ثابت واحد

16 يونيو 2018
... وقرّروا خوض غمار الهجرة (Getty)
+ الخط -

أضيء ذلك البيت الحجريّ. جرى ذلك في منتصف القرن الماضي. كان البيت الأوّل في تلك القرية الجبليّة، ولا شكّ في أنّ الجيران راحوا يسترقون النظر في المساء الأوّل وفي ما تلاه من مساءات، إلى الأضواء المتسللة من نوافذه. سكّانه لم يكونوا من الوجهاء، غير أنّ الكهرباء بلغته. بالتزامن، أنارت الأسلاك الغريبة التي علّقها عمّال غرباء، كنيسة القرية الواقعة في وسطها.

الفخر، هو الشعور الذي أحسّت به تلك المرأة التي سارعت إلى كتابة رسالة إلى شقيقها المهاجر في الأرجنتين تطمئنه من خلالها على أنّها أنجزت المهمّة التي أوكلها إليها، فالتيار الكهربائيّ أضاء بيت العائلة وكذلك بيوت أخواته جميعاً إلى جانب كنيسة الضيعة.

هكذا، بلغت الكهرباء تلك القرية الجبليّة قبل نحو سبعين عاماً من اليوم. وراحت تلك المرأة الأربعينيّة - حينها - تحرص على ترشيد استخدامها لتلك الطاقة، فهي اعتادت العيش من دونها طوال سنوات حياتها الماضية. هذا من جهة. أمّا من جهة أخرى، وبعد سنوات، ولأنّها تدرك قيمة تلك الطاقة، فقد راحت توبّخ أحفادها كلّما أهمل أحدهم إطفاء النور في غرفة خرج منها. هي تابعت كلّ الإجراءات والمعاملات المطلوبة لتبلغ الكهرباء قريتها، وتعلم جيّداً أنّ الأمر ليس باليسير.

لا شكّ في أنّ مثل هذه الأحداث تكرّرت مرّات ومرّات في أكثر من قرية وبلدة ومدينة. تكرّرت مع تغيّر عنصر واحد أو أكثر من عناصرها، في حين ثمّة ثابتٌ واحدٌ. شاب - في أغلب الأحيان - ترك أهله وحياته التي اعتادها ووطنه، إذ إنّه حسم أمره وقرّر خوض غمار الهجرة. هي ليست هجرة سريّة مثل تلك التي نشهدها اليوم، غير أنّها تتشابه معها بنقاط عدّة. تلك الهجرة التي كانت في بدايات القرن الماضي، كانت تجري بحراً، إلا أنّها لم تكن في قوارب مطاطيّة بل على متن سفن مخصّصة إمّا للسفر وإمّا للشحن. كذلك، كانت وسائل نقلهم تلك تكتظّ بأعداد كبيرة منهم، بعدما قرّروا الهرب من واقع اقتصاديّ متزعزع بحثاً عن فرص جديدة تساعدهم على النهوض وعلى تأمين دعم لهؤلاء الذين خلّفوهم وراءهم في الوطن.




ما زالت الهجرة نشطة اليوم، وما زال المهاجرون يمدّون عائلاتهم التي تركوها في الوطن بالمال لعلّ حياتها تصير كريمة. ربّما هذا ما دفع الأمم المتحدة إلى تحديد 16 يونيو/ حزيران يوماً عالميّاً للتحويلات الماليّة الأسريّة، إقراراً بالمساهمة الماليّة الكبيرة للعمّال المهاجرين في رفاهيّة أسرهم في وطنهم وتحقيق التنمية المستدامة في بلدانهم الأصليّة. ويؤكّد رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعيّة جيلبير هونغبو أنّ "الموضوع لا يتعلق بالأموال المحوّلة، بل بتأثير تلك التحويلات في معيشة الأسر والمجتمعات التي تعيش فيها".
المساهمون