تنطلق في مصر اليوم تظاهرات جديدة، لم تتوقف التظاهرات في مصر منذ يناير 2011 تقريباً، ظل الناس يتظاهرون في الشوارع طوال السنوات الأربع، وسط تأفف كثيرين، وقمع الشرطة والجيش لهم، عدا في التظاهرات التي كان يتم تنظيمها أمنياً بالطبع.
تظاهرات اليوم تأخذ منحى جديداً، يطلق عليها منظّموها اسم "ثورة الشباب المسلم"، ويتخذون لها شعار "الهوية"، بما يجعلها قاصرة على قطاع من المجتمع يشعر بغبن مضاعف، لا شك أن غالبية المصريين يرزحون تحت نفس الغبن والقمع والفساد والجور الذي يمارسه النظام العسكري الحاكم منذ ستة عقود، والذي عاد ليمارس نوعاً أشد ضراوة من القمع بعد انقلاب يوليو 2013.
لا أحد يمكنه توقع ما سوف تؤول إليه تظاهرات اليوم، الأوضاع في مصر غامضة لدرجة كبيرة، والأيام الأخيرة شهدت ظهور كثير من الأصوات التي تتهم النظام علناً بالفشل وتطالب برحيله، رغم أنها كانت من أبرز داعميه. قبل يناير 2011، لم يكن أكثر المصريين تفاؤلاً يتوقع أن تتحول التظاهرات إلى ثورة تطيح نظام مبارك، أو بالأحرى تطيح مبارك، لكن هذا ما حدث، ولاحقاً ظن كثيرون أنّ تظاهراتهم ضد المجلس العسكري الذي خلف مبارك ستطيحه، لكن هذا لم يحدث، وبالتالي فإن توقع ما يجري في ما يسمى ثورة "الهوية" غاية في الصعوبة، فالمؤكد أن قمع الجيش والشرطة لها سيكون غشيماً دموياً، وإرهاصات هذا واضحة في الإعلام الموالي للسلطة الذي يحرض يومياً على سفك الدماء.
الخطير في الأمر أن يقابل المشاركون في التظاهرات القمع الأمني بالسلاح. لتتحول إلى ثورة داعشية، أو تدخل البلاد حرباً أهلية يرجحها البعض منذ فترة كحل أخير لإنهاء الصراع.
في مصر اليوم، تشتبك التفاصيل بشكل مثير، لا أحد يعجبه الحال، ولم يعد أحد يجرؤ أن يكرر هزلاً ردّده قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا".
كثير من المواطنين العاديين، بعضهم بلا شك مأجور، حريص على وأد أي بادرة لحراك حقيقي يمكنه أن يغير الواقع الذي تعيشه بلاد النيل المنكوبة بحكام فاشلين أو مجرمين، قطاع من الشعب منسحق تحت حذاء الحاكم العسكري الذي لا يتورع أبداً عن قتل من يعارضه، وسرقة من يؤيده. للحق، لم تحقق ثورة يناير الكثير، ربما تسببت في مزيد من الفشل الذي كانت البلاد ترزح تحته منذ حكمها الجيش قبل ستة عقود، لكن المنصف لابد أن يبرز أن الفشل كان مقصوداً ممن حكموا البلاد خلفاً لمبارك، ليكفر الشعب للأبد بالثورة.
من حقنا كمصريين أن نتظاهر، من حقنا أن نطالب بعودة العسكر إلى ثكناتهم. من حقنا أن نرفض أن يحكمنا فاشل أو جاهل أو قاتل، أو جاذب للنساء.