ثورات جياع... هل بدأت الشرارة؟

16 مايو 2016
شرارة ثورة الجياع بفنزويلا بدأت قبل أيام (Getty)
+ الخط -




يبدو أن العديد من دول العالم باتت على موعد مع انطلاق موجة جديدة من ثورات الجياع، ثورات تنطلق كالعادة من الأحياء الفقيرة والطبقات المهمشة، ثورات تحركها عادة بطون جائعة وجيوب خاوية وتفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتغذيها استفزازات الأسعار وتضخمها وعدم توافر السلع الرئيسية، واختفاء الخدمات الضرورية من أدوية وأغذية ومياه وكهرباء، كما تغذيها استفزازات مستمرة من الحكومات لشعوبها الفقيرة حيث تحمّلهم وحدهم أزمات الاقتصاد وتراجع الإيرادات العامة وفشلها في إدارة موارد الدولة بشكل كفء.

ثورات الجياع ليست جديدة على المجتمعات البشرية، بل عرفها التاريخ القديم منذ آلاف السنين، حيث قام المصريون بأول ثورة جياع في العالم ضد الملك بيبي الثاني عقب انتشار المجاعة والفقر وتردّي الأحوال المعيشية، وذلك حسبما جاء في برديات وحفريات تم العثور عليها جنوب سقّارة وهرم بيبي الثاني ونصوص الأهرام.

الجديد في ثورات الجياع الجديدة أنها قد تنطلق هذه المرة من بلدان كانت قبل سنوات قليلة رمزاً للثراء الفاحش والغنى المفرط والإنتاج النفطي الغزير، إضافة لامتلاكها احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي واستثمارات كبيرة في الخارج، وأكبر مثال على ذلك فنزويلا ونيجيريا والمكسيك وغيرها.




ويبدو أن قطار هذه الثورات قد انطلق بالفعل وأنه جاء هذه المرة من فنزويلا، التي تنافس السعودية في الاحتياطات النفطية، لكنها تعيش حالة من الأزمات المالية الطاحنة منذ أكثر من عام، كما تحولت مؤخراً لدولة فقيرة معدمة اقتصادياً بسبب انتشار الفساد السياسي وانهيار إيراداتها النفطية، عقب تهاوي سعر النفط من 115 دولارا في يونيو 2014 إلى حوالي 48 دولاراً حالياً، وهو ما شل قدرة الحكومة على توفير الاحتياجات الضرورية والمعيشية للمواطنين واستيراد مستلزمات الأدوية والغذاء.

شرارة ثورة الجياع بفنزويلا بدأت قبل أيام عندما عمت الفوضى العديد من مدنها وتفشت الجريمة وأعمال النهب والسلب في الشوارع وباتت سرقات الأفراد والشركات والمحال تتم في وضح النهار، وبلغت ذروة الشرارة عندما هاجم آلاف المتظاهرين المحلات التجارية في العاصمة كراكاس، بحجة أن أسرهم يموتون من الجوع والمرض لعدم توافر الأغذية والأدوية، وأن الكهرباء والمياه انقطعت عن منازلهم، كما أنهم لا يملكون الأموال المطلوبة لشراء ضرورات الحياة، وبالتالي فإنه لم يتبق أمامهم إلا نهب محال الأغذية للحصول على احتياجاتهم.

وسارعت حكومة الرئيس مادورو بالبحث عن عدو خارجي تلقي عليه مسؤولية الأزمة، ومرة نجد أن هذا العدو هو أميركا وحلفاؤها في المعسكر الرأسمالي، ومرة أخرى الدول الرافضة الاقتراحات المتعلقة بأزمة النفط، لكن ذلك لم يوقف عمليات نهب صناديق الأغذية والمشروبات.

ما يحدث في فنزويلا حالياً هو رسالة لكل الدول العربية، خاصة النفطية منها، التي عليها أن تعي الدرس جيداً، وأن تدرك أن الخطر ليس بعيداً عنها، وأن الضغط الشديد على شعوبها يولد الانفجار، وأن هناك طاقة قصوى يستطيع أن يتحملها المواطن، وأن مستوى معينا من زيادة الأسعار وسياسات التقشف لا يمكن تحمله، وفي لحظة ما يبدأ الانفجار بلا مقدمات، وأنه مهما امتلكت الحكومات من أدوات قمع وبطش وعلا صوت الرصاص الذي بحوزتها فإن صوت الشعوب هو الأعلى، خاصة إذا ما تعلق الأمر بلقمة العيش والبطون الجائعة.


المساهمون