تونس ومصر: عبوديّة من صميم بلدان الثورة

27 أكتوبر 2014
نظام الرق الزراعي منتشر في مصر (آن هرمس/GETTY)
+ الخط -
وكأن التاريخ لم يتحرّك منذ آلاف السنين. هنا، في ريف بنزرت، في منطقة نائية تدعى ‏‏"بازين"، يقف الآباء على قارعة الطريق. قرب هؤلاء، فتيات صغيرات معروضات للبيع، ‏مقابل 70 ديناراً كراتب شهري يُدفع للوالد. ‏
أما في مصر، فأخبار مترامية من هنا وهناك عن تعذيب عاملة منزل، وأخرى عن خمسة ‏ملايين ‏طفل يعملون في ظل ظروف غاية في القسوة، وثالثة عن مزارعين يعملون وفق نظام الرق، ويُستغلّون من أصحاب الأراضي. ‏

مليون "عبد" تونسي
العبودية في تونس واقع يخفيه الكثير من الحذر. إذ إن ياسمينة الثورات العربية، كانت من أوائل ‏الدول التي أعلنت منع الاتجار بالرق وبيعهم، وذلك في 6 سبتمبر/ أيلول من العام 1841. إلا أن هذه ‏الظاهرة بقيت، وتوسّعت على مر السنين. لا بل إن الجنوب التونسي، الذي يضم عدداً كبيراً من ‏المواطنين ذوي البشرة السمراء، لا يزال يشهد حالات عبودية واستغلال شديدة.‏
وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية التونسية خصصت مكتباً لمكافحة الاتجار بالأشخاص ‏وأعدّت خطة لمقاومة هذه الظاهرة، إلا أن الواقع يؤكد أن الحكومات المتعاقبة ضربت عرض ‏الحائط بحقيقة استفحال العبودية من جديد. وقد أعلنت الدراسة الأولية التي أعدتها‎ ‎المنظمة ‏الدولية للهجرة، أن تونس تعدّ بلد منشأ وعبور‎ ‎ومقصد لظاهرة الاتجار بالبشر‎.‎
وتقول دراسة منظمة "والك فري" الأميركية إن عدد التونسيين المعرّضين لتجارة البشر ‏والاستعباد وصل إلى نحو 9271 شخصاً في سنة 2013. إلا أن رئيس المرصد التونسي ‏لدراسات الأمن الشامل، نصر بن سلطانه، يؤكد أن العدد ارتفع ليتجاوز المليون مواطن من الذين يمكن أن ‏يطلق عليهم صفة "العبد".
ويشرح النقابي في الاتحاد العام التونسي للشغل، قيس بن يحمد، الوجه الآخر للعبودية الحديثة، حيث يقول إن سياسة الاستغلال والاستعباد المهني ليست وليدة الثورة، بل هي سياسة حكومية ‏ترسّخت مع نظام بن علي، لتتجاوز حدودها بعد الثورة. ويؤكد أن 70% من اليد العاملة ‏التونسية تتعرض للاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة لدى النساء والأطفال.‏

‏من مصر: هنا الاستغلال
في مصر، تبرز ظاهرة الرق في القطاع الزراعي، حيث ينتشر نظام ‏‏"الإيجار بالمزارعة"، وهو ما يعني أن يتم استئجار العامل لمدة سنة مقابل ‏الحصول على طعامه وشرابه وملبسه، بالإضافة إلى مقابل مادي بسيط ‏أو جزء من الحبوب التي يحصدها. كذا، نشأ نظام "الكفيل" الزراعي، ‏بحيث يجري استغلال هجرة بعض الفلاحين من قبل وسطاء يؤمّنون العمال ‏الزراعيين في مقابل عمولة مالية. ‏
يقول عادل حسن، وهو فلاح من إحدى قرى المنيا، إنه يلجأ هو وأولاده ‏إلى التعامل مع كبار مُلاّك الأراضي الزراعية، حيث يقوم بالعمل في ‏الأرض، من زراعة وتشجير وحصاد إضافة إلى رعاية الماشية، لمدة عام، ‏مقابل الحصول في نهاية العام على حصة من المحاصيل قد تكون قمحاً، ‏أو ذرة، أو فولاً. ‏
ويشرح مدير مركز آفاق اشتراكية بالمحلة، حمدي حسين، أن مصر تعاني ‏ويلات عدم تطبيق الاتفاقيات الدولية، ويضيف أنه بالرغم من حدوث ثورة ‏في مصر، إلا أن قوانين مبارك ما زالت تحكم علاقات العمل داخلياً ‏وخارجياً.‏
وتؤكد دراسة لمركز الشهاب للتنمية الشاملة على العنف الذي يُمارس ضد ‏العاملات المنزليات المصريات، وصلت إلى "حلق الشعر، والكي بالنار، ‏والاغتصاب، والتحرش، إضافة إلى تلفيق قضايا سرقة".‏
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لعدد العاملين في خدمة ‏المنازل، إلا أن بعض المؤشرات الحقوقية، كتلك التي رصدها مركز ‏الشهاب للتنمية الشاملة، تؤكد أن هناك مليوناً و380 ألف عاملة في ‏المنازل في مصر.
ويقول الخبير الاقتصادي، عبد المولى عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن ‏للعمل الجبري آثار اقتصادية كبيرة. ويشرح أن تحويلات المصريين في ‏الخارج تحتل المرتبة الثالثة من العملة الصعبة في مصر وتصل إلى ما ‏يقرب من 120 مليار دولار سنوياً. وإذا استمرت الأزمات التي يعاني منها ‏المصريون بالخارج من قبل الكفلاء، وإذا استمر واقع الاستغلال الحاصل ‏في السوق المحلية، ستنخفض معدلات تحويلات المصريين، وترتفع نسبة ‏البطالة.‏
المساهمون