تونس منقسمة حول "تقرير لجنة المساواة والحرية".. واستنكار سياسي لتكفير أعضائها

02 يوليو 2018
رفع تقرير "المساواة والحريات الفردية" حدّة السجال بتونس(Getty)
+ الخط -
بعد انقضاء شهر رمضان وانتهاء فترة الإمتحانات الوطنية ونهاية "كأس العالم" بالنسبة لتونس، عاد التونسيون للتركيز على تقرير "لجنة المساواة والحريات الفردية"، الذي قدم منذ أيام للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، بعدما كان أمر بتشكيلها منذ حوالي سنة، لمناسبة عيد المرأة التونسية.

ومع التسريبات الأولى لنتائج التقرير، وقبل نشره كاملاً، كانت جميع المؤشرات تشي بأنه سيكون قنبلةً من العيار الثقيل، ليس فقط لما يتضمنه من توصيات قد لا تتحول كلها إلى قوانين، ولكن على المستوى السياسي أيضاً، وارتداداته على مواقف الأحزاب والمنظمات، بما

يرفع الجدل الإيديولوجي إلى أقصى درجات التوتر، ويعيد الاصطفاف على أساس قضايا الهوية، مع أن التونسيين كانوا يعتقدون أن هذه النقاشات انتهت مع وضع الدستور في 2014.

وفي موازاة الأزمة السياسية الخانقة المستمرة منذ ثلاثة أشهر، وسقوط التوافق بين حزبي "نداء تونس" وحركة "النهضة" بسبب الخلاف حول بقاء الحكومة، يأتي نشر هذا التقرير ليؤجج الساحة السياسية والشعبية في البلاد، ويفتح سجالات تتخذ طابعاً عنيفاً منذ بدايتها، بِما يوحي أن الأيام المقبلة ستتسم بالسخونة.

جامعة الزيتونة ترفض التقرير

وفي أول رد على تقرير اللجنة الذي تضمن مقترحات عديدة حول قضايا شائكة تتعلق بالحريات الفردية والميراث وغيرها من القضايا، عبّر عشرات من أساتذة ومشايخ وعلماء جامعة الزيتونة في تونس عن "رفضهم لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة"، وطالبوا بسحبه وإلغائه انطلاقاً مما ورد في الفصل الأول من دستور 2014.

واعتبر هؤلاء في بيان، أن "التقرير مناقض للقرآن والسنة ومصادم لهوية الشعب التونسي، ويتضمن تهديداً للسلم الاجتماعي، ومسبباً تعاظم الاحتقان الشعبي وضارباً لوحدة المجتمع، ويؤدي إلى مخالفة الفطرة الإنسانية وهدم الأسرة والإضرار بالمرأة والأبناء بالخصوص وتهديد سلم المجتمع وانسجامه".

واعتبر أساتذة "الزيتونة" أن التقرير "يكرس الفردية ونشر الإباحية وإشاعة الفاحشة وتغذية الإرهاب، ما يؤول إلى تعاظم الاحتقان الشعبي وضرب وحدة المجتمع والدولة".

من جهتها، أعلنت جامعة الزيتونة أنها لا تتحمل أي مسؤولية علمية أو أخلاقية عما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، المقدم إلى رئاسة الجمهورية بتاريخ 1 حزيران/يونيو 2018، مؤكدة أنه لا يعبر عن موقفها، بل ترى فيه "التفافاً مشيناً على قيم الإسلام وتعاليمه". وأضاف البلاغ أن جامعة الزيتونة "لم تشرك بصفة رسمية في أعمال هذا التقرير ولا في صياغته ولم يكن لها حضور علمي فاعل فيه، يليق بمقامها وتاريخها باعتبارها مؤسسة إسلامية رسمية علمية".

تصاعد الجدل وتهديدات على مواقع التواصل 

إلى ذلك، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين ارتفاعاً لمنسوب التوتر بسبب النقاشات حول هذا التقرير، وكان أول ضحاياه لطفي زيتون، مستشار رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، بسبب تضامنه مع بشرى بلحاج حميدة، رئيسة اللجنة، ضد دعوات تضمنت تهديدات لشخصها.


غير أن هذا الموقف المتضامن الذي اعتبره زيتون مبدئياً، أدى إلى صدور تهديدات موجهة له شخصياً، ما دفعه إلى نشر توضيح مطول على صفحته في موقع "فيسبوك"، قال فيه إنه عبّر عن تضامنه مع  بشرى بلحاج حميدة ضد ما تتعرض له من شتم وتهديد ودعوات للقتل بمناسبة صدور التقرير الذي أعدته اللجنة، وذلك "بشكل مبدئي" وحتى قبل أن يطلع على مضمون التقرير.

ولكن زيتون قال في المقابل، إن "كثيرين خلطوا بين التضامن مع بشرى ضد ما تعرضت له من تكفير وتهديد في سلامتها الجسدية ودفاع عن حقها في التعبير عن معتقداتها وآرائها، وبين الدفاع عن محتوى التقرير الذي لم يتسن لي الاطلاع عليه بعد، والذي بحسب ما فهمت، يتعرض لقضايا ذات أبعاد دينية اجتماعية سياسية تاريخية، ما يستوجب إدارة نقاش عميق ومطول - إذا سمحت ظروف البلاد الاقتصادية والسياسية الصعبة - قد يمتد لأجيال بين أهل الاختصاص، وتحت أنظار الرأي العام، قبل أن يتحول إلى مشاريع قوانين تتبنى من نواب الشعب، أو ربما استوجب الأمر إجراء استفتاء، نظراً لخطورة المواضيع المطروحة".

واعتبر زيتون أن هناك فئة "تزعم الدفاع عن الإسلام وتنتهج التهديد بالعنف والتكفير والتشكيك والبحث في النوايا والثلب واللعن واستعمال الألفاظ البذيئة، وبعض هؤلاء يتعمدون الخلط بين الدفاع عن الحرية التي ينكرونها، وبين تبني مضمون التقرير، وذلك لغايات خبيثة وأجندات سياسوية"، لافتاً إلى أن "البعض اللآخر يفعل ذلك جهلاً أو قصوراً أو اعتقاداً بأنه وصي على الإسلام أو ناطقاً باسمه"، وأن هؤلاء "قد ساهموا ويساهمون في تشويه صورة الإسلام وعقائده السمحة، وتنفير عموم التونسيين من كل ما يرتبط به".

واعتبر زيتون أن "حضارتنا الإسلامية شهدت أبهى عصورها عندما كانت البلاطات مفتوحة أمام المناظرة الحرة بين العلماء والمفكرين، ولم يحل عليها ظلام الانحطاط والتخلف إلا لما اقتصرت على تكرار الشروح والحواشي وتوقفت عن إنتاج الفكر والعلم.. ولم يسجل أن المسلمين في عصور ازدهارهم تهربوا من مناظرة فكرية أو دينية قط".

رفض حملات التشويه والتكفير

من جهتها، عبرت حركة "نداء تونس" عن تضامنها الكامل مع كل أعضاء "لجنة الحريات الفردية والمساواة"، وثمنت الجهد الهام الذي قاموا به من أجل تقديم جملة الرؤى والمقترحات التي تضمنها تقريرهم النهائي.  

ونددت الحركة بشدة، في بيان، بما سمته "موجة التشويه والتكفير الخطيرة التي تعاملت مع ما ورد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بمنطق الإسفاف والمغالطة، وبعيداً عن كل موضوعية في النقاش والاختلاف". وحذرت من أن "التمادي في طريق التشويه المقصود والتكفير الخطير قد يفتح الباب أمام تهديد حقيقي للسلامة الجسدية لأعضاء اللجنة وإدخال البلاد في مربع عنف وتطاحن لن يزيد أزمتها إلا تعفناً"، معتبرة أن مشروع التقرير يبقى مقدمة مفترضة لنقاش فكري عميق وحر، لا يمكن له أن يتحول إلى إلزام قانوني، إلا بعد عرضه للنقاش والتداول الحر والديمقراطي في مجلس نواب الشعب، الإطار المرجعي للتعبير عن السيادة الشعبية ديمقراطياً".

واستنكر "حزب الوطنيين الديمقراطيين المُوحّد"(يساري من مكونات "الجبهة الشعبية") ما وصفه بـ"حملات تشويه وتكفير تطاول أعضاء لجنة الحريات الفردية والمساواة وكلّ الذين يتعاطفون معهم".

واعتبر الحزب، في بيان، عمل اللجنة "مدخلاً لانطلاق نقاش مجتمعي حول قضايا حقيقية وهامة من أجل تقدّم مجتمعنا، يحق لجميع التونسيات والتونسيين المشاركة فيه في كنف احترام روح التعدّد والاختلاف".


وأكّد الحزب "التزامه اللامشروط بالدفاع عن الحريات الفردية والمساواة التامة والفعلية وعدم فصلها عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لعموم المواطنات والمواطنين"، داعياً في بيانه "كل القوى الديمقراطية والتقدمية المدنية والسياسية إلى توحيد صفوفها والعمل على الدفاع عن الحريات العامة والفردية وتكريس المساوة التامة والفعلية بين المواطنين والمواطنات".

ويلاحظ المتابعون لهذا السجال على مواقع التواصل أن هناك حدة كبيرة في النقاشات الدائرة بين المدافعين عن أعمال اللجنة ومعارضيها، ويتوقع مراقبون أن تتسع دائرة النقاش في الأيام المقبلة، وتخرج إلى الفضاء العمومي الواسع، ما سيزيد من شحنة التوتر التي تطبع المشهد التونسي على إيقاع أزمة سياسية كبيرة، واقتصادية أكبر، خصوصاً مع الزيادات الأخيرة في الأسعار وتدهور القدرات الشرائية للتونسيين.