وكانت الهيئة قد تلقت العام الماضي طعنا من نواب المعارضة، وبعض من نواب آفاق تونس المشارك في الائتلاف الحاكم، استندوا فيه إلى أن التغيير الكبير الذي أدخله البرلمان على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء الذي قدمته وزارة العدل حتى أضحى بمثابة المشروع الجديد الذي لا يمت بصلة لمقترح الوزارة، وهو ما أيدته الهيئة وقضت بعدم الدستورية، وإثر نقاشات امتدت لأشهر، أعاد البرلمان التصويت على المشروع المعدل بعد أن تبنته الحكومة لتمتنع الهيئة عن البت في دستوريته من جديد.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين السلطتين التشريعية والقضائية، أخذت في التوتر والصدام منذ انطلاق مناقشة المشروع العام الماضي، بعد أن أدخلت لجنة التشريع العام تغييرات على مقترح الوزارة الذي حظي برضا الهياكل المهنية.
وانطلقت المواجهة بين الهيئة والبرلمان حال إحالة مراسلتها، فقد صرح رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري في حديث لـ"العربي الجديد" بأن الهيئة يبدو وكأنها تنوي البقاء أكثر، وأن المجلس وكتله عازمون على تسوية الوضعية من أجل المصادقة على مشروع المجلس الأعلى للقضاء وإرساء هذا الهيكل، لأن أبناء القطاع قد نفد صبرهم من جهة، ولضرورته كمؤسسة ستحفظ التوازن واستقلال السلطة القضائية.
ولم يختلف موقف آفاق تونس الذي سبق أن طعن في المشروع سابقا، حيث أوضح النائب عنه رياض المؤخر في حديث لـ"العربي الجديد" أن البرلمان وإن يحترم مؤسسات الدولة ويؤمن بدور الهيئة، فإنه يستغرب أن تجعل الهيئة من الجانب الإجرائي في المصادقة حجر عثرة وتعيق تركيز هذه المؤسسة، مبينا أنه لا علاقة بين الإجراءات والدستور وهو اجتهاد من الهيئة وليس من صميم عملها. وأضاف المؤخر أن الموضوع استوفى السجال بين البرلمان وهيئة الرقابة ويعتبره على غرار نواب آخرين انتهى، داعيا القائمين عليها إلى التحلي بالمسؤولية قائلا إن الدخول في خلاف ولي ذراع لا يخدم مصلحة الهيئة الحالية ولا المحكمة الدستورية، محذرا من مغبة الوقوع في أزمة جراء ذلك.
ولأن الانتقادات كانت حادة جدا تجاه الهيئة، فإن رئاسة البرلمان سعت لتهدئة الأوضاع، وأقرت أن تتم إجابة الهيئة في جلسة عامة ستحدد لاحقا، ونفت أن يكون هناك خلاف مؤسساتي، وكشف النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب عبد الفتاح مورو لـ"العربي الجديد" أن النواب سيقومون بواجبهم ويعدون ردهم للهيئة، تماما كما تقوم هي بذلك، ولا تثريب عليها.
وأشار مورو في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن المخاوف من إسقاط المشروع قائمة ولا شك في وجودها، موضحا أن من يعتقدون أن الهيئة والبرلمان دخلا في مرحلة خلاف و"كسر عظام" فهم مخطئون، وقال في هذا الصدد: "أريد أن أزيل من أذهان الكثيرين أن الهيئة والبرلمان في حرب أو نزال، ولا عداوة بيننا أو خصومة".
واعتبر مورو أن الحل إذا ما حصل خلاف في النهاية حول دستورية المشروع، وقضت الهيئة بإسقاطه فعلى رجال القانون بالبلاد التحرك، وستتم دعوتهم لبيان رأيهم في القضية.