لا هي حرب ولا هذا اقتصاد
أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قبل أيام، نية الحكومة تطبيق إجراءات خاصة في مصر حال تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط أكثر مما هي حالياً، في ما يعرف باقتصاد الحرب. ليست هذه المرّة الأولى التي يتبنّى فيها مسؤول مصري كبير مفاهيم ومصطلحات من دون إدراك معناها وعمق دلالاته.
والأسوأ أن الإجراءات والخطوات المرتبطة باستخدام تلك المصطلحات لا تقل خطورة، بل كثيراً ما تكون أشدّ ضرراً وكارثية على المصريين مما لو أدرك المسؤولون حقيقة مصطلحاتهم وحرصوا على تطبيق مضامينها بدقة. فقد اندفع رئيس الحكومة إلى الحديث عن "اقتصاد حرب" لمواجهة تفاقم الأوضاع المتدهورة إقليمياً. كما لو كانت الحرب على الأبواب، أو قائمة بالفعل على الحدود المصرية في هذه الجبهة أو تلك. بينما الواقع أن مصر تتجنّب بحذر شديد أي حرب حقيقية على أي جبهة. إلا إذا كانت استعدادات تجرى بالفعل لمواجهة ما، وثمة حاجة إلى تهيئة الرأي العام الداخلي أو الخارجي لها، أو ربما توصيل رسالة بهذا المعنى إلى أطراف بعينها، بغض النظر عن صحة الاستعداد لحرب أو حقيقته.
بالنسبة للمواطن المصري حال سماع هذا التحذير المرعب، تقفز سريعاً أمام عينيه حزمة تساؤلات بشأن مبدأ ومدى انخراط مصر في ما يحدث في المنطقة حالياً من مواجهات مسلحة. وإذا لم تكن مصر طرفاً فيها، فما هي حدود تأثير هذه الحرب أو الحروب على مصر؟ وهل يتطلب ذلك التأثير اتخاذ إجراءات استثنائية داخلية تصل إلى حد تطبيق قواعد "اقتصاد الحرب"؟
تشهد المنطقة المحيطة بمصر أزمات عدة ومتنوعة، وصل بعضها إلى مستوى المواجهات المسلحة بين أطرافها. لكن مصر ليست أحد تلك الأطراف المباشرة في أيٍّ من تلك الأزمات. وإن كانت معنية بشكل مباشر وعميق ببعض تلك الأزمات وتتأثر بها فعلياً، مثل أزمتي السودان وليبيا. وهو تأثر استراتيجي وسياسي أكثر منه اقتصادي، ربما باستثناء التبعات الاقتصادية الناجمة عن تدفق بضعة ملايين من السودانيين إلى مصر، وليست كلها تبعات سلبية.
في المقابل، نأت مصر بنفسها، قدر المستطاع، عن المجريات العملياتية للحرب الظالمة الدائرة في غزّة منذ أكثر من عام، رغم أنها طرف أصيل في أي تطور يتعلق بالقضية الفلسطينية، تأثيراً وتأثراً. وفي الدائرة الإقليمية الأوسع، يتركّز تأثر مصر السلبي بالمناوشات الإسرائيلية الإيرانية في تراجع عوائد قناة السويس. وهو تراجع قائم أصلاً، بدأ منذ أربعة أعوام مع جائحة كوفيد-19، واستمر بعدها مع الحرب الروسية الأوكرانية ثم مع حرب غزة واستهداف الحوثيين بعض السفن التجارية في مدخل البحر الأحمر. فلا جديد، إذاً، يتطلب اللجوء إلى إجراءات استثنائية، فضلاً عن تطبيق "اقتصاد الحرب".
وحتى في حال تدهور الأوضاع الإقليمية بشدة، ليس "اقتصاد الحرب" الخطوة الصحيحة لمواجهة ذلك التدهور. فهو يتضمن بالأساس ترشيد الاستهلاك إلى أدنى حد ممكن. والحفاظ على المستوى الآمن للاحتياطيات الضرورية، وخصوصاً من السلع الاستراتيجية كالمواد الغذائية الأساسية والمستلزمات الطبية ومواد توليد الطاقة. وبالنسبة إلى مصر، لا تنطبق مواصفات حالة الحرب التي تستلزم إجراءات اقتصاد الطوارئ؛ فلا خطر حيوي على سلاسل التوريد ومسارات التبادلات التجارية، ولا حصار اقتصادي، ولا توجيه لموارد الدولة إلى العمليات العسكرية.
أزمات الاقتصاد المصري قائمة بغضّ النظر عن الأزمات المحيطة بمصر إقليمياً أو عالمياً، ومشكلاته الأساسية في إدارته وكيفية توزيع موارده المحدودة وتوظيفها. والغرض من تفزيع المصريين والتلويح باقتصاد الحرب التنصّل من المشكلات الداخلية وتصدير أخطاء المسؤولين إلى الآخرين، فمصر ليست في حربٍ لتّتخذ إجراءات طارئة، وما تعيش عليه ليس اقتصاداً من الأساس.