20 أكتوبر 2024
تونس وليبيا.. خسائر بالجملة
جاءت حادثة تحرير الدبلوماسيين التونسيين في مقابل تنازل الحكومة التونسية عن وليد القليب، الذي كان متابعا قضائياً، لتزيد من تعقيد العلاقة بين البلدين، وخصوصاً بين تونس وقوات فجر ليبيا، فالأسلوب الذي لجأ إليه شقيق القليب وتنظيمه المسلح خلّف تداعيات خطيرة، على أكثر من صعيد، وأكد مدى صعوبة تعامل تونس مع جارها الشرقي.
لئن تمكنت الدبلوماسية التونسية من استعادة دبلوماسييها من دون خسائر، وهي نتيجة غير هينة، إلا أن الكلفة كانت غالية. فالمقابل كان التخلي عن شخص اعتبره القضاء التونسي مشتبهاً في ارتكابه جريمة قد تكون لها صلة بالإرهاب. وبقطع النظر عن مدى صحة هذا الاتهام أو بطلانه، كما أثبت ذلك محاميه، جاء القرار التونسي نتيجة ضغوط قوية، مارسها الخاطفون على الدبلوماسيين التونسيين. ومهما حاول وزير الخارجية، الطيب البكوش، أن ينكر هذه العلاقة بين السبب والنتيجة، فإن ذلك لم يقنع كثيرين داخل تونس أو خارجها. وليس المقصود بهذه الملاحظة إدانة ما قامت به الخارجية التونسية التي وجدت نفسها أمام اختيارين أحلاهما مر، وإنما إبراز الخسائر التي ترتبت عن هذه المعالجة الاضطرارية لمثل هذا الملف، فمن تداعيات ذلك خضوع الحكومة لابتزاز الخاطفين، واضطرارها إلى القبول بمطالبهم، وهي ضريبة قاسية قد تضطر إليها حكومات كثيرة، بما فيها الديمقراطية، حين تجد نفسها في مأزق شبيه. ومن التداعيات أن بعض الأطراف، من بينها جهات لها صلة بالقضاء، دانت ما وصفته تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، وهذه تهمة أصبح ينظر إليها في تونس بعد الثورة بمثابة كبيرة من كبائر يتهرب منها السياسيون.
ومني الطرف الليبي بخسائر سياسية عديدة، منها قرار رئاسة الجمهورية والحكومة التونسية غلق القنصلية التي تم فتحها في طرابلس. وبذلك، تكون تونس قد تراجعت عن مبدأ التعامل مع طرفي النزاع داخل ليبيا بطريقةٍ كانت أقرب إلى المساواة بينهما، مما أدى، في ذلك الوقت، إلى احتجاج قوي من حكومة طبرق المعترف بها دوليا. أما اليوم فقد أدت عملية احتجاز الدبلوماسيين التونسيين بطريقة مهينة إلى إعادة العجلة إلى الخلف، أي أن جماعة فجر ليبيا خسرت هذا الانفتاح التونسي، في ظرف يقاطع فيه العالم حكومة طرابلس، ويرفض الاعتراف بها.
كما تعززت الأصوات المطالبة في تونس بعدم التعامل مع "فجر ليبيا"، واعتبارها قوة إرهابية ومعادية للمصالح الحيوية التونسية، مما أضعف موقف الحكومة التي راهنت على تحسين العلاقة مع طرابلس، واستقبلت كبار مسؤوليها الذين شعر عديدون منهم بحرج شديد، بعد احتجاز الدبلوماسيين التونسيين. فتعزيز صفوف خصوم قوات فجر ليبيا داخل تونس ليس في مصلحة هذا الطرف الأساسي في المعادلة الليبية.
وقد وجه الذين قاموا بعملية الاحتجاز رسالة سيئة لمستقبل العلاقات بين شعبين، ربطت بينهما علاقات تاريخية، ليس فقط بسبب الجوار، ولكن أيضا بسبب التمازج والمصاهرة والاختلاط الواسع بين التونسيين والليبيين. أسقط هؤلاء من حساباتهم وجود ما لا يقل عن 700 ألف ليبي في تونس، يتمتعون بحسن الضيافة، بقطع النظر عن انتماءاتهم السياسية أو القبلية والجهوية. أدان هؤلاء عملية اختطاف الدبلوماسيين التونسيين وإهانتهم، وإن كانوا يعلمون، علم اليقين، أنهم سيبقون في أمان، ولن يتعرضوا في تونس لردود أفعال شبيهة.
أصبح التعامل مع الوضع الليبي من أكثر الملفات تعقيداً في تونس. ودعوة الخارجية التونسية العمال التونسيين في ليبيا إلى العودة ليست حلاً، نظرا إلى التداعيات الاجتماعية والاقتصادية التي ستترتب عن ذلك. وما لم تستعد الدولة في ليبيا وجودها واستقرارها ووحدتها، فإن التونسيين سيبقون عرضة لابتزاز هذا الفصيل أو ذاك. ليس هناك من حل سوى الصبر، وتأمين الحدود، والاستمرار في دعم الليبيين على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية، على الصعيد الداخلي، مع رفض أي تدخل عسكري خارجي.
لئن تمكنت الدبلوماسية التونسية من استعادة دبلوماسييها من دون خسائر، وهي نتيجة غير هينة، إلا أن الكلفة كانت غالية. فالمقابل كان التخلي عن شخص اعتبره القضاء التونسي مشتبهاً في ارتكابه جريمة قد تكون لها صلة بالإرهاب. وبقطع النظر عن مدى صحة هذا الاتهام أو بطلانه، كما أثبت ذلك محاميه، جاء القرار التونسي نتيجة ضغوط قوية، مارسها الخاطفون على الدبلوماسيين التونسيين. ومهما حاول وزير الخارجية، الطيب البكوش، أن ينكر هذه العلاقة بين السبب والنتيجة، فإن ذلك لم يقنع كثيرين داخل تونس أو خارجها. وليس المقصود بهذه الملاحظة إدانة ما قامت به الخارجية التونسية التي وجدت نفسها أمام اختيارين أحلاهما مر، وإنما إبراز الخسائر التي ترتبت عن هذه المعالجة الاضطرارية لمثل هذا الملف، فمن تداعيات ذلك خضوع الحكومة لابتزاز الخاطفين، واضطرارها إلى القبول بمطالبهم، وهي ضريبة قاسية قد تضطر إليها حكومات كثيرة، بما فيها الديمقراطية، حين تجد نفسها في مأزق شبيه. ومن التداعيات أن بعض الأطراف، من بينها جهات لها صلة بالقضاء، دانت ما وصفته تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، وهذه تهمة أصبح ينظر إليها في تونس بعد الثورة بمثابة كبيرة من كبائر يتهرب منها السياسيون.
ومني الطرف الليبي بخسائر سياسية عديدة، منها قرار رئاسة الجمهورية والحكومة التونسية غلق القنصلية التي تم فتحها في طرابلس. وبذلك، تكون تونس قد تراجعت عن مبدأ التعامل مع طرفي النزاع داخل ليبيا بطريقةٍ كانت أقرب إلى المساواة بينهما، مما أدى، في ذلك الوقت، إلى احتجاج قوي من حكومة طبرق المعترف بها دوليا. أما اليوم فقد أدت عملية احتجاز الدبلوماسيين التونسيين بطريقة مهينة إلى إعادة العجلة إلى الخلف، أي أن جماعة فجر ليبيا خسرت هذا الانفتاح التونسي، في ظرف يقاطع فيه العالم حكومة طرابلس، ويرفض الاعتراف بها.
كما تعززت الأصوات المطالبة في تونس بعدم التعامل مع "فجر ليبيا"، واعتبارها قوة إرهابية ومعادية للمصالح الحيوية التونسية، مما أضعف موقف الحكومة التي راهنت على تحسين العلاقة مع طرابلس، واستقبلت كبار مسؤوليها الذين شعر عديدون منهم بحرج شديد، بعد احتجاز الدبلوماسيين التونسيين. فتعزيز صفوف خصوم قوات فجر ليبيا داخل تونس ليس في مصلحة هذا الطرف الأساسي في المعادلة الليبية.
وقد وجه الذين قاموا بعملية الاحتجاز رسالة سيئة لمستقبل العلاقات بين شعبين، ربطت بينهما علاقات تاريخية، ليس فقط بسبب الجوار، ولكن أيضا بسبب التمازج والمصاهرة والاختلاط الواسع بين التونسيين والليبيين. أسقط هؤلاء من حساباتهم وجود ما لا يقل عن 700 ألف ليبي في تونس، يتمتعون بحسن الضيافة، بقطع النظر عن انتماءاتهم السياسية أو القبلية والجهوية. أدان هؤلاء عملية اختطاف الدبلوماسيين التونسيين وإهانتهم، وإن كانوا يعلمون، علم اليقين، أنهم سيبقون في أمان، ولن يتعرضوا في تونس لردود أفعال شبيهة.
أصبح التعامل مع الوضع الليبي من أكثر الملفات تعقيداً في تونس. ودعوة الخارجية التونسية العمال التونسيين في ليبيا إلى العودة ليست حلاً، نظرا إلى التداعيات الاجتماعية والاقتصادية التي ستترتب عن ذلك. وما لم تستعد الدولة في ليبيا وجودها واستقرارها ووحدتها، فإن التونسيين سيبقون عرضة لابتزاز هذا الفصيل أو ذاك. ليس هناك من حل سوى الصبر، وتأمين الحدود، والاستمرار في دعم الليبيين على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية، على الصعيد الداخلي، مع رفض أي تدخل عسكري خارجي.