ثورات للمستقبل

01 ديسمبر 2014
الوحدة العربية مطلب الشعوب العربية(محمود حويس/فرنس برس/getty)
+ الخط -
كان مصطلح "الوحدة العربية" يتردد كثيراً. في عز الأزمات التي تنشأ بين دول ‏الضاد يخرج من يتحدث عن لم شمل العرب. في كل عدوان ينتهك فلسطين تعود ‏هذه العبارة إلى الواجهة. إلا أن الحديث عن "الوحدة العربية" لا يرسم في العقل ‏صورة الناس العاديين. عندما تقال هذه العبارة، غالباً ما يتخيل المرء قادة الدول، ‏يتحدثون بأناقة، وشعر مصفف ومصبوغ، إن وجد. يجلسون حول طاولة مستطيلة ‏وطويلة جداً، في وسطها الكثير من باقات الورد، والكثير من عبوات المياه، والكثير ‏من شارات النصر، والبطون والحواجب المعقودة...‏ 

تهميش وأكثر
قليلون جداً من تعني لهم "الوحدة العربية"، وحدة الشعوب. قليلون جداً. ‏
ليست هذه الصورة المحفورة في أذهاننا، من نسج الخيال وحده. فقد عانت الشعوب ‏العربية لسنوات طويلة جداً من تهميشها، بحيث يكون رئيس البلاد هو ممثل البلاد. ‏وهو الناطق باسم الشعب وهو الحاكم باسم الشعب وهو من يختصر كل الشعب.‏
منذ انطلقت الثورات العربية، تهشمت مخيلتنا. نتابع من لبنان ما يحدث في تونس، ‏وكأن الأحداث تدور تحت منزلنا. يتضامن المصري مع السوري، والسوداني مع ‏اليمني، والأردني مع الليبي... صورة أخرى أصبحت هي الحاضرة. صورة ناس، ‏الكثير من الناس، يتوحدون حول شعارات لها طعم محسوس، طعم التوق إلى ‏التحرر، وطعم تَنبّه الناس تحت أنهم بشر لهم حقوق، وأن الأنظمة فوق تسلبهم ‏حقوقهم. ‏
إلا أن الأنظمة العربية التي استحكمت بشعوبها طوال سنوات مضت، تعرف تماماً ‏نقاط ضعف الناس، وتعرف كيف تفاوض مع أنظمة أكبر منها، وكيف تبتلع من هو ‏أصغر منها. وكأن الصراع أصبح صراع أجيال، جيل يتبختر ويختال بخبرة في ‏القمع، وجيل يختل بأزمة خبرته الضئيلة في التعامل مع أي جديد، ولم يعتد الاقتناع ‏بأنه "قادر" على تغيير واقعه. وكأنه صراع بين فئة تعرف كيف يؤكل الكتف ‏والرأس، وجيل تشرّب ممن سبقه أفكاره السوداء، يريد التحرر منها، ولكن بأدوات ‏سلفه، التي فعلياً، لا يعرف غيرها. ‏
نحن في أزمة، وحدتنا العربية في أزمة. بين فقر وبطالة وتهميش اجتماعي ‏واقتصادي، وعدم وجود ولو نيّة لاستنباط فكرة جديدة تستطيع تحدي السياسات ‏القائمة بأخرى تفتح على احتمالات غير متداولة.‏
‏يرفع الاشتراكيون خيباتهم التاريخية، ويحاولون إخفاء ثغرات فكرهم بجهل أو ‏بقصد، ويستمرون في تحقيق الهزائم، ليس في الانتخابات فقط، وإنما في فهم ‏مجتمعاتهم وتركيبتها وآلية تفكيك الأزمات فيها. كيف يمكن أن تتحقق "اشتراكية" ‏على يد من لا يعرف أن في بلده سلسلة من المصالح المترابطة من المنهاج الذي ‏يتم تدريسه في الصف الأول في المدرسة وصولاً الى سياسة الأجور التي يفرضها ‏رأس الدولة؟ كيف يمكن قطع الصلة بين فقير وزعيم يؤمن للأخير وظيفة صغيرة ‏في مؤسسة عامة، يمولها الفقير نفسه من ضريبة الدخل الضئيل الذي يتقاضاه؟ ‏لا يوجد أجوبة، فقط شعارات ومصطلحات وكلام فوق كلام.
وفي المقابل، لا يجترح الليبراليون أي فكرة تؤنسن توجههم الاقتصادي ‏والاجتماعي. لا يفقهون في الليبرالية سوى عبارة "دعه يعمل دعه يمر"، يصفقون ‏حين يسمعونها، ينتشون حين تفرض دولة رفع الدعم عن السلع. وكأنهم يعيشون ‏في جزيرة بعيدة عن مجتمعهم، ينتجون أو بالأحرى يستوردون السلع لأبناء ‏الجزيرة، فيما في مجتمعهم من لا يستطيع شراء رغيف. ‏
نحن في أزمة، وحدتنا العربية في أزمة. أصبحنا نعرف أنه توجد علّة، ولكننا لا ‏نمتلك أي دواء يعالجها. صحيح، نشأنا في دول تقمع التفكير بأي تغيير وبأي مفهوم ‏خارج الطبق. فقد ذلّتنا أنظمتنا بالجهل الذي يمنعنا من معرفة واقعنا. عملية التجهيل ‏وصلت إلى حد إخفاء أرقام الفقر، لا وبل إخفاء التعداد السكاني الفعلي. إلا أن الجهل يكاد ‏ينتقل بالوراثة، نكتشفه بين معشر "المثقفين" خصوصاً، الذين يحرصون على تغليف جهلهم ‏وتعميمه باستخدام عبارات صعبة في نص يحلل واقع بلد، نص من المفترض أن ‏يكون للعموم لا لفئة فقهاء المصطلحات المعقّدة. ‏
نحن حاولنا. هي الخطوة الأولى. بعدها لا بد أن نثور على جهلنا، للانتهاء ولو بعد ‏أعوام بتحليل تركيبة مجتمعاتنا، علّ الأجيال المقبلة تحقق ما رفعناه من شعارات ‏لن نتنعم بآثارها: حرية، كرامة وعدالة اجتماعية. ‏
المساهمون