تونس تغير خارطة تعاونها الاقتصادي مع فرنسا

22 يوليو 2017
تسعى فرنسا للحفاظ على مكانتها بالسوق التونسية (Getty)
+ الخط -




تتطلع تونس إلى تغيير شكل التعاون الاقتصادي مع شريكها الأول فرنسا عبر صياغة خارطة طريق جديدة قبل شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، موعد عقد مجلس التعاون التونسي الفرنسي.

ويتوقع أن تشمل الخارطة الجديدة مزيدا من تكثيف المبادلات التجارية بين البلدين، إلى جانب دعم الصناعات الإلكترونية والميكانيكية التي تحتل حيزا هاما في الشراكة الاقتصادية التونسية الفرنسية.

وتعد فرنسا الشريك الاقتصادي الأول والتقليدي لتونس بحكم العلاقات التاريخية التي تحولت بعد أكثر من 60 عاما على الاستقلال التونسي إلى ما يشبه التبعية التجارية، ما جعل العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي يعتبرون أن هذا الشراكة حالت دون اكتساح تونس لأسواق جديدة، ما جعل أغلب معاملاتها الاقتصادية منحصرة في محيطها المتوسطي.
وحسب بيانات للغرفة التجارية التونسية الفرنسية يبلغ عدد المؤسسات الفرنسية أو ذات المساهمة الفرنسية العاملة في تونس 1349 مؤسسة، من بينها 1040 مؤسسة تصديرية بالكامل، ويمثل هذا الرقم 40% منالمؤسسات الأجنبية بالبلاد، بحجم استثمارات يقدر بنحو ثلاثة مليارات دينار (1.25 مليار دولار).

وترتكز الاستثمارات الفرنسية بالخصوص على قطاع الصناعة والخدمات 711 مؤسسة، وتوفر المؤسسات الفرنسية 127 ألف فرصة عمل.

وبخصوص المبادلات التجارية، تستوعب السوق الفرنسية قرابة 29% من إجمالي صادرات البلاد، كما تعتبر أول مزود لتونس بقيمة واردات تبلغ 16.3% من الحجم الإجمالي للواردات.
في المقابل تؤمن تونس 0.9% من الصادرات الفرنسية و0.8% من وارداتها، وهي العميل رقم 23 والمزود رقم 24 لفرنسا.

ويعتبر الخبير الاقتصادي محمد الجراية أن الوقت قد حان لإجراء مراجعات مهمة على مستوى التعاون الاقتصادي مع فرنسا والاستفادة من مراكمة الخبرة والأسبقية للسوق التونسية في فرنسا، لافتا إلى أن مبدأ التعاون يجب أن يكون بمنطق الند للند لا بمنطق الوصاية أو الحماية وفق تصريحه لـ"العربي الجديد".

وقال الجراية، يجب أن تحول تونس مستقبلا اهتمامها نحو الصناعات الكبرى على غرار صناعة السيارات والطائرات للاستفادة من الطاقة التشغيلية الكبرى لهذا الصنف من الصناعات.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن التعاون الثنائي بين البلدان يقوم على المصلحة وليس العاطفة، وعليه فإن تونس مدعوة إلى رسم خارطة طريق جديدة تقوم على مبدأ الكسب المتبادل، بما يمكن من تقليص عجز الميزان التجاري بينها وبين فرنسا، أو أن تغير بوصلتها نحو أسواق جديدة.

ويعد الاتفاق التجاري الجمركي التونسي الفرنسي الموقع 1959 أول إطار قانوني منظم للعلاقات التجارية الثنائية بعد الاستقلال، ورغم إلغائه للوحدة الجمركية، فقد تضمّن الاتفاق بنودا تفضيلية هامة لفائدة سلع الجانبين، ما ساعد فرنسا على الاحتفاظ بموقعها كأول شريك تجاري واقتصادي لتونس، ولم تتأثر هذه المكانة بشكل ملموس بالأزمات العديدة التي تخللت العلاقات بين الجانبين.

ومثلت مضاعفة قيمة التبادل التجاري بين تونس وفرنسا، وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية محور جلسة العمل التي جمعت وزير الصناعة والتجارة زياد العذاري مؤخرا، بكاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جون باتيست ليموين.

وتحتاج المبادلات بطريقة مربحة للبلدين بحسب كاتب الدولة للتجارة عبد اللطيف حمام، إلى تحديد القطاعات والمجالات التي تستطيع تونس تحقيق الاستفادة القصوى منها، مع مزيد بذل المجهود على المستوى المحلي لتوفير ما تحتاجه السوق الفرنسية.

وقال حمام في تصريح لـ"العربي الجديد، إن ضبط خارطة طريق اقتصادية للسنوات القادمة سيمكن تونس من التفاوض حول جلب استثمارات فرنسية مهمة للبلاد، فضلا عن الاستفادة من نقل التكنولوجيات الحديثة في قطاعات الإلكترونيك والصناعات الميكانيكية وصناعة السيارات.
وبسبب المناخ الاجتماعي المتوتر فقدت تونس عقب ثورة يناير العديد من فرص الاستثمار المهمة وخاصة الفرنسية منها، بعد أن اختارت فرنسا تحويل وجهتها نحو المغرب لتركيز أكبر مصنع لسيارات "البيجو" في أفريقيا، بعد أن حصلت تونس على وعود سابقة بإنشاء هذا المصنع على أراضيها.

ووقعت فرنسا إبان مؤتمر الاستثمار 2020 التي انتظم في تونس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على اتفاقيات في شكل قروض مع فرنسا بقيمة ثلاثة مليارات دينار بحضور رئيس الحكومة الفرنسية ايمنوال فالس، وذلك على امتداد 4 سنوات، فضلا عن 420 مليون دينار اتفاقيات تمويل بشروط ميسرة، ومنحة تقدر بحدود 25 مليون دينار. بالإضافة إلى إعادة جدولة الديون الفرنسية لتحويلها إلى استثمارات في تونس.
كما وقعت شركات خاصة على مشاريع استثمارية بإنشاء مؤسسة لصناعة الشاحنات، واتفاقية شراكة مع شركة "آيرباص".

وبعد دخول العديد من الأسواق الاقتصادية إلى تونس عقب الثورة، تسعى فرنسا إلى المحافظة على مكانتها بالسوق وضمان نصيبها، في ظل منافسة شرسة واقتناع كبير لدى المتعاملين الاقتصاديين بضرورة تحويل البوصلة جنوبا نحو السوق الأفريقية.

المساهمون