ثورة يناير المستنصرية

22 يناير 2015
هل تذكرت هذه الحصة أو المحاضرة؟ (Getty)
+ الخط -

انتشرت بعد ثورة يناير المصرية بعض المقولات من نوعية: (البلد وقعت، الثورة خربت البلد ومش هنلاقي ناكل، دي أكبر نكسة في تاريخ مصر، البلد ضاعت..). أحب أن أُذكرَ من يردد مثل هذه المقولات بأن مصر مرت بأحداث أصعب مما تمر به الآن، ولكنها خرجت حينما تخلصت من الفساد والمفسدين رغم قسوة ومرارة الأحداث. ونموذج واحد فقط، ربما يكون معروفا للمصريين أثناء دراسة تاريخ بلادهم، ولكنهم نسوه، بعد أن انتهى امتحان آخر العام في مادة التاريخ (تعرضت مصر لموجات متفرقة من المجاعات الشديدة، نتيجة انخفاض منسوب النيل، بسبب ضعف الفيضان، وما نتج عن ذلك من هلاك الزرع، فمات الناس من الجوع).

من أشهر المجاعات التي تعرضت لها مصر، المجاعة التي حدثت أيام الخليفة المستنصر الفاطمي، الذي حكم مصر حوالى ستين عاماً، من (1035- 1094)، وسميت بالشدة المستنصرية، واستمرت المجاعة حوالى سبعة أعوام من (1065 -1072).

يقول المؤرخون إن الشدة المستنصرية من أشد المجاعات التي حدثت في مصر منذ أيام يوسف، عليه السلام، فقد أكل الناس بعضهم بعضاً، وأكلوا الدواب والكلاب، وقيل إن رغيف الخبز بيع بخمسين ديناراً وبيع الكلب بخمسة دنانير. كما روي أن الأحباش كانوا يتربصون بالنساء في الطرقات ويخطفونهن ويقتلونهن ويأكلون لحومهن.

ومما روى المؤرخون عن مدى القحط والمجاعة التي استبدت بالناس: أن الخليفة المستنصر نفسه باع كل ما يملك في القصر، حتي بيع من المتاع ثمانون ألف ثوب، وعشرون ألف درع، وعشرون ألف سيف محلي. حتى الجواهر المرصعة بالأحجار الكريمة بيعت بأبخس الأثمان. ولم يبق له إلا حصيرة يجلس عليها، وبغلة يركبها، وغلام واحد يخدمه.

كما خلع أميرا مكة والمدينة طاعة الخليفة المستنصر، واتبعا الخليفة العباسي في بغداد، بعد أن قلّت عطايا الخليفة الفاطمي، نتيجة القحط والبلاء. كما سقطت صقلية التي كانت تابعة لملك الفاطميين في مصر في يد الفرنجة.

كما أن انتشار الفساد والفتن بين الجنود الأتراك وعبيد القصر الفاطمي الأحباش، زاد الطين بلة. فقد زاد نفوذ الجنود الأتراك ودخلوا في نزاعات مع العبيد الأحباش الذين كانوا يسيطرون على كل شؤون القصر الفاطمي. وكانت أم المستنصر حبشية، لذلك أمدتهم بالمال والسلاح في قتالهم ضد الأتراك. ولجأ كلا الفريقين إلى سلب ونهب الناس. فكأن بلاء القحط والجوع لم يكن يكفي أهل مصر، فزاد عليه بلاء الفساد والمظالم.

وعندما رأى المستنصر ما آل إليه الحال من فساد وفتن بين الأتراك والأحباش والقحط والجوع وهلاك الناس، ووجد نفسه وحيداً لا يملك من المال ما يُصلح به الأحوال، ولا يجد من القوة ما يضرب بها على يد المفسدين، عندما رأى ذلك، أرسل إلى والي عكا، بدر الجمالي، وكان مشهوراً بالحزم والقسوة وحسن التدبير، يستنجد به، ووعده بأن يوليه على وزارة مصر إن هو قطع رؤوس الفتن وأعاد الأمن والأمان. وما أن حل بدر الجمالي على مدينة القاهرة حتى تخلص من قادة الفتنة، وبدأ في إعادة النظام إلى القاهرة، وفرض الأمن والسكينة في ربوعها، وامتدت يده إلى بقية أقاليم مصر، فأعاد إليها الهدوء والاستقرار، وضرب على يد العابثين والخارجين، وبسط نفوذ الخليفة على جميع أرجاء البلاد.

وفي الوقت نفسه عمل على تنظيم شؤون الدولة وإنعاش اقتصادها، فشجع الفلاحين على الزراعة برفع جميع الأعباء المالية عنهم، وأصلح لهم الترع والجسور. وأدى انتظام النظام الزراعي إلى كثرة الحبوب، وتراجع الأسعار، وكان لاستتباب الأمن دور في تنشيط حركة التجارة في مصر، وتوافد التجار عليها من كل مكان.

واتجه بدر الجمالي إلى تعمير القاهرة وإصلاح ما تهدّم منها، فأعاد بناء أسوار القاهرة، وبنى بها ثلاثة أبواب تعد من أروع آثار العبيديين الفاطميين الباقية إلى الآن وهي: باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة. وشيد مساجد كثيرة، فبنى في القاهرة مسجده المعروف بمسجد الجيوش على قمة جبل المقطم، وبنى جامع العطارين في الإسكندرية.

واستطاع الجمالي أن يعيد نفوذ الخليفة على جميع بلاد الوجه القبلي حتى أسوان، وكذلك الوجه البحري، وأعاد الرخاء، فزاد خراج مصر من 2.000.000 دينار إلى 3.100.000 دينار، وتوفي الجمالي سنة (1095) وعهد لابنه الأفضل شاهنشاه. ومع وفاة المستنصر بدأ العصر العبيدي (الفاطمي) الثاني، حيث زادت سلطة الوزراء، وهو ما اصطلح عليه بعصر نفوذ الوزراء. هل تذكرت هذه الحصة أو المحاضرة؟ أم كنت غائبا ساعتها؟ أم ما زلت غائباً حتى الآن؟


*مصر

المساهمون