تونس والجزائر.. سباق مع الزمن

17 فبراير 2015

الباجي السبسي مع رئيس مجلس الأمة الجزائري (4 فبراير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

نعود من جديد للحديث عن الجزائر، البلد الذي لا تستطيع تونس أن تقفز عليه، أو تسقطه من حساباتها. ليس فقط بحكم كونه جاراً، أو لحجمه ومكانته، لكنه، أيضاً، حليف ضروري في معركة فرضت على تونس، ولم يعد ممكناً التخلص منها، أو التقليل من أهميتها. قرر الذين برروا رفع السلاح في وجه الدولة أن يخلطوا الأوراق، ولم يتركوا للسياسيين التونسيين، بمختلف اتجاهاتهم، أي اختيار آخر سوى التحالف مع الجزائر، ومع غيرها، ضد التنظيمات الساعية نحو تغيير خارطة المنطقة.

لهذا السبب، كانت أول زيارة قام بها الرئيس الباجي قايد السبسي نحو الجزائر، بعد أن اضطر للذهاب إلى الرياض للتعزية في الملك عبدالله. وقريباً، يتوجه رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، إلى العاصمة الجزائرية، للالتقاء بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لتخصيص جزء من المشاورات حول الحالة الليبية. كما أن الزيارة الأولى لرئيس الحكومة الجديد، الحبيب الصيد، ستكون إلى الجزائر. ولا يوجد اختلاف بين الأحزاب التونسية الفاعلة حول ضرورة تعميق التعاون مع الجار الغربي. هذا من المعطيات الاستراتيجية الثابتة في السياسة الخارجية التونسية، وقد جعلت منه الأحداث الخطيرة ما بعد الثورة، على الصعيدين المحلي والإقليمي، ضرورة قصوى، بدونه قد تصبح الدولة الوطنية في تونس مهددة بالسقوط.

صارت تونس مجالاً حيوياً للجماعات المسلحة الجزائرية، وقد قتل الجيش الجزائري، قبل يومين، الشخص الذي كان يشرف على إدخال الإرهابيين الجزائريين إلى التراب التونسي. وقد سبق أن أكد لي وزير الداخلية التونسي السابق، لطفي بن جدو، أن أغلبية المختفين في جبال الشعانبي جزائريون. ويتولى هؤلاء وغيرهم تدريب الشباب التونسي الذي انزلق في هذه المتاهة، واستخدامهم لتنفيذ مخططات بعيدة الأهداف والمدى.

أصبح ما يجري في ليبيا كابوساً حقيقيا للبلدين. وسيكون السعي إلى إقامة إمارة خاضعة لتنظيم داعش داخل ليبيا بمثابة تحول استراتيجي في كامل منطقة المغرب العربي وأفريقيا. وسيكون الحديث، اليوم، عن قرب سقوط مدينة مصراطة في أيدي هذا التنظيم بمثابة الزلزال الإقليمي بعيد المدى. وقد جاءت عملية إعدام 21 مصرياً قبطياً في ليبيا إعلانا عن تحول خطير، ستكون له تداعياته، فالذي جرى لم يكن مجرد رسالة إلى النظام المصري، وإنما أيضا مؤشر على مدى تغلغل هذا التنظيم في بلد حيوي وكبير، مثل ليبيا.

يمر تنظيم داعش، حالياً، بتنفيذ خطة إعادة انتشار وتوسع في المنطقة. وتفيد التقارير الأمنية المختلفة عن وصول العشرات، إن لم نقل المئات، إلى ليبيا، قادمين من العراق وسورية. وفي تونس فقط، تتحدث مصادر وزارة الداخلية عن عودة أكثر من 500 مقاتل. بعضهم قد يكون بسبب الصدمة التي عاشوها، في ظل ما شاهدوه من انحراف عن مفهوم الجهاد. لكن، هناك من قدم بهدف إعادة بناء تنظيم الخلايا النائمة، بعد أن حققت الأجهزة الأمنية تقدماً ملحوظاً في تفكيك تنظيم أنصار الشريعة وغيره من الجماعات التي تشكلت في الفترة الأخيرة.

أدت المشاورات الجارية، منذ فترة طويلة، بين قيادتي البلدين إلى الاقتناع بضرورة منع أي شكل من التدخل العسكري في ليبيا، وأن الحل السياسي لا يزال ممكنا. فتحريض إيطاليا وغيرها من دول حلف الناتو من شأنه أن يزيد من تعقيد الأوضاع، وقد يوحد غالبية الفصائل المسلحة الليبية، ما قد يعطي فرصة للتنظيمات الإرهابية لمزيد من التوغل وافتكاك الأرض والمبادرة. في حين أن تنظيمات ليبية مسلحة كثيرة منضوية في "فجر ليبيا" لا تؤيد داعش أو غيرها، وهي ستكون مضطرة في حال التوصل إلى توافق سياسي إلى مقاتلة داعش وحلفائها، حماية لوجودها، ولوجود ليبيا وطناً موحداً ومشروعا لبناء دولة وطنية في المستقبل.

ستكون الأشهر القليلة المقبلة حاسمة. فما يجري حاليا سباق مع الزمن.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس