تونس.. مصر.. سورية

19 مارس 2015
مظاهرة أمام البيت الأبيض عام 2013 (Getty)
+ الخط -
أنا من مواليد عام 1958، عام الوحدة العربية السورية المصرية. أنا من الجيل الذي كبر في ظل موت حلم الوحدة عام 1961، وسقوط مقاومة الجيوش العربية في عام 1967، وتكملة احتلال فلسطين.

أنا من الجيل الذي شهد على موت الثورات وفقد الأمل بإمكانية حدوثها، خصوصاً بعد اجتياح بيروت في عام 1982، وتأكد الشعور بعد سقوط بغداد في عام 2003.لكن الربيع العربي في بداياته المشرقة أعاد لي ولأبناء وبنات جيلي الأمل بأنّ الثورات لم تمت وأنّ الأمل موجود بتحرير الشعب العربي من أنظمته الجائرة الظالمة، وبالتالي تحرير فلسطين بلدي.

مع بداية الثورة التونسية كنت في تونس وتحديداً في صفاقس، أعمل مع مجموعة أهالي لأطفال معوّقين من خلال ورشة "حكايتي حياكتي". في ذلك الوقت، كان هناك تعتيم إعلامي تام عمّا حصل مع البوعزيزي. تركت صفاقس في طريقي إلى تونس العاصمة، وتوقّفت في سوسة ونزلت في فندق. ولمّا أردت الاتصال بالإنترنت، أخبروني أنّه عليّ التواجد في اللوبي، حيث الإنترنت متاح.

بالفعل هذا ما فعلته، وهناك رأيت مجموعة شباب يجلسون حول حاسوب متنقل ويشاهدون برنامجاً ما. ظننت في البداية أنّهم يشاهدون مبارة كرة قدم، لكن أخبرني أحدهم، لاحقاً، أنّ هناك مظاهرات في البلد، لم أعر الأمر أي اهتمام، إلاّ عندما عدت إلى فلسطين وفهمت ما حصل. كانت فرحتي عارمة لا توصف، خصوصاً أنّه مباشرة بعد الثورة التونسية بدأت الثورة المصرية.

في تلك الفترة، كنت جد نشيطة على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، أتحاور من خلاله مع أصدقاء افتراضيين، كتاب وشعراء من أنحاء العالم العربي، وكانت فرحة الجميع لا توصف ببداية تحقيق حلمنا بالتحرر، وشعرنا أنّنا محظوظون، لأننا نعيش حدثاً تاريخياً سينقلنا إلى العالم الذي حلمنا به طويلاً. وزاد الأمل بعد أن بدأت ثورة مصر وأحداث الميدان. وكم فرحنا ورقصنا وزغردنا يوم تنازل الرئيس المصري السابق، محمد مبارك، عن الحكم، وتشاركنا كمّاً هائلاً من البوستتات عن "الحب في زمن الثورة ونكهته الخاصة...".


انتظرت كما انتظر غيري، عدد كبير من الأصدقاء أن تبدأ الثورة في سورية، لأنّي كنت أعرف جيداً من خلال لقائي بعدة أصدقاء سوريين معارضين في أنحاء أوروبا، ومن خلال متابعتي لكتابات المعارضين السوريين في الخارج فظائع النظام البعثي السوري وجرائمه في حق الناس والبلد. ولمّا تأخرت الثورة السورية، حمّلت على صفحتي أغنية، "سورية يا حبيبتي أعيدي لي كرامتي" وتساءلت عن ماهية الكرامة السورية، وأين ثورة أهل سورية عقب الربيع العربي؟ وعندها بعثت لي صديقة سورية تعيش في الإمارات على صندوق الرسائل الخاص بي، قائلة: "أنا كثير زعلانة منّك لأنّك تحرّضين ضد بلادي". اعتذرت منها ولم أكرر بعدها كتابة أي تعليق عن سورية.

ما حيّرني فعلاً، أنّ لهذه الصديقة أختاً كانت مع المعارضة قبل الثورة، وتم اعتقال خطيبها الذي أصبح لاحقاً زوجها في بداية الثورة. ولم أفهم وقتها وحتى الآن كيف يمكن أن يكون في نفس البيت، عدّة آراء، البعض مع النظام بكل فظائعه وآخرون فعالون جداً ضد النظام.

عندما حلَّ آذار وبدأت بوادر الثورة السورية، وعمّت المظاهرات أنحاء البلد، أصبح أمل التحرير من كل الأنظمة الظالمة حقيقة ملموسة، وآمنت بكل ما أملك من أمل بالثورة السورية وبالنهاية الوشيكة لأفظع أنظمة الحكم في العالم.

وفي آذار أيضاً، كانت أوّل عروضي المستقلة مع الفنان الفلسطيني، كمال خليل، المقيم في عمان، وقّررنا تسمية العرض "حكايات وأغانٍ عن الحب والثورة بنكهة الميرمية". واخترت الميرمية لأنّنا في البلاد ممنوعون من قطف أوراق الميرمية من جبل الكرمل وجبال الجليل بحجة واهية من جمعية حماية الطبيعة الإسرائيلية التي تدّعي حماية أزهار فلسطين من الانقراض.

وظننت أنّ مع نجاح ثورتيْ تونس ومصر وبداية الثورة السورية، ستصل الثورة إلى فلسطين ونتحرر من الاحتلال وقوانينه الجائرة التي تمنعنا من شرب شاي الميريمة الجبلية. فيما احتوى العرض على حكايات عن الحب، والحرية، والفرح بمرافقة أغان من السبعينات، غنّاها الفنان، كمال خليل، عن الثورة الفلسطينية، وكانت جد ملائمة للوضع في ذلك الوقت، عندما كان شعور الأغلبية أنّ الأسد سيحذو حذو من سبقوه من حكام تونس ومصر، وسيتنازل عن الحكم.


لاقى العرض نجاحاً كبيراً، وتم دعوتنا إلى تونس للمشاركة في مهرجان الفداوي بهذا العرض الجميل. هناك، في تونس بدأت أسمع من أصدقاء فنانين عن إجهاض الثورة التونسية من السلفيين والمنتفعين الآخرين، وكان تسلم الرئيس المعزول، محمد مرسي، في مصر، الحكم، ضربة أخرى للحلم بالربيع العربي.

لكن مات الحلم وفقدت الأمل بشكل نهائي عندما تحوّلت الثورة السورية من سلمية لأهل البلاد، خصوصاً الشباب ضد حكم الأسد وحاشيته إلى صراع على تدمير سورية تدميراً شاملاً بدعم غربي فاضح ومكشوف ومن دون أن يخسر الغرب أي جندي. إذ وفّر الغرب الجهد وخسارة الأرواح التي كانت من نصيبهم حين دمروا العراق سابقاً.

في فلسطين، كان وما زال هناك معارضون للثورة منذ بدايتها وما زالوا يكرّرون مثل الببغاوات، إنّ نظام الأسد هو نظام الممانعة الوحيد في المنطقة، خصوصاً المنتمين لحزب الجبهة والذين قاموا بعدة مظاهرات داعمة للنظام السوري الى جانب الفريق، الذي كان مع الثورة في بداياتها، والآن يقف عاجزاً أمام ما يحصل من تدمير شامل لسورية العريقة، ولكنه لا يزال على موقفه ضد النظام.

اليوم، وبعد مرور أربع سنوات على الثورة السورية وكل ما حصل من إجهاض لثورتيْ مصر وتونس، توقفت نهائياً عن متابعة نشرات الأخبار على جميع القنوات. وكان الأثر الأكبر، انقطاعي عن فيسبوك كي لا أسمع ولا أرى ولا أتحدّث عن أي شيء له علاقة بالثورات المجهضة، لأنّي مقتنعة تماماً أننا نعيش أيام الكابوس العربي الأكبر، وفقدت الأمل بأن يكون لأولادي أو أحفادي عالم عربي أفضل، ينتمون إليه، يحبونه، ويحققون فيه أحلامهم بحرية وكرامة.
دلالات
المساهمون