تونس وإسرائيل .. دعه يَسُحْ.. دعه يمرّ

27 ابريل 2014
وزيرة السياحة أمال كربول (getty)
+ الخط -

عبارة بسيطة تسرّبت من وزيرة السياحة التونسية، أمال كربول، في مؤتمرها الصحافي، يوم الجمعة الماضي، تلخّص موضوع التطبيع الذي يثير جدلاً واسعاً في الساحتين التونسية والعربية: هذه الزيارات (حجّ اليهود الى معبد الغريبة الواقع في جزيرة جربة) تقليد قديم مستمر منذ عشرات السنين، وكان الوزراء التونسيين يحضرون هذه الاحتفالات، على حد تعبير كربول. أما رئيس الحكومة، مهدي جمعة، فلم يكن كلامه مختلفاً، إذ اعترف بأن "ما كان يحدث سرّاً ويعلم به الجميع، يحدث اليوم أمام الجميع بكل شفافية".

وكان كل من جمعة وكربول يتحدثان عن موسم "حج" اليهود الى معبد الغريبة الواقع في جزيرة جربة، والذي يأتيه اليهود، سنوياً، من كل بلدان العالم، وحتى من إسرائيل، عبر بلد ثالث. ولم يكن هذا الموضوع يثير في السابق أي جدل في تونس، لأن التونسيين يميّزون بين الكيان الاسرائيلي وبين اليهود الذين يعيش عدد كبير منهم في تونس حتى اليوم، ويرتبطون بعلاقات تجارية واجتماعية قديمة مع "محيطهم" التونسي، من دون مشاكل تُذكر.

تاريخ من الدم والعدوان

لا ينسى التونسيون، إلى اليوم، أحداث "حمام الشط"، عندما قامت طائرات إسرائيلية في أكتوبر/ تشرين الأول 1985، بقصف مقر اللاجئين الفلسطينيين في منطقة حمام الشط في ضواحي تونس، مستهدفة قيادات منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، وفي مقدمتهم الراحل ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) أثناء حضورهم جنازة في مكان قريب من المنطقة المستهدفة. وقد أسفر القصف عن أكثر من 60 شهيدا بين تونسيين وفلسطينيين، وعدد كبير من الجرحى. وللمرة الأولى، تمت إدانة اسرائيل في مجلس الأمن، وللمرة الأولى أيضاً، لم تستخدم الولايات المتحدة "الفيتو" دفاعاً عن دولة الاحتلال، واكتفت بالامتناع عن التصويت.

ولم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة، إذ شهد العام 1988 عملية غادرة أخرى تمثّلت في اغتيال المناضل الفلسطيني أبو جهاد، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة بين التونسيين. وأحاطت بالعملية شبهات كثيرة من احتمال تواطؤ جهات تونسية فيها. وأشارت معلومات إلى تورّط مباشر للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

تطبيع تحت الطاولة

لم يكن يخفى على التونسيين أن السلطات التونسية، قبل الثورة، كانت تربطها علاقات مع السلطات الإسرائيلية، وكان التونسيون يعرفون أن الدولة العبرية لديها مكتب اتصال في تونس بفندق الشيراتون، على الرغم من نفي السلطات التونسية المتكرر لهذه الأنباء التي تفيد بأن الطرفين تبادلا فتح مكاتب اتصال في تونس وتل أبيب عام 1996، ولكن هذه العلاقات عرفت كثيراً من البرودة سنة 2000، احتجاجاً على الإرهاب الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية.

غير أن الدعوة التي وجهها الرئيس المخلوع بن علي، عام 2005 الى أرييل شارون للمشاركة في المؤتمر الدولي حول المعلوماتية والتعاون الدولي، جاءت لتفضح هذه العلاقات السرية. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في حينها، أن الدعوة التونسية تحدثت عن اقتناع بأن "مشاركة إسرائيل ستثري المناقشات، وتساهم في إنجاح المهام التي يتطلّع المؤتمر إلى إنجازها". آنذاك، خرجت تظاهرات كبيرة احتجاجاً على هذه الدعوة، جرح فيها ستة أشخاص، من بينهم راضية النصراوي (المحامية وزوجة الزعيم الشيوعي التونسي حمة الهمامي)، ومهدي المبروك (وزير الثقافة بعد الثورة) وفق ما أعلنه الحزب الديموقراطي التقدمي (الجمهوري) الذي كان يتزعمه أحمد نجيب الشابي آنذاك.

طرحت فكرة إدراج تجريم التطبيع في الدستور التونسي الجديد إبّان النقاشات التي رافقت مختلف المشاريع المقدمة، ولكن نواب المجلس التأسيسي اتفقوا على عدم إدراجه، والاكتفاء بالقوانين التي يمكن أن تتعرّض للموضوع. وقال رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع في تونس، في حينها، أحمد الكحلاوي، إن تونس "تتعرّض إلى ابتزاز اقتصادي من قبل الصهاينة وسفارات أجنبية ومؤسسات مالية دولية من أجل عدم إدراج المادة 27، التي تجرّم التطبيع، في الدستور".

وسادت خلافات كبيرة أجواء المجلس بين رافض ومؤيد لإدراج التجريم في الدستور، وخرجت تظاهرات عديدة منددة أمام المجلس.

ويعود النقاش، اليوم، الى الموضوع نفسه، وبحدّة أكبر، وخصوصاً أن المسالة على علاقة بوزيرة السياحة، أمال كربول، التي هوجمت حتى قبل التأكد من شبهة علاقة محتملة مع إسرائيل، تبيّن أنها كانت خاطئة، بعدما ثبت أنها شاركت في نشاط أممي لصالح الفلسطينيين وليس مع إسرائيل.

وشهد شهر مارس/ آذار الماضي، جدلاً بسبب رفض وزارة الداخلية التونسية دخول مجموعة من الإسرائيليين "لعدم استكمال الإجراءات الإدارية". وشنّت شركات السياحة الأجنبية حملة على تونس، واتهمتها بـ"العنصرية"، وأوقفت كل رحلاتها الى تونس.

ويرى بعض المتابعين لقضية دخول إسرائيليين الى تونس، أنّ شعار إقالة الوزيرة كربول، مجرّد حملة انتخابية مبكرة، وهو موقف الحكومة التي دعا رئيسها، جمعة، الى "الابتعاد عن رفع هذه العناوين الكبرى" و"عدم تكبير حجم الموضوع"، نظراً لآثاره على القطاع السياحي. غير أن النائب أزاد بادي، أحد أبرز الناشطين في حملة إقالة الوزيرة كربول، يشدد على أن "إنجاح الموسم السياحي لا يتطلّب التّطبيع واستضافة مَن استباحوا دماء إخواننا في فلسطين"، متعهّداً بالمضيّ قدماً في مساءلة وزيرة السياحة.

وجاء موقف زعيم حركة النهضة الإسلامية، الشيخ راشد الغنوشي، مؤيداً للحكومة، إذ أشار إلى أن "الحج إلى جربة ليس جديداً، والحكومات قبل ثورة 14 يناير وبعدها سلكت نهجاً ينبغي متابعته". ودعا الغنوشي إلى "إبعاد مسألة الحج إلى الغريبة ودخول السياح الاسرائيليين لتونس، عن كل توظيف سياسي وتجاذب، لأنه لا ينبغي طرح قضايا ليست محل خلاف بين التونسيين".

كما اعتبر أن طرح المسألة في هذا التوقيت، "يشوّش على الموسم السياحي وعلى برنامج البلاد السياسي والاقتصادي" الذي يتزامن مع الإعداد لمؤتمر الحوار الاقتصادي.

وقال الغنوشي: "نحن متّفقون على عدم التطبيع مع إسرائيل وعلى الحريات الدينية للمسلمين وغير المسلمين في التديّن".

وكشف عدد من النواب أن الأمور لن تذهب أبعد من ذلك، وإن كان العدد الكبير للنواب الموقعين على عريضة المساءلة ضد الحكومة ووزيرة السياحة (80 نائباً) يمكن أن يؤثر، ولو جزئياً، على الحكومة.

المساهمون