لكن هذه الأحزاب، والتي يفوق عددها المئتين، تدرك أيضا أنه لا يمكن أن تتقدم لهذه الانتخابات منفردة، فعدد الأحزاب الكبيرة القادرة على المنافسة لا يتجاوز العشرين.
وحتى الأحزاب التي توصف بالكبيرة، والتي تتوفر على إمكانات مادية وبشرية ولوجيستية، تعرف أنها أيضا قد تلقى مفاجآت غير محسوبة بعد هذه الانتخابات، بسبب تغيّر المزاج السياسي التونسي باستمرار، وعدم وضوح الرؤيا لدى أغلبية الناخبين، وفقا لآخر استطلاعات الرأي.
كما أن هذه الانتخابات المحلية تستوجب استعدادا وتقنيات مختلفة تماما عن التجارب التي خاضتها الأحزاب إلى حد الآن، حيث لم تعرف هذه الأحزاب، والتي ولد أغلبها بعد الثورة، ماهية الانتخابات المحلية وشروطها ومحتوى حملاتها ونوعية الجمهور المستهدَف وفحوى الخطاب الانتخابي، بالإضافة إلى مئات الدوائر الانتخابية وآلاف المترشحين وتشتت الجهود بين كل جهات البلاد.
كل هذه العوامل التي تتلخّص في مفهوم القرب السياسي، تستوجب أحزابا قوية متماسكة سياسيا وجاهزة ماديا، ما يدعو إلى التفكير بجدية في البحث عن تحالفات لتقاسم الأعباء والحد من خطورة النتائج في مرحلة أولى، وتقاسم الغنائم السياسية المهمة جدا التي يمكن أن تنتج عن النجاح.
غير أن التجارب السابقة أثبتت أن أغلب الأحزاب التونسية شبه مهووسة بالنجاح الفردي وأوهام الانتشار الواسع، على الرغم من أنها كانت قاسية جدا على أغلبها، بالإضافة إلى أن بعضها الآخر قائم على تحالفات ثبت يوما بعد يوم مدى هشاشتها، مثلما هو الحال بين "حركة النهضة" و"نداء تونس".
وكان رئيس "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، قد دعا شريكه في الحكومة "نداء تونس" إلى التفكير في التحالف في الانتخابات نهاية هذا العام. وقال الغنوشي، في تصريح صحافي: "نحن حريصون على استمرار تجربة التوافق لأن مفتاح التجربة التونسية، والذي جعلها استثناء في الربيع العربي حتى الآن، هو اعتماد نهج التوافق بديلاً عن نهج المغالبة والحكم بـ51% أو بأغلبية حزب واحد".
وشدّد على أهمية ألا يحدث في الانتخابات البلدية استقطاب ثنائي بين تيارين، وإنما أن تتمّ الانتخابات في ظلّ توافقات، مضيفاً: "نحن منفتحون على التوافقات مع الجميع بما في ذلك تشكيل قائمات مشتركة".
وتابع": "لكن إلى حد الآن النهضة لم تضبط استراتيجيتها بعد، وهي حريصة على العمل المشترك والتوافق، وعلى انتخابات بلدية تعزز ديمقراطيتنا ولا تجعل منها صدمة وتراجعا إلى الوراء، وإنما مضيا إلى الأمام، وبلادنا احتاجت ولا تزال محتاجة، وستستمر إلى أمد محتاجة إلى تجربة التوافق".
لكن رد "نداء تونس" جاء قاطعا بالرفض، إذ أصدر الحزب بيانا قويا في هذا الصدد. وقال القيادي بالحزب، حسن العمري، لـ"العربي الجديد"، إن "إصدار النداء بياناً حول عدم الدخول في أي تحالف انتخابي بمناسبة الانتخابات المحلية يأتي في إطار قطع الطريق على محاولات البعض الزج بالحزب في تجاذبات جديدة".
وأوضح العمري أن "بعض الأطراف التي تريد إلهاء الرأي العام عن مشاكل حارقة في البلاد في هذه الآونة، سارعت لإيجاد مواضيع أخرى للتلهية، فرمت من جديد النداء في بوتقة الصراعات متحدثة عن إمكانية تحالفه مع حزب النهضة في الانتخابات البلدية".
وأضاف العمري أن "من يريدون التوافق وانسجام البلاد ومصلحتها ما كان ليضيرهم أن يتحالف الحزبان ذوا المرتبة الأولى والثانية في الانتخابات التشريعية الماضية في إطار الانتخابات المحلية والجهوية لو كان نبأ التحالف صحيحا، وإنما تسعى أطراف إلى مزيد من توتير الأجواء في البلاد وشحنها ضد الحزبين".
وتابع: "النداء الذي يحكم بمعية النهضة وأحزاب أخرى ليس في حاجة إلى تحالفات جديدة لدخول المحطة الانتخابية المقبلة، فقد أعد نفسه جيدا، وهو يواصل ترتيباته للحصول على فوز ساحق خلالها".
وعرج المتحدث ذاته على الحديث عن تحالف مجوعة منسحبة من النداء مع "الجبهة الوطنية للانقاذ"، والتي تتكون من حزب "مشروع تونس" المنشق عن النداء وحزب "الاتحاد الوطني الحر" وشخصيات تم تجميد عضويتها بـ"نداء تونس"، معتبرا أن "الأمر لا يستحق التعليق، لأن النداء حسم موقفه بالترشح منفردا للانتخابات، ولا يحتاج الحزب ولا البلاد محاولات إنقاذ بعد أن حققت التوافق الذي عجزت عنه ديمقراطيات أخرى".
من جهة أخرى، أكد القيادي في "الجبهة الشعبية"، الجيلاني الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الانتخابات المحلية ستكون منهجا حاسما في تشكيل المشهد السياسي التونسي، مبينا أن الجبهة تولي اهتماما كبيرا لهذا الاستحقاق.
وأوضح الهمامي أن "تونس يفصلها بضعة أشهر عن هذا الحدث ولكن توجد في الأثناء استحقاقات أخرى، ومنها إعداد مجلة السلطات الجهوية والمحلية، والتي لم تصل بعد إلى مجلس نواب الشعب".
وأفاد بأنها ستضم أهم وأخطر القوانين التي ستكرس لسلطة جديدة وقضايا الديمقراطية والتنمية وستبني أسسا جديدة.
وأشار إلى أن الجبهة الشعبية ستتقدم بقائماتها في كل البلديات والمجالس المحلية والجهوية، مؤكدا أنها ستكون منفتحة لاستيعاب ما يمكن من الكفاءات والخبرات.
وحول التحالفات المقبلة، أكد الهمامي أن الجبهة ستنظر في الخيارات الممكنة والأحزاب السياسية القريبة منها والشخصيات المستقلة، معتبرا أنه من السابق لأوانه تحديد هذه التحالفات.
وتتقاسم أغلب الأحزاب التونسية الهواجس نفسها باضطراب واضح نتيجة غياب الاستراتيجيات والخيارات الواضحة، خصوصا مع اقتراب الموعد وجسامة الأعمال التي تنتظرها للانطلاق في التحضير للانتخابات والبحث عن ممثليها واختيارهم من بين الأهالي، ما قد يجعل الشخصيات المحلية والمستقلين رحى هذه الانتخابات وعنوانها الأبرز.