06 نوفمبر 2024
ثيوقراطية الجيش الإسرائيلي
ما كان لقرار اتخذه رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، أخيراً، ويقضي بترقية السكرتير العسكري لرئيس الحكومة العميد عوفر فينتر، وتعيينه قائداً لإحدى فرق الجيش، أن يثير أي أصداء غير مألوفة، لولا ما اتسم به مسلك هذا الأخير، عندما أشغل منصب قائد "لواء غفعاتي" خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، ولولا أن رئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، رفض ترقيته حينذاك.
إبّان ذلك العدوان، وجّه فينتر رسالة داخلية ("رسالة القائد في المعركة") إلى جنوده في اللواء المذكور، وضمّنها سيلاً من الاقتباسات الدينية، جاعلاً من المعتقدات الدينية مرجعية للسلوك العسكري المتوقع من الجنود خلال العدوان، واعتبرتها أوساط عسكرية وسياسية وإعلامية "رسالة مسيانية"، لا يجوز وضعها هادياً دينياً لجنود في نطاق "نشاط عسكري".
وكتب في رسالته: اختارنا التاريخ لنكون رأس الحربة في القتال ضد العدو الإرهابي الغزّيّ، الذي يجدف ويلعن ويهين رب معارك إسرائيل.. إننا نضطلع بهذه المهمة، تأديةً لرسالة، ومن منطلق كوننا مستعدين للمخاطرة، وبذل أرواحنا دفاعاً عن عائلاتنا وشعبنا ووطننا من أجل اجتثاث العدو وإزالة التهديد عن شعب إسرائيل.. إنني أرفع عينيّ إلى السماء، وأتلو الصلوات، أدعو فيها الرب إلى الأخذ بأيدينا ومؤازرتنا: سنحارب من أجل شعبك، شعب إسرائيل، ضد عدو يلعن اسمك.. وأدعو الرب، كما ندعو في صلواتنا، كي يتحقق ما ورد في التوراة: "إنّ الربّ إلهكم سائر معكم لكي يحارب عنكم أعداءكم ويخلصكم". ولم يضنّ فينتر في توجيه سهام نقده إلى السياسيين، فقال لصحافيين دخلوا إلى قطاع غزة في أثناء العدوان: "لو أن السياسيين يتركون لنا الحبل على غاربه فسنصل إلى البحر".
تعرّض هذا المسلك في حينه إلى نقدٍ خجولٍ. واكتفى المنتقدون بالقول إن جرائم الحرب على مرّ التاريخ لم ترتكب بفعل أوامر دينية (؟)، غير أن إزالة الموانع أمام ارتكاب جرائم كهذه تغدو أسهل، عندما يتم تصوير الحرب أنها حرب دينية ضد أناس كُفّار. فضلاً عن ذلك، بمُجرّد تصوير الحرب ضد غزة، لا باعتبارها ترمي إلى الوصول إلى أهداف سياسية، إنما بوصفها جزءاً من حربٍ دينية يستقر في لا وعي الجنود، إن لم يكن في وعيهم التام أنه لا يجوز وقفها إلا من خلال تحقيق الحسم بأي ثمن.
تكشف ترقية فينتر الآن عن مبلغ ازدياد حضور المتدينين اليهود في الجيش الإسرائيلي وقيادته، على نحو كبير خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يتيح إمكان تدخل مزيد من الحاخامين بشكل فعلي في قرارات الجيش، وخصوصاً المتعلقة بما يحدث في أراضي الضفة الغربية، وبمجرى حياة الفلسطينيين.
سبق أن تناول هذه المسألة الباحث الأكاديمي في شؤون العلاقة بين الجيش والمجتمع والسياسة في إسرائيل، يغيل ليفي، في كتابه "القائد الإلهي الأعلى - ثيوقراطية الجيش الإسرائيلي"، لفت فيه إلى أن عملية سيطرة رجال الدين اليهود على الجيش الإسرائيلي تجري على قدم وساق تحت الرادار. وأن الجيش يجري، بعيداً عن أنظار الجمهور، مفاوضات مع حاخامين بشأن موضوعات عديدة، بدءاً بدمج نساء في الجيش، وانتهاءً بشكل مشاركة جنود متدينين في إخلاء بؤر استيطانية عشوائية. وسبب هذا الأمر يعود إلى أن الجنود المتدينين عادة ما يستشيرون حاخاميهم، ولا يعتبرون أنفسهم خاضعين لسلطة قادتهم العسكريين، أو حتى للحاخامية العسكرية، ويقوم الحاخامون بالاتصال بالضباط ويحضرون إلى معسكرات الجيش، ما يُعدّ بمثابة تدخل جهة خارجية لا تستمد شرعيتها من قوانين الدولة، وإنما من نصوص دينية.
والأهم أن ليفي أثبت أن تغلغل هذه الجهات الدينية ليس عفوياً، بل ينطوي على أجندة مُعلنة، هي الاستعداد لمواجهة احتمال اتخاذ قرار بإخلاء مستوطناتٍ من أراضي الضفة الغربية، مؤكداً أن الصهيونية الدينية تسعى إلى السيطرة على الجيش في سبيل منع ذلك، وعدم تكرار تجربة "خطة الانفصال" عن قطاع غزة عام 2005، التي أخفقت في كبحها، على الرغم من وجود كمّ وفير من الجنود المتدينين في الجيش.
إبّان ذلك العدوان، وجّه فينتر رسالة داخلية ("رسالة القائد في المعركة") إلى جنوده في اللواء المذكور، وضمّنها سيلاً من الاقتباسات الدينية، جاعلاً من المعتقدات الدينية مرجعية للسلوك العسكري المتوقع من الجنود خلال العدوان، واعتبرتها أوساط عسكرية وسياسية وإعلامية "رسالة مسيانية"، لا يجوز وضعها هادياً دينياً لجنود في نطاق "نشاط عسكري".
وكتب في رسالته: اختارنا التاريخ لنكون رأس الحربة في القتال ضد العدو الإرهابي الغزّيّ، الذي يجدف ويلعن ويهين رب معارك إسرائيل.. إننا نضطلع بهذه المهمة، تأديةً لرسالة، ومن منطلق كوننا مستعدين للمخاطرة، وبذل أرواحنا دفاعاً عن عائلاتنا وشعبنا ووطننا من أجل اجتثاث العدو وإزالة التهديد عن شعب إسرائيل.. إنني أرفع عينيّ إلى السماء، وأتلو الصلوات، أدعو فيها الرب إلى الأخذ بأيدينا ومؤازرتنا: سنحارب من أجل شعبك، شعب إسرائيل، ضد عدو يلعن اسمك.. وأدعو الرب، كما ندعو في صلواتنا، كي يتحقق ما ورد في التوراة: "إنّ الربّ إلهكم سائر معكم لكي يحارب عنكم أعداءكم ويخلصكم". ولم يضنّ فينتر في توجيه سهام نقده إلى السياسيين، فقال لصحافيين دخلوا إلى قطاع غزة في أثناء العدوان: "لو أن السياسيين يتركون لنا الحبل على غاربه فسنصل إلى البحر".
تعرّض هذا المسلك في حينه إلى نقدٍ خجولٍ. واكتفى المنتقدون بالقول إن جرائم الحرب على مرّ التاريخ لم ترتكب بفعل أوامر دينية (؟)، غير أن إزالة الموانع أمام ارتكاب جرائم كهذه تغدو أسهل، عندما يتم تصوير الحرب أنها حرب دينية ضد أناس كُفّار. فضلاً عن ذلك، بمُجرّد تصوير الحرب ضد غزة، لا باعتبارها ترمي إلى الوصول إلى أهداف سياسية، إنما بوصفها جزءاً من حربٍ دينية يستقر في لا وعي الجنود، إن لم يكن في وعيهم التام أنه لا يجوز وقفها إلا من خلال تحقيق الحسم بأي ثمن.
تكشف ترقية فينتر الآن عن مبلغ ازدياد حضور المتدينين اليهود في الجيش الإسرائيلي وقيادته، على نحو كبير خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يتيح إمكان تدخل مزيد من الحاخامين بشكل فعلي في قرارات الجيش، وخصوصاً المتعلقة بما يحدث في أراضي الضفة الغربية، وبمجرى حياة الفلسطينيين.
سبق أن تناول هذه المسألة الباحث الأكاديمي في شؤون العلاقة بين الجيش والمجتمع والسياسة في إسرائيل، يغيل ليفي، في كتابه "القائد الإلهي الأعلى - ثيوقراطية الجيش الإسرائيلي"، لفت فيه إلى أن عملية سيطرة رجال الدين اليهود على الجيش الإسرائيلي تجري على قدم وساق تحت الرادار. وأن الجيش يجري، بعيداً عن أنظار الجمهور، مفاوضات مع حاخامين بشأن موضوعات عديدة، بدءاً بدمج نساء في الجيش، وانتهاءً بشكل مشاركة جنود متدينين في إخلاء بؤر استيطانية عشوائية. وسبب هذا الأمر يعود إلى أن الجنود المتدينين عادة ما يستشيرون حاخاميهم، ولا يعتبرون أنفسهم خاضعين لسلطة قادتهم العسكريين، أو حتى للحاخامية العسكرية، ويقوم الحاخامون بالاتصال بالضباط ويحضرون إلى معسكرات الجيش، ما يُعدّ بمثابة تدخل جهة خارجية لا تستمد شرعيتها من قوانين الدولة، وإنما من نصوص دينية.
والأهم أن ليفي أثبت أن تغلغل هذه الجهات الدينية ليس عفوياً، بل ينطوي على أجندة مُعلنة، هي الاستعداد لمواجهة احتمال اتخاذ قرار بإخلاء مستوطناتٍ من أراضي الضفة الغربية، مؤكداً أن الصهيونية الدينية تسعى إلى السيطرة على الجيش في سبيل منع ذلك، وعدم تكرار تجربة "خطة الانفصال" عن قطاع غزة عام 2005، التي أخفقت في كبحها، على الرغم من وجود كمّ وفير من الجنود المتدينين في الجيش.