عهد مبارك، أي أكثر فترات السياسة الخارجية المصرية انكماشاً وتراجعاً. وانحسار الدور الإقليمي المصري إلى حد الانكفاء والتقوقع داخل حدوده الجغرافية المباشرة. كأن العرب لا يبتغون خروجاً من الواقع السيئ، بل يبحثون عن شخصٍ يحمل عنهم أوزارهم، ويلصقون به وبالجامعة خطاياهم، ثم يقفون على أبوابها يتباكون.
لكن، سواء كان أبو الغيط أسوأ أو أكفأ من نبيل العربي أو عمرو موسى، تظل حقيقة أن جامعة الدول العربية منتدى إعلامي واستوديو لتسجيل المواقف العربية وإخراجها، ظاهرة صوتية رنانة. ومهمة أمينها العام سكرتارية تنفيذية، وليست اتخاذ قرارات أو فرض مواقف ووضع سياسات. الارتقاء بمنصب الأمين العام، وظيفياً وشخصياً، يبدأ بإصلاح الجامعة نفسها، وهذا لن يتأتى ما دام العرب يختلفون ويقتتلون خارجها، ثم يتنافقون ويتعانقون داخلها.